الحدث الثقافي
صدرت حديثاً عن منشورات المتوسط – إيطاليا، مجموعة مختارات شعرية لأحد أعمدة قصيدة النَّثْر الأميركية والعالمية الشاعر راسل إدْسُن، حملت عنوان: "شمسٌ تدخلُ من النافذةِ، وتُوقِظُ رجلاً يسكبُ القهوةَ على رأسِهِ"، اختارها وترجمها سامر أبو هوّاش.
والكتاب هو الثاني ضمن سلسلة "مختارات الشعر الأمريكي"، التي أطلقتها المتوسط بإشراف مع الشاعر والمترجم المعروف سامر أبو هوَّاش. لتنفتح على ترجماتٍ عديدة، وتسعى أن تكون «بلكوناً أو تراساً»، يطلُّ على بانوراما واسعة، ترسمُ خارطةً لأهمِّ الاتجاهات والمدارس الشعرية التي ظهرت وعاشت في أمريكا. صدر من السلسة سابقاً: "النوم بعين واحدة مفتوحة" لـ مارك ستراند.
قارئُ رَاسِلْ إدْسُن، ومنذ ديوانه الأوَّل "الملاك الرهيب" في ستِّينيَّات القرن الماضي؛ سيجدُ خيطاً موصولاً، يكاد الشاعرُ لا يحيدُ عنه إلا قليلاً، من السَّرْدِيَّة الصادمة، القائمة على قوَّة المفارقة وسريالية الحالة الإنسانية، والتي تضيء على مختلف جوانبِ الوجود البشريّ، سواء ضمن الحيِّز الفردي المغلَق، أو الحيِّز العامّ؛ المنزليّّ العائليّ، أو الاجتماعيّ المفتوح.
وممّا جاء في مقدمة سامر أبو هوّاش: ينطلق إدْسُن إذنْ في سَرْديته السِّرياليَّة للحياة المعاصرة، من العناصر الفطرية الطُّفُوليَّة نفسها التي انطلق منها الأوَّلون لسَرْد قصَّتهم وقصَّة العالم من حولهم، معتمِداً على الأدوات نفسها تقريباً، بعيداً عن البلاغة اللُّغويَّة أو التَّصويريَّة، والأهمُّ من ذلك بعيداً عن العقلانية والمنطق التَّفسيريِّ اللَّذَيْن يُعدَّان سِمَتَيْن أساسيَّتَيْن من سمات الحضارة الغربية الحديثة.
ويضيف: الكتابة عند إدْسُن هي فعل حُرِّيَّة مُطلَق، وتعريفه لقصيدة النَّثْر بوصفها «الجنس الذي يقع فيه كلُّ ما لا يمكن تصنيفه ضمن الأجناس الأخرى»، وبوصفها وليدة الاختبار الذّاتيّ لكلّ شاعر، يقع في صلب هذا الفَهْم للشِّعْر (والفنّ عموماً)، وعلينا أن نُصدِّق إدْسُن نفسه حين يقول: «إنه لمن المفهوم أن يرغب الكتّاب في العمل على ما يعدُّونه موضوعات مهمَّة. أمَّا أنا، فأمضي في الاتِّجاه المغاير. أُحبُّ أن أبتدع شيئاً من لا شيء تقريباً. فهذا يفسح في المجال للتَّخيُّل بدلاً من إعادة سَرْد ما يعرفه المرء حقَّ المعرفة».
المختارات التي بين أيدينا، هي من مجموعات إدْسُن الشِّعْرِيَّة التالية: "انظرْ جاك" (2009)، "زوجة الديك" (2005)، "المرآة المعذّبة" (2001)، "النفق: قصائد مختارة" (1994)، "الإفطار الجريح" (1985)، "السبب الذي يجعل رجل الخزانة لا يعرف الحزن" (1977)، إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن ترتيب القصائد ضمن هذه المختارات لا يخضع بالضرورة لسياق النشر الزّمنيّ أو ترتيب ورودها داخل المجموعات الشِّعْرِيَّة التي نُشرَت فيها، بل ضمن سياق السعي إلى تقديم عوالم إدْسُن وتنوُّع "شخصياته" واهتماماته في أوسع نطاق ممكن.
من قصائد الكتاب:
رجلٌ مُسِنٌّ كان فخوراً بأنه أنفقَ سنواتِ عمرِهِ، مثلما أنفقَ أنفاسَهُ وكراسيَّهُ المعدنيةَ، دون أن يكونَ قد قَتَلَ أحداً.
تساءلَ ما إذا كان يجدرُ به إبلاغُ الشرطةِ بذلك، آملاً أن يتمَّ استقبالُهُ بالصَّفَّاراتِ وأضواءِ السَّيَّاراتِ الغامزة، تعبيراً عن الامتنانِ لصنيعه.
سيُفسِّرُ لهم أنه قد سَنَحَتْ له فرصٌ عديدةٌ، وأن الأمرَ لم يكن سببَهُ الكسلُ فحسب؛ أن الفضيلةَ دون غوايةِ الخطيئةِ، تكادُ لا تستحقُّ اسمَهَا ...
عن الكاتب:
رَاسِلْ إدْسُن (1928- 2014)، المُلقَّب بـ «عرَّاب قصيدة النثر الأمريكية»، شاعر وروائيّ وفنَّان مصوِّر، من مقاطعة كونكتيكت، درسَ الفنَّ في سنٍّ مبكرةٍ من حياته، بدأ بنشرِ شعرهِ في الستِّينيات من القرن الماضي، وانحاز، منذ بداياتهِ، لكتابةِ قصيدة النثر دونَ أي شكلٍ آخر من الكتابة.
المترجم:
سامر أبو هوّاش، شاعر وكاتب وصحفي ومترجم فلسطيني، ولدَ في لبنان عام 1972، يعدُّ من أهمِّ المترجمين العرب الذين نقلوا إلى العربية أعمالاً إبداعية هامّة من الأدب الأميركي، في مجالات الشعر والقصة والرواية. عملَ طويلًا في الصحافة الثقافية وترأس تحرير ملاحق ثقافية عديدة، لهُ مجموعة كبيرة من المؤلفات تجاوزت 35 عنوانًا في كل من الرواية والشعر والتراجم، حصل على مجموعة من التكريمات وجوائز التقدير.