الأحد  22 كانون الأول 2024

قراءة في رواية قتلة مرمر القاسم الأنصاري

2014-10-05 09:45:22 PM
قراءة في رواية قتلة
مرمر القاسم الأنصاري
صورة ارشيفية

 أكاد أجزم أن غالبية الكتّاب العراقيين يكتبون بطائفية وخصوصًا حين يصرّون على أنهم ليسوا كذلك، إلا أن القارئ للرواية العراقية يمكنه استشعار الطائفية المخبأة في النّص،  ولعل اللاوعي لدى الكاتب العراقي هو من يدفعه لفعل ذلك دون وعي كامل منه،  وهذا أمر طبيعي ومتوقع حدوثه وبقاء أثره في أجيال قادمة،  تمامًا كما أصاب جيلنا وأجيال سابقة.

دائمًا أتوجس الخيفة والحذر كلّما أمسكت كتابًا لكاتب عراقي، رغم أن أصولي عراقيّة وأعتزّ بعراقيتي ولا أستبدلها بتراب الكون، إلا أنني أخاف مما تسطره الأقلام العراقية.

وتصدمني الحقيقة ببشاعتها، إلا أن الإعتراف بها أقل وطأة من انكارها وادعاء "الحياد المثلي"، فالرواية "بعضها"طائفية بامتياز، وإن حاول الكاتب جاهدًا تبطين كتاباته وزيّن جمله بإنسانية مفتعلة، ووارى نواياه بين السطور بأفضل مستحضرات التجميل، سرعان ما تنبري الحقيقة بسهولة لقارئة مثلي.

ولكم هو مؤسف أن اقول أن الرواية الأخيرة الّتي قرأتها "قتلة"للكاتب ضياء الخالدي والذي جعل أبطال روايته من أهل السنّة، وتكلم "عماد الغريب"السنيّ ليقول لنا"وشهد شاهد من أهلها"كانت محاولة فاشلة لإقناع المتلقّي بأفكاره وآرائه، وما جعلني مقتنعة بقراءتي هذه أن الكاتب غيّب الآخر "الشيعي"ولم يتعرض لذكره إلا حين كان يتعلق الأمر بالمفارقة مابين الوحوش والإنسانيين ، حيث بدا لي الشيعي المغيب عن الرواية الظاهر في المفارقة كشخص حيادي مظلوم قَتيلٌ مغدور على الدوام، مما يضعه في خانة الإنساني حد الشذوذ.

" الإمام الذي لا يتكلم بالسياسة إطلاقًا، ولا حتى المجتمع الذي ينهار بالجوع في حصار التسعينات الأمريكي، الخرس أصاب المؤمنين وقتها، كل قارئي القرآن، وكل الصائمين في رمضان، وكل الحجاج، والناطقين بالشهادتين، لا أحد يتكلم مثلًا عن البذخ في عيد ميلاد الرئيس يوم 28 نيسان."

ترى ماذا كان يفعل أهل الطائفة الأخرى.؟

هل جلسوا في انتظار مجيء دورهم بالذّبح بسذاجة مؤمنين خاشعين مستسلمين لقضاء وقدر.؟

هل يعقل أن تسول للكاتب نفسه أن القارئ بتلك السذاجة كي يصدق كل ما رواه عن أهل السنّة وطبعًا سبق وكتبتُ ذات بوست"نحن لا نعرف من الجنة إلا ما خبرناه من النار"وكذلك أراد منا الكاتب أن نعتقد بأهل الطائفة الأخرى أهل الإنسانية والأخلاق ومخافة الرّب وصون الأعراض والملجأ الآمن  والخ الخ الخ، لسبب ظنه بسيطًا، أن تشويهه لأهل السنّة سوف يدلنا على أهل الشيعة الملاذ الآمن من الشر والموت.

كتب ضياء :تديّن المرء يفرض تصميمًا لا يتزعزع، صلب كتلك العاطفة التي تجبر الإنسان على الخروج مشيًا إلى كربلاء، لن يكون بعد المسافة ما بين عتبة البيت والضريح إلا مسافة إلى الجنة، مثل من يعبر الحدود ويأتي لتفجير جسده طامعًا بلقاء الرسول، التاريخ يحرك الشخصين، لكن الاختلاف كبير بينهما  حين يتعلق الأمر بدنياي، فالأول يمارس طقسًا يخصه، لن يقتلني بمشيه حتى لو لفّ الكرة الأرضية، بينما الثاني، لا يدخل الجنة إلا حين يحوّلني إلى جثة متفحمة."

الإقتباس من صفحة119يمكننا أن نلاحظ بكل بساطة الطائفية في السرد، وتوكيد نقاء الآخر مع نفي الشّك بنقاء الثاني، وهذا يدفعني إلى الاعتقاد بأن نفسًا خبيثة كانت تراود الكاتب عندما كتب تلك السطور، إلا أن اعتقادي الأول هو الأرجح، فالرواية فصول متكاملة جميعها تخدم الهدف ولابد أن يكون الراوي ذكي بما يكفي لربط خيوط الرواية ببعضها حتى توصلنا في النهاية إلى عقله واتباع أفكاره وتبني معتقده وإن ادعى الحيادية غير الممكنة.

وكي لا أظلم الروائي كان لزامًا عليّ اكمال الرواية حتّى نهايتها لأخرج منها بشيء واحد صدّقته في رواية ضياء الخالدي بعد الانتهاء منها، هو عنوان روايته"قتلة"وبالفعل جميعنا قتلة إذا اتفقنا مع روايته وما جاء فيها، والحقيقة الساطعة أن العراق صنع القتلة ليقتل أبناءه ليس إلا.