الإثنين  23 كانون الأول 2024

فيلم "المهاجران" يعيد طرح أسئلة البدايات في دمشق

2014-12-21 02:37:17 PM
فيلم
صورة ارشيفية
 
الحدث- وكالات
 
في بارٍ بدمشق، عُرِضَ مؤخراً فيلم "المهاجران" بنسخته الأوليّة، للمخرج السوري محمد عبد العزيز،  من بطولة الممثلين محمد آل رشي، وسامر عمران، عن عرضٍ مسرحي يحمل الاسم ذاته قدمّه البطلان، مئة مرّة، بأحد ملاجئ العاصمة بين عامي (2008 و2011).
 ومع اندلاع "الأزمة السوريّة"؛ قرر صنّاع العرض تحويله لفيلمٍ سينمائي، وتم إعداد النص، بما يناسبُ الظروف السائدة خلال بدايات "الحراك الشعبي"، الذي كان المخرج ميالاً له ومشاركاً فيه، لكنّه تنحى جانباً، بعد تحوّله "للبعد الديني، وتبني السلاح"، بحسب ما يوضح عبد العزيز، في لقاءٍ حول طبيعة هذه التجربة السينمائية، وخصوصية العرض بـ "بار مود": "ففي أحد البارات (يعتبر معقلا للموالاة)؛ عُرضَ واحدٌ من أكثر الأفلام ذات الصبغة السياسية الحادة."
 
لماذا اخترت عرض النسخة الأولية من فيلمك خلال هذه الفترة، رغم مضي حوالي أربع سنوات على إنتاجه؟
حدث الأمر كله بلا ترتيب، كذلك لم اختر التوقيت، أو المكان، اتصل، بي القائمون على المشروع ووافقت.
 
كيف وجدت تجربة عرض فيلمك في "بار"؟
أعجبت بفكرة عروض السينما بالبارات، فمن الملفت أن يكون المكان ليلاً (ملهى)، ليتحول آخر النهار  إلى صالة عرض، في زمن قطع الرؤوس، وملفتٌ أيضاً احتساء أحدهم (الجعة)، بينما ينفث دخانه، ويشاهدُ فيلماً يثير مسائل حول طبيعة النظام السياسي، وينتقد بعمق مجتمعات الأنظمة الشمولية، والإغراق بالصراع حتى تدمير الذات، كان هذا العرض واحداً من أفضل عروض أفلامي، أما الأبطال فكانوا الحضور، وذاك (البارمان الموالي) الذي علق على كلام المثقف بالمشهد الأخير من الفيلم  (رح نرجع رح نكون أحرار) قائلاً؛ (الآن بعرض هذا الفيلم انتهت الازمة) ..إنها سورية الجديدة، ففي أحد البارات الذي يعتبر معقلا (للموالاة)، عُرضَ واحدٌ من أكثر الأفلام ذات الصبغة السياسية الحادة.
 
أينَ تكمن خصوصية هذا النوع من العروض؟
ربما هذا الأمر لا يعني أحداً خارج سورية، وربما يجدُ فيه أمراً ساذجأ، أو عادياً ولكن بالنسبة لنا، وللأفراد الذين يحاولون أن يتكيفوا بظل حرب أهلية طاحنة، وجماعات إرهابية تكتسح البلاد من مشارقها إلى مغاربها، نجد في هذا الفعل أمراً يمكن التوقف عنده، وكسينمائي معني بهذا الشأن، ودعماً لفكرة سينما البارات في وسط دمشق، وافقت على عرض الفيلم في "بار مود"، أو أي حمام عام، أو باص نقل داخلي، أو مسلخ شعبي، يعتزم القيام بمثل هكذا فعاليّة، وسأكون في طليعة داعمي ومؤيدي، مثل هذه المشاريع، التي تبث قليلا من الحياة في الجسد النازف .
 
هل كانت لديك أيّة مخاوف من كيفية تلقي الحضور للفيلم، على خلفية الاستقطاب الحاد، والذي لازال قائماً بين السوريين اليوم، بسبب ما يجري في بلادهم؟
نعم جداً
 
فترةٍ زمنيةً طويلة تفصل بين إنتاج الفيلم، وعرضه؛ إلى أي مدى يبدو "المهاجران" قادراً على مخاطبة السوريين اليوم، وسط التطورات اليومية المتسارعة في الأحداث على الأرض؟
صورنّا الفيلم تزامناً مع الحراك الشعبي (2011) الذي كنا بالبداية ميالين إليه لهذا تلون بصبغة، ما كان دائراً آنذاك، لكنّ العمل ككل من أجل الحريات العامة، والمجتمع الديمقراطي، وقيم العدالة والمساواة والحرية ثابت، ولا أعتقد أن أي سينمائي (نصف إنسان)، إلا ويعمل من أجل تحقيق مثل هذه المبادئ، ويتوق لها، اليوم لا أجد، ولا أميل، ولا يتملكني هاجس ما أريد قوله للسوريين ..الخلاص فردي في المجتمعات البربرية، والظلامية، كمجتمعاتنا المشرقية ذات الصبغة الإسلامية، أجد الخلاص بالفرد ..بالذاتية ..الخلاص الفردي ببعده الوجودي، والمعرفي؛ هو المحك.
 
