الأحد  22 كانون الأول 2024

داعش، خرائط الدم والوهم

2014-09-25 10:59:04 AM
داعش، خرائط الدم والوهم
صورة ارشيفية

 الحدث/ القاهرة: بهاء الدين

صدر عن دار "روعة" للنشر والتوزيع في القاهرة، الكتاب الأول من نوعه في المكتبة العربية والعالمية عن " داعش"  للكاتب والصحفي المصري محمود الشناوي، مدير تحرير وكالة انباء الشرق الأوسط، وجاء الكتاب بعنوان داعش - خرائط الدم والوهم، ويقع في ستة فصول في قرابة 200 صفحة من القطع المتوسط.

  يتناول الكاتب النشأة الأولي للتنظيم من خلال جماعة "التوحيد والجهاد" التي أسسها "أبو مصعب الزرقاوي" عام 2004 والتطورات التي مر بها حتي وصله إلي محطة (داعش)، ويقدم الكاتب خريطة كاملة لأليات عمل التنظيم وطريقة ادارته وأبرز قياداته وأسماء من تولي الإمارة والوزارة في حكومات أدارت كيان "الدولة المزعومة" في مناطق العراق المختلفة، والتكتيكات والأساليب التي استخدمها التنظيم بمختلف الرايات التي عمل تحتها من خلال مجموعة من الوثائق والشهادات الحية حصل الكاتب على جزء كبير منها، خلال فترة عمله مديرا  لمكتب وكالة انباء الشرق الأوسط في العراق خلال الفترة من 2006- 2010.

 كما يقدم الكاتب شرحا للأسس الفكرية والأسانيد الدينية التي اعتمد عليها قادة التنظيم وعناصره، والتي انتجت مشاهد الذبح والسبي والمقابر الجماعية في كل منطقة سيطروا عليها، وكيف طور التنظيم- ومن ورائه- تلك الأفكار والآليات لاجتذاب وتجنيد المزيد من المقاتلين من مختلف أنحاء العالم تحت تأثير شعارات براقة مثل "دولة العدل" و"دولة الخلافة" و"الانتصار للمظلومين".

 ويطرح الكاتب روشتة علاج لهذا السرطان الذي استشري في الجسد العالمي وكيفية مقاومة هذا الفكر المتطرف وتقليص مساحات تمدده، بعد شرح مفصل عن طرق التمويل وتكتيكات العمل والحركة في نطاق المناطق السنية التي يقدم التنظيم نفسه على أنه المدافع عن أهلها، رغم أن تلك المناطق هي التي ألحقت أكبر الهزائم بتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين ومن بعده تنظيم دولة العراق الإسلامية، وهو ما حدا بالكاتب لأن يخصص فصلا كاملا عن مشروع " الصحوات" التي تشكلت من أبناء العشائر السنية برعاية ودعم أمريكي، حيث يعرض الكتاب لأول مرة  صورا للعقود التي كان يجري توقيعها لإتمام المهمة.

ويجيب الكتاب عن مجموعة من التساؤلات الحائرة مثل: كيف ظهر هؤلاء وأسسوا لدولة دستورها الغلوَّ والتسرُّعَ في التكفير الذي يشرعن التساهُل في إراقة الدِّماء المعصومة؛ يزرعون الرعب والدمار أينما وطئت أقدامهم الغليظة، كيف استشعروا الملاذات الآمنة التى منحتهم كل هذا الحضور، كيف يديرون تنظيماتهم، إلى ماذا يستندون من فروع ديننا الوسطي الحنيف حتى يمارسوا كل هذا القتل والذبح، ما الذي يقود الشباب الطيب إلى مستنقع الإنتماء إليهم، وكيف يجري غسيل أدمغة المنتمين وتحويل ولاءاتهم، كيف إستشرى الإرهاب في تلك المجتمعات، وكيف استحكم على عقول الشباب، وما هي الأدوات التي استخدمت لذلك، وكيف يمكن مقاومة هذا التمدد وبناء حصانة ذاتية للمجتمع حتى لا تزهق أرواح المزيد على دروب التيه والبهتان بدعوى الجهاد، كيف نغلق كل النوافذ المشبوهة التي تتسلل منها مفاهيم الكراهية لتقرع طبول الحرب، ويهرول الآلاف إستجابة لنداء الموت في سبيل حلم مزعوم، سالت لأجله الدماء الذكية في أفغانستان والبوسنة والشيشان، وأخيراً سوريا والعراق.

 ويؤكد الكتاب أن هؤلاء الشباب الذين يقدمهم  كثير من علماء الدين الاسلامي على أنهم خوارج و ضالون وقتله، لا يمكن النظر إلى أغلبيتهم سوى بنظرة عطف بإعتبارهم مساكين، غرر بهم سدنة الجهاد الذين يلقون بهم إلى دوامات العنف، ولا يمكن النظر إلى تنظيمات التشدد الديني، على أنها مجرد ظاهرة يستوجب التعامل معها الإفراط في العنف مع عناصرها، وإنما يجب النظر إليها كظاهرة فكرية، تستوجب تقديم فكر صحيح يقوى على مجابهة الفكر المتطرف.

