الأحد  22 كانون الأول 2024

" نُـذُرُ الْـعَـاصِـفَــة.... وَغَضَبُ البحر...". قصَّةٌ قصيرة لـ رائد دحبور

2014-08-30 07:58:50 PM
صورة ارشيفية

 نَظَرَ القَبْطانُ من فوقِ السَّفينَةِ الى الأُفُقِ البَعيد، بَدا وكأنَّهُ خيطٌ أُرجوانيٌّ رفيعٌ تَعْلوهُ سُحُبٌ كنهوريَّةٌ مُلْتَفَّةٌ في قاعدَتِها كما " القَرْنَبَيْط "... بدأت الرِّياحُ تَنْفُثُ فَوقَ سطح الماء مُكَوِّرَةً بدايات الأمواج، ومِنْذِرةً بِتَكَدُّرِ وجه البحر.

قال القبطانُ: عليكم بالإستعدادِ أيُّها البحَّارة، لغَضَبِ البحر، فكل هذه الإشاراتِ تُنْذِرُ بولادَةِ أمواجٍ كالجبال؛ بعدَ أنْ يزْدادَ نَفْثُ الرِّياح؛ هكذا هي سياقات غضب البحر دائماً؛ إشارات مُتَفَرِّقة ما تَلبثُ أنْ تتجمَّعَ وتأتَلِفْ؛ لِتَحْصُلَ بعدها الكارِثة، الَّتي ستُطَوِّحُ بسواري الأشرِعَةِ؛ في حالِ بقيت الأشرِعةُ متوَتَِّرة؛ فتَهُزُّ جِسْمَ السَّفينَةِ هَزَّاً عنيفاً، عندها يُصبِحُ دُوارُ البحرِ المُعْتاد وبالمقارنَةِ مَعَ إضْطِرابِ السَّفينَةِ ومن عليها، كما لو أنَّهُ مُجَرَّدُ مَزْحَة سَمِجة !!!... إذنْ أرْخوا الأشرِعَةَ قليلاً؛ فلا ينبغي لها أنْ تبْقَ مشدودةً متوَتِّرة؛ وذلك كيْ تكونُ قادرة على إمتصاصِ قُوَّةَ نَفْث الرِّياح، وألْقوا ببعْضِ المراسي في عُمقِ الماء... وتَسَلَّحوا بالشَّجاعَةِ والحِكْمَةِ والهدوء... وثَبِّتوا الأغراض التي يمكنُ أن تتطاير وتتبعثر بفعلِ إضْطِراب جسم السفينة.

فالأنْواءُ وغَضَبُ البحر لا يواجهُ بالإنْفِعَالِ وبالتَّوتُّر، أيُّها البحَّارة...والرِّياحُ النَّفَّاثة لا تُواجهُ بالمحاولاتِ اليائسةِ لِصَدِّها... فَقَطْ بالحِكْمَةِ وبالشَّجاعَةِ وبالمعرِفَةِ الصحيحة، وبالهدوء وبرباطَةِ الجأشِ، وبِحُسْنِ التَّصَرُّف وبِعَدَمِ إضاعَةِ الوقت يمكننا مواجهة العواصف والأنواء... يُمكننا إمتصاص العاصِفة؛ بِعَدَمِ الوقوع ضحيَّةً للهَلَع.... هذه هي ثقافة البَحَّارة، وتلك هي قوانين وتعليمات ركوب البحر.

نَظَرَ البَحَّارةُ الى الأفُقِ والى كَبِدِ السَّماء... كانت طيور البحر والنَّوارس تدورُ بحركةٍ إهليجيَّةٍ وكأنّها تُحاوِلُ الدَّوران بِعَكْسِ دورة بؤرة العاصِفَةِ، مُحاوِلَةً أنْ تتخلَّصَ من قوِّةِ جَذْبِهَا بِحَرَكَةٍ إنْسيابية فيها الكثيرُ من المهارةِ والحكمة... وأصبَحت السُّحب الرُّكاميَّة الدَّاكنة وكأنَّها شفاهٌ غليظَةٌ، لأفواهٍ تستَعِدُّ لأنْ تتقيَّء كل ما في أمعاءِ أصحابِها من تَلَبُّكٍ للسُمومِ التي إستَقَرَّت، ثُمَّ طَفَتْ على جُدْرانِ أمْعِدَتِها، وأجهزتها الهضميَّة... وبدأت السَّماءُ تَتَشَقَّقُ بوميض البرق، وكأنَّ ذلك الوميض أذْرِعَة أخطُبوطٍ، رأسه في عين العاصفة.

ضَرَبَت أولى زخَّات المطر ظهر السفينة وجدرانها، كما لو كانت صفعاتُ عِملاق فقدَ صوابه، وبدأت الأمواجُ ترتفع مُلْتَفَّة فوق صفحة البحر المُضطَرِب، آخِذَةً السفينةَ صعوداً وهبوطاً... ماجت السفينَةُ...إهتزَّت... واضْطَرَبَ كُلُّ ما عليها... ثَبَت البحَّارةُ... واستلهموا ثقافة البحر وتجاربه وعملوا بمقتضاهما... ها قد بدأت الأنواءُ تهدأ... وبدأت السُّحُب الكنهوريَّة بسحبِ خيوطها من فوق البحر... تَعِبَت الرِّيحُ النَّفاثةُ، واستَرْخَتْ.

قال القبطان: الآن شُدُّوا الأشرِعة... ووجِّهوا السَّواري... سأديرُ دولابَ الأشرعَةِ باتِّجاهِ الشَّواطيء.

اختر ملصق أو رمز مشاعر