الأحد  22 كانون الأول 2024

طارق العربي... الغجري الراكض على رمل المعنى وحيداً! ... قراءة في المجموعة الشعرية “الرابعة فجراً في السوق”

2014-05-27 00:00:00
طارق العربي... الغجري الراكض على رمل المعنى وحيداً! ... قراءة في المجموعة الشعرية “الرابعة فجراً في السوق”
صورة ارشيفية

بقلم: ثائر ثابت - كاتب وصحفي فلسطيني

بقصائد مجموعته الشعرية الجديدة (الرابعة فجراً في السوق) يسحبنا طارق العربي، واحداً تلو الآخر، لنذهب معه إلى فضاء السوق المفعم بالضجيج، والحكايات المثيرة. وقبل أن نشتم رائحة الرغبات المبتورة، والأمنيات المشلولة، والتلصص على حلم الصغيرات، ومرارة الخيبات، وصبر الأمهات، يستوقفنا الشاعر على باب مجموعته، وقبل أن نهم بالدخول يدهشنا الإهداء (إلى روعة... صوتك يشبه الماء، يجعل كل شيء حياً). وكأن صوتها ماء القصيدة العذب.

في أمسية إطلاق المجموعة في المركز الثقافي الفرنسي بنابلس، ومن خلفه شرفة تختال بظل سكونها وبروعة شجرة اللوز الباسقة، أخذ العربي يركض بنا، من قصيدة لأخرى، نغوص معه في رمل التأويل، وتفكيك حروف الصور والمواقف. حينها عدت للزمن بعيداً، وقتها كان يأتي بأوراق قصائده ويطلب منيّ أن أقرأ له وأعطيه رأياً، وكذلك فعل وما زال مع بعض أصدقائه، ومن نافذة (الفيس بوك) يرمي العربي لنا بنصوصه ليس لنضع (لايك) أو تعليقاً عابراً، بل لنشاركه وجع القصيدة وأبطالها، العتال المُتعب، والتاجر الحائر، والحبيبة البعيدة، والأخت القريبة وغيرهم. ومنذ تسع سنوات ما زلت أراه شاعراً غجرياً لا يتقن مراسيم الإلقاء، والتكلف الشعري والتقديم النخبوي، بينما يعي تماماً كيف تحاصر البساطة الشاعرية روح الواقع، وأن يحشر فوضى القصيدة في علبة زجاجية، ويجعلنا نتلذذ بألوانها متراقصة بمعانيها على إيقاع موسيقى المعنى المكتمل، أو ربما الناقص.

خلال التأمل في قصائده، ما زال العربي معتقلاً في عباءة شاعرنا محمود درويش، على الرغم من ابتعاده ومحاولات هروبه من هذه العباءة الحداثة، إلا أنه هناك تشابه في النثر والبوح والفكرة، وليس هو الوحيد الذي ينحدر من السلالة الدرويشية، فهنالك الكثير من الشعراء الشباب الذين ما زالوا متورطين في هذا الإرث، حتى أن العربي كان موفقاً وذكياً في قصيدة “محمود درويش” وفيها فلسفة الأسماء واختلاف زمن التلاقي، وسقوط شعراء القيامة.

المجموعة الشعرية الحاصلة على الجائزة الأولى في مسابقة الكاتب الشاب للعام 2012، في حقل الشعر، تمتاز بخطابها الشعري النثري، وفيه تتجلى تجربة الشاعر الذاتية، التي يحاول أن يخرج من على سُلمها إلى عالم أوسع، موظفاً بذلك تقنيات وأدوات كثيرة، تسهم في تأكيد حضور شخوص القصيدة، ويبدو حضور المرأة جلياً، من الشام وحلب ونابلس، وأحياناً لا تنحصر المرأة في مكان ما، بقدر ما تجمع نساء هذه المجموعة الشعرية صفات الحرمان والانتظار والرغبة الجامحة في الحب والفرح والسكينة.

في هذا المقام، لست ناقداً ولا شاعراً لأعري أثواب القصيدة، وأخلع بمطرقة النقد أسنانها، وما أقدمه هنا ليس سوى محاولة متواضعة، للتعريف بمجموعة جديدة لشاعر شاب حداثي، أحببت جداً حين كنت أتامل غلاف مجموعته، وقبل أن أطالع قصائدها، أن ألبسه لقب (الغجري)، فهو الذي يدرك، وحده، حقيقة الغوص في رمل المعنى. وكما جعل من صوت المرأة ماء الحياة - القصيدة، كعادتها هي الكلمات تبقى ناضجة في “سحاحير” السوق – سوق الحياة الرحبة.