أهديت عرض الفيلم لروح الممثل الراحل ياسين بقوش، ماذا قصدت بذلك؟
لأنه يستحق هذا الإهداء، عمل، وعاش، ومات وحيداً، ومحباً للسينما، ولأن الجميع تاجروا بموته، ورحيله المجحف، ولأنه جزء من ذاكرتنا، ولأنني في الثمانينات كنت اشتري “علكة” كانت تحمل صور (غوار)، و(أبو عنتر) و(حسني البورظان)،  و(أبو صياح) و(فطوم)،  وكان (ياسينو) أكثرهم ظهوراً، لي في قطع الحلوى تلك، وعندما صور معي بفيلميَ السابقين، أخبرته عن ذلك فضحك، وقال كلاماً ودوداً.
(ياسين)، وجميع شخصيات الحقبة الذهبية؛ يستحقون بلا شك انحناءاً طويلاً، أمام كل الفرح والمشاعر الطيبة، التي منحونا، إيّاها، في ذاك العمر، الذي لم نتلوث فيه برياح الربيع العبوس.
 
أعلنت  عن عزمك عرض الفيلم رسمياً، خلال "الربيع المقبل"، ألا يبدو ذلك صعباً دون أن يتعرض لاقتطاعات من جانب الرقابة؟
لا أعرف ..لكن بكل الوسائل المتاحة، لن نضع الفيلم تحت سكين الرقيب، ليتصرف به بما يشاء، وما يتناسب مع سياسات الجهات القائمة على هكذا أمر.
 
مع طول عمر الحرب تغيرت وجهات نظر العديد من السوريين حول ما يجري في بلادهم، وأنت منهم، هلّا أوضحت لنا سبب هذا التغيير بالنسبة لك؟
مع تحول الحراك للبعد الديني، وتبني السلاح، تنحيّت جانباً، وتلقيت الكثير من الاتهامات أقلها بأنني خنت (الثورة)، وكما في الفيلم، ومنذ ذاك الوقت المبكر، ونتيجة عملي على الأرض، كان لدي انطباع يتعمق يوماً، بعد يوم، بأن المشهد سيصبح دموياً، وسيستصدره الإسلاميون بلا منازع، وعندها سيحل الظلام، وهذا ما حدث، ويبدو لافتاً أن ذلك الانطباع يظهر واضحاً للعيان، في بعض مشاهد الفيلم.
 
 أنجزت فيلمين آخرين بعد فيلم "المهاجران"، هما "الرابعة بتوقيت الفردوس" و"حرائق البنفسج" (لم يعرضا بعد)، وكلاهما من إنتاج المؤسسة العامة للسينما، هل ينعكس في هذين الفيلمين تطوّر موقفك، إزاء ما يحدث في سوريا؟
لا أتبنى فيلماً حتى أتملكه، وأحشوه بمواقف سياسية، هذا الأمر يعاكس تصوري عن السينما، كفعل وجودي سرمدي ومستمر وبالتالي، لا أسمح لنفسي، أو لفيلمي أن يحمل أسفاراً، لا طائل منها ولا نفع.
تجدر الإشارة إلى أنّ عرض "المهاجران" المسرحي، والذي تم تحويله لفيلمٍ يحمل الاسم ذاته، مأخوذ عن نص للكاتب البولوني: سوافومير مروجيك (1974)، ترجمه، وأخرجه، وأعد له السينوغرافيا في حينها: د. سامر عمران، ولعب فيه دور البطولة إلى جانب محمد آل رشي، وتم تقديمه بملجأ تحت الأرض بجوار  إحدى مقابر دمشق،  لا يتسع لأكثر من أربعين متفرجاً، وهو ذات المكان الذي تم فيه تصوير النسخة السينمائية منه لاحقاً.
 
وتدور أحداث الفيلم/ العرض المسرحي  في الزمن الحقيقي (105 دقائق)، بين مهاجرين: "أحدهما عامل، والآخر مثقف، يعيشان معاً في قبو ما في إحدى الدول، ومن خلال أحاديثهما تتضح الظروف التي اضطرت كل منهما للهجرة".
 
 أحاديثٌ مشوبةٌ بالشك، والأمل، الخوف، العنف، الحميمة، البوح، والخيبة، وتتماهى إلى حدٍ كبير، مع ظروفٍ حقيقية، يعيشها الكثير من السوريين اليوم، بمخيمات اللجوء، وسط ظروف عيشٍ قاسية، غريبةً تماماً مع مجتمعاتهم، وتختبر استحالة إمكانية العودة، رغم الحنين، والمكابرة.
 
فيما لازال "بار مود" بدمشق، يستقطب العروض السينمائية، وحواراتٍ ونشاطاتٍ ثقافية، ضمن إطار فعالياتٍ أسبوعية بعنوان "يا مال الشام"، كتجربةٍ تحاول التكيف مع واقع الحرب القاسي.
 
المصدر: سي ان ان