الأحد  22 كانون الأول 2024

مع الشاعر والمناضل الفلسطيني محمد علي الصالح

2014-06-10 00:00:00
مع الشاعر والمناضل الفلسطيني محمد علي الصالح
صورة ارشيفية

بقلم : شاكر فريد حسن - مصمص/ المثلث

محمد علي الصالح التايه (أبو عكرمة)، من الأسماء المهمة في التاريخ الوطني والنضالي والثقافي الفلسطيني التي لم تأخذ حقها من الشهرة، فظل بعيداً عن دائرة الضوء ولم ينل حقه من التركيز الإعلامي على انتاجه، رغم انه من جيل الشعراء الفلسطينيين الأوائل الذين أسسوا لدعائم وركائز الشعر الوطني والسياسي المقاوم في فلسطين التاريخية من الرعيل الأول الذي ناضل وكافح إبان الانتداب البريطاني على فلسطين، تعرض للاعتقال والتعذيب والنفي عدة سنوات.

ولد في مدينة طولكرم عام 1907م. ليتخرج من الكلية الإسلامية في القدس عام 1927 م، عمل رئيسا لتحرير صحيفة «صدى العرب» التي كانت تصدر في شرق الأردن. وكذا محرّراً  في صحيفة « الجامعة الإسلامية «التي كانت تصدر في يافا، اعتقل ست سنوات في معتقل المزرعة في عكا خلال ثورة 1936. وبعد خروجه من السجن فرض عليه أمر الإقامة الإجبارية في طولكرم،أسس أول جمعية عمال فلسطينية في طولكرم عام 1943 وإنتخب رئيساً لها.كان عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني الأول الذي عقد في غزة عام 1948، ثم وزيراً للمعارف في حكومة عموم فلسطين برئاسة احمد حلمي باشا، والتي لم تدم طويلاً.

كتب الشعر الوطني المناهض للاستعمار البريطاني والداعي لتصعيد الثورة واستمرار النضال لطرد المستعمرين ، ولكنه لم يصدر مجموعة شعرية .

ارتبط بصلة وثيقة بأقطاب السياسة والشعر والأدب في فلسطين أمثال: إبراهيم طوقان وعبد الكريم الكرمي ( أبو سلمى ) وعبد الرحيم محمود وغيرهم من قادة العمل الوطني والنقابي والثقافي في فلسطين قبل عام 1948م.

 قال الصالح في كلمة التأبين التي صاغها يوم رحيل رفيق دربه وأخيه في الرضاعة الشاعر (أبو سلمى) مستحضراً أيام الصبا والشباب: « أذكر أيام صبانا في طولكرم حينما كنا نحاول أن نشدو بالشعر، نشدو ببواكير الشعر. كنا نسرق من ساعات اللهو من أترابنا، ولأننا من الأولاد، مرجِعنا ديوان «تغريبة بني هلال»، وننتحي جانباً في كروم البلدة، وفي» كرم القريب»، على التخصيص، لنقرأ سوية في ديوان التغريبة هذه، تقرأ أنت مرة وأقرأ أنا مرة أخرى، كنا نحاول أن نحفظ الأشعار التي في ذلك الديوان، على ركاكتها وعدم جدوى ما فيها، وفي أحيان كثيرة كنا نقلّد تلك الأشعار وننسج على منوالها، ومضى على ذلك وقتٌ ليس بالقصير وكنتَ أنت المُجَلي دائماً، وكنت أنا أحذو حذوَكَ وأقلد ما كنت تنظم، وأمشي على أثر خطواتك، ثم انتقلنا إلى قصة «عنترة بن شداد» فقرأناها وحفظنا أكثر ما فيها من الأشعار. وكانت تلك الأشعار، أصحَّ وزناَ، وأقوَمَ سبيلاً من أشعار التغريبة.
ويضيف قائلاً :”من هنا، من هذا المنطلق صرنا نتذوق الشعر شيئاً فشيئاً، إكتسبنا ملَكةَ النظم، ثم أننا، فيما أذكر، إنتقلنا إلى الصحافة، نرسل إليها ما نصوغه من أبيات وقصائد قصيرة متواضعة، وكان دأبنا أن تنقد أنتَ ما أكتُبْ، وأعود أنا، بدوري، أنقد ما ترسله أنت.