ويرى الكاتب من خلال تحليل خرائط الدم التي رسمتها " داعش أن قبول فكرة إستمرار " داعش" كنظام هرمي له دولة يجري رسم حدودها الآن بالدم والبارود، لا يعد أمرا مرجحا، وذلك بسبب أسلوب هذا التنظيم فى الممارسات اليومية، التي ترفضها الفطرة السليمة لأهالي المناطق التي وقعت تحت سيطرته، ومازال نموذج " القاعدة في بلاد الرافدين" ماثلا للأذهان، ومازالت هزائمه وإنكساراته تروى في المناطق التي رسم أبناؤها صورا زاهية الألوان في مقاومة التنظيم رغم حالة التوحش التي بلغها، كما أن السيناريوهات التي ترسمها بعض الدراسات، والتي تقول أنه "من المتوقع أن تبقى داعش" حقيقة واقعة، يصعب إخراجها من العراق وسوريا بما يضاعف من هيبتها "، هي سيناريوهات لا تراعي طبيعة المناطق التي تفرض " داعش" سطوتها عليها بالعنف المفرط، وأن إعادة إنتاج تجربة "الصحوات" ممكنة، مع مراعاة مناطق الهشاشة والفشل التي إعترتها.

كما أن الولايات المتحدة بوصفها القطب الاوحد يمكن أن تقوم باجبار الاطراف المعنية على تغيير مواقعها بالاكراه والتهديد؛ وذلك باستخدام وسيلة أو مجموعة من الوسائل المادية الفعالة التى تدفع طرفا معينا إلى تحقيق الاهداف والغايات المطلوبة بشكل مباشر او غير مباشر خلال مدى زمنى وسياق محددين، وفى هذا الصدد يعتمد هذا القطب الواحد على القوى العسكرية سواء باستخدام هذه القوة أو التهديد باستخدامها، وكذا على العقوبات الدبلوماسية والاقتصادية والحصار وفرض العزلة الاقليمية والدولية."

ومن خلال وقائع كان الكاتب شاهد عيان عليها أورد بعضا منها في كتابه الأول " سنوات الجحيم – اوراق مراسل صحفي بالعراق" وسمع روايات البعض الآخر من خلال تواصله الدائم مع أهالي المناطق التي سيطرت عليها داعش، يؤكد الكتاب أن خرائط الدم التي تنشرها داعش وتجيد في رسم خطوطها ، توازيها خرائط وهم توضح مدى هشاشتها ،حيث لا يمكن الذهاب بعيدا عن أسباب إستفحال نفوذ " القاعدة فى بلاد الرافدين " ودولة العراق الإسلامية، عندما نتعرض لتمدد نفوذ "داعش"، كما لا يمكن التسليم بكل هذه القوة والنفوذ اللانهائي والسيطرة على محافظات بأكملها، دون توجيه أصابع الإتهام إلى من ترك هذا السرطان ينتشر في الجسد العراقي

ويرى الكاتب أنه إذا كانت رؤية " داعش" الفكرية تعطي تفسيرا ومبررا لكسب المزيد من المتطوعين، الذين يؤمنون بهذا الفكر "ضيق الأفق"، إلا أنه يمكن رصد بعض الأسباب التي تؤدي إلى إنضمام الشباب إلى هذا التنظيم الإرهابي، وإنتظامهم فى صفوف مقاتليه الذين يحرقون الأخضر واليابس، ويمارسون أقصى درجات العنف والتدمير فى كل المناطق التي تطالها أقدامهم، وهي تختلف كثيرا عن الأسباب التي من أجلها سار عشرات الآلاف من الشباب العربي والغربي فى دروب الضلال، وصولا إلى ساحات القتال فى أفغانستان والشيشان والبوسنة والهرسك، ضمن صفوف تنظيم القاعدة، وقبل أن يبدءوا رحلة جديدة من التيه شكلوا خلالها ظاهرة مرعبة لبلدانهم والعالم، وهي ظاهرة " الأفغان العرب"، وهي الظاهرة التي ربما دفعت المجتمعات الغربية إلى كل هذا الحراك بهدف تفادي إعادة انتاجها، الأمر الذي قد يحرق الغرب إرهابا وتدميرا

والمؤالف محمود الشناوي اصدر كتابين هما "سنوات الجحخيم – اوراق مراسل صحفي بالعراق "جزآن" والعراق التائه بين الطائفة والقومية – هذا ما جرى بعد الصدمة والرعب، ويعتبر أحد أهم الخبراء في الشئون العراقية والإيرانية.