الأحد  22 كانون الأول 2024

قراءة في كتاب وليمة للنصل البارد بقلم: فاطمة حوامدة

2014-09-23 12:37:49 AM
قراءة في كتاب وليمة للنصل البارد
بقلم: فاطمة حوامدة
صورة ارشيفية

 من عنوان الكتاب تستشعر الفضول لمعرفة مابين دفتيه وما وراء السطور، فالكاتب كان على قدر عالٍ من الذكاء في اختيار مواضيع الكتاب بطريقة تمزج مزج الواقع، وتجمع بين المألوف واللامألوف، ونسج الحكايات بحنكةٍ وروية، إذ تتثاءب لها الذاكرة عندما تطرق أبوابها لتسترجع ماضيها بلهفة وشغف، فتصاب بالدهشة عند انتهاء الحكاية والحدث

  لا ألمع في عيون الأشجار، ولا أردم فجوة في قلب غزالة، بالصدفة كنت هناك أمسح عن وجهي الماء حين عبرتني طريدة وسهم وصياد، فصرت وليمة للنصل البارد، هكذا انتهى الكاتب خليل ناصيف من أولى أطباقه التي أتقن إعدادها لتقديمها على مائدة الصدق، حيث لا يتردد القارىء من تذوقها والتهامها.

لم تشغله السندريلا عن إتمام بقية الأطباق، ولم يخدعه القزم الثامن مثلما خدع سنو وايت والأقزام السبعة، ليقضم تفاحة المعنى ويترك قرّاءه في انتظار الوليمة كاملة. كان الطبق الأول حافلاً بالدهشة. أتقن الكاتب حرفته في جعل أبطال الحكايات جزءاً من لعبته، إذ جعل الجني القابع في فانوسه السحري منذ عصور، يتعرى من أحلامه ليكشف سره، ويخبرنا أن علي بابا هو الحرامي الفعلي في زمنه، وأن الذئب غير نهج افتراسه وأصبح بربطة عنقه وأناقته خالداً في ذاكرة الجمهور، حتى بعد التهامهم ونجاة ليلى من قبضته. أصبح رفيقاً للغولة بعدما أوجد سبيلاً لذلك، لتصبحَ على يده بريئة من دم أطفال تطعمهم لجوع أمومتها. إذاً تمرد الكاتب، وانقلب على كل الشرائع التي أوجدتها خرافات الماضي واجتهاداته.

لم يقتصر الكتاب على حكايات الزمن الجميل، فهناك الكثير الكثير من التفاصيل الصغيرة التي لايدركها إلا قارىء متمرس، من حكاية إلى حكاية ومن نص إلى آخر، ومن طبق الوليمة الأول إلى الطبق الثاني والثالث، لتصبح الوليمة كاملة الدسم مكتملة العناصر والمكونات، مشبعة بالتوابل الخرافية أحياناً، واللاذعة أحيانا أخرى. كما أنك تدرك براعة الكاتب في استحضار الأرواح الغابرة والنصوص الآتية عبر الماضي السحيق، لتحيا على بياض الورق بروح جديدة تدب الحياة فيها وفي الكائنات التى زحفت بين السطور طامعة بقضم جزء من قوتها، وإن كانت من تفاحة متعفنة لسد جوعها.

في الفصل الثالث من الكتاب، صنع الكاتب الحساء للمخلوقات الغافية في المخيلة من الأعشاب المرة والجافة، وترجم على عاتقه أفكار سمكة تحلم بالرجوع إلى مائها. رقص على الورق ورسم لوحة بألوانه المفضلة، ومنح حمرة وردة ذابلة لقلب عصفور جرحته قضبان الفقص. ووقف على مشارف الرواية ليوحي للقارىء أنه لا بد أن يقرأ النصوص وهو على علم بأنها على صلة قوية ببعضها. ومن لم يدرك غاية الكاتب في كل نص، فقد وقع في مصيدة اللاوعي، وهذا يعني أن لا قدرة له ليكون قارئاً فذاً، وأنه فشل في إجادة القراءة بعمق، وإدراك لما وراء النص، فما وراء النص أسمى وأعمق من المرور على الكلمات والنصوص كوجبة سريعة يلتهمها على عجالة دون أن تغني عن جوعه أو تشعره بالشبع.

خليل ناصيف ككاتب في بداياته، هو من القلائل ممن كسر نطاق المألوف وتألق في اختيار المحتويات الرئيسية لوليمته التي تحتوي على ثلاث أطباق رئيسية وخرافيه. كل طبق يحاكي الآخر في ندرته وذوقه وثقافته وسرده واختياره الأنيق، وأخيراً سأختتم قراءتي بالعبارة ذاتها التي أنهى بها طبقه الثالث والأخير في كتابه: "أيتها الكائنات التي تسكن الذاكرة عليك السلام".