طال بنا الأمر على ذلك بضع سنين، فصرنا أكثر جرأةً وأشدّ مراساً. هكذا أيها العزيز بدأنا رحلة الشعر، بدأناها مترافقين وجِليْن. 

تميزت قصائد محمد علي االصالح بأسلوب سلس قريب من ذائقة الناس والعامة ونبض الشارع فاستساغوه، وعبّر بأبسط الكلمات وأوقعها حساً وتأثيراً في النفس، عن الهمّ الفلسطيني والإنساني، وعن معاناة شعبنا الرازح تحت نير الظلم والقهر والإحتلال، التوّاق والمتعطّش للحرية والاستقلال ونور الشمس والفرح الدائم. إنه من الشعراء الغُرّ الميامين الذين نبغوا في قول الشعر المقفى الموزون، وامتاز شعره بالصدق والأمانة والفخر وطيب الكلمة وزَخَم العبارة والمعنى، ووطنية النفس الطويل وجمال المركّبات اللغويّة ورشاقة الألفاظ الموحية. 

عُرف الصالح  بأشعاره الوطنية المناهضة للإستعمار واحتلال الأرض ، والداعية إلى الإنغراس والإنزراع في الأرض والوطن وعدم التفريط بحبة تراب من فلسطين، وإلى تصعيد الثورة ومواصلة النضال والمواجهة لطرد المستعمرين، كما وإشتهر بالرثاء، فكان من جميل رثائه قصيدة “كيف أرثيك يا أبا سلمى “ التي فاضت بها روحه الحزينة الباكية غداة رحيل صِنو روحه العزيزة ، الشاعر عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى) ، والتي يقول فيها:
يا أبا سلمى ويا خير الصحابْ»
حسبيَ اللـه فقد جلَّ المصابْ
لست أدري بعد أن فارقتَنا
كيف أرثيك ودمعي في انسكابْ
كيف أرثي الشاعر الفذَّ الذي
ملأت أخباره كل رحابْ
كيف؟ هل أسطيع أن أرثي فتىً
طاولت أشعاره كل سحابْ
وعندما فجعت فلسطين باستشهاد المجاهد عز الدين القسام، كتب محمد علي الصالح في ذكراه مطولة شعرية رائعة ، نقتطف منها:
إفتتح بالفداءِ والآلامِ»
منهج الحقّ يا دمَ القسام
وَمُرْ القومَ أن يكفّوا عن القولِ
فلم ننتفعْ بصوغ الكلامِ
كيف أبطلتَ في انصبابكَ
للحقّ ، زكياً , عبادة الأصنامِ
يا دماً لم ُيرَق على سُرُرِ
الذلِّ ولكن أُهريقَ في الآجامِ
قد طويتَ القرونَ حتى شَهِدنا
بكَ عهدَ النبيّ والإسلام”ِ

 في العاشر من آذار 1989 م وافته المنية بعد حياة حافلة بالتضحيات وزاخرة بالنضال والعطاء والمواقف الوطنية الجذريّة الصلبة، تاركاً وراءه مجموعة من القصائد التي لم تصدر في ديوان، كان قد كتبها وقالها في المناسبات القومية والوطنية، ونحس من خلالها بطغيان الشعور القومي والوطني والإنساني في نفسه ، وباندفاعه القومي.

 

وأخيراً فإنّ محمد علي الصالح من رجالات النضال والشعر الذين ساهموا في الحياة الثقافية والأدبية والنضالية الفلسطينية، ولعبوا دوراً هاماً في مسيرة شعبنا الفلسطيني التحرريّة. والواجب الوطني يتطلب تعريف الأجيال الفلسطينية الجديدة والقادمة بهم، واستذكارِهِم في الندوات والحلقات الادبية والمواسم الثقافية، وفاءً وتقديراً لعطاءاتهم وجهودهم ودورهم كشعراء ومناضلين كرّسوا وأفنَوْا حياتهم دفاعاً عن القضايا الوطنية والحق الفلسطيني.