تدوين-ثقافات
كتبت الكاتبة الإيطالية رومانا روبيو مقالا بعنوان "عامل غزة والخريطة السياسية الجديدة: كيف فاز زهران ممداني في نيويورك"، نُشر في صحيفة The Palestine Chronicle، تناولت فيه كيف تحولت قضية غزة إلى عامل حاسم في إعادة تشكيل المشهد السياسي الأميركي، وأسهمت في صعود الديمقراطي التقدّمي زهران ممداني إلى منصب عمدة نيويورك.
فيما يلي نص المقال
يُفسَّر انتخاب زهران ممداني عمدة لمدينة نيويورك في الرابع من نوفمبر في سياقات مألوفة: صعود التحالف التقدمي، قوة حركات المستأجرين والعمال، واستمرار الحملات الشعبية في مدينة تتزايد فيها اللامساواة.
هذه السرديات ليست خاطئة، لكنها تُخفي دينامية محورية لعبت دورا حاسما في هذه الانتخابات، وهي في الوقت نفسه تعيد تشكيل السلوك السياسي إلى ما هو أبعد من نيويورك: عامل غزة.
فحرب الإبادة الإسرائيلية على غزة خلال العامين الماضيين لم تبقَ قضية في نطاق السياسة الخارجية محصورة في واشنطن، بل غيرت الوعي السياسي في عموم الولايات المتحدة، خصوصا بين الشباب الأميركيين والمجتمعات المتعددة الأعراق من الطبقة العاملة، المتركزة في مدن كبرى مثل نيويورك.
انتصار ممداني لا يُعزى فقط إلى برنامجه الفردي أو شخصيته، بل يعكس بروز غزة كإطار تنظيمي قوي يربط بين العنف العالمي واللامساواة المحلية، ويطالب بالاتساق بين الموقفين.
ففي حين تجنب كثير من المرشحين الخوض في القضية أو تعاملوا معها بحذر، كان ممداني يصف باستمرار ما تفعله إسرائيل في غزة بأنه إبادة جماعية، ويتحدث ضد المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل، ويدعو إلى وقف دائم لإطلاق النار.
هذا الخطاب لم يُصنع في غرف الحملات الانتخابية، بل وُلد من الشارع.
على مدى العامين الماضيين، تمركزت طاقة الاحتجاج الشبابي في نيويورك حول غزة: من اعتصامات الجامعات إلى الإضرابات الطلابية، والاستقالات المهنية، وحملات المقاطعة، والتنظيم المجتمعي على مستوى الأحياء. بالنسبة لآلاف الشباب في نيويورك، أصبحت غزة القضية التي من خلالها فهموا المسؤولية السياسية وطبيعة سلطة الدولة.
أظهرت استطلاعات الرأي خلال عامي 2024–2025 تحولا جيليا واضحا: الأميركيون دون سن الخامسة والثلاثين كانوا أكثر ميلا للتعاطف مع الفلسطينيين من الحكومة الإسرائيلية، وأكثر معارضة للمساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل. كانت هذه الاتجاهات الأوضح في المدن الكبرى، ولا سيما نيويورك.
لكن هذه الأرقام لم تظهر إلى أي مدى أصبحت غزة مرتكزا عمليا للتنظيم السياسي. فالمجموعات التي كانت تركز سابقا على قضايا الإسكان، والمساحات العامة، والشرطة، وظروف العمل، وجدت نفسها تعمل جنبا إلى جنب مع حركات تعبئة تركّز على فلسطين. كما تحولت شبكات الدعم المتبادل إلى قنوات لتنظيم الدعوات إلى وقف إطلاق النار.
وهنا التقت حملة ممداني مع حركة تشكلت قبله. لم يكن بحاجة إلى خلق الزخم حول غزة، فقد كان موجودا بالفعل. ولم يحتج لإقناع الناخبين الشباب بأن الحرب ترتبط بالحكم المحلي، لأنهم كانوا يتصرفون فعلا على هذا الأساس. كان دوره أن يعترف بالحركة ويتحدث بلغتها.
في المقابل، بدا المرشحون الذين حاولوا حصر قضية غزة ضمن ما هو "خارج نطاق" الحكم البلدي وكأنهم خارجون عن نبض الناخبين الذين باتوا يفهمون الحياة السياسية على أنها مترابطة عالميا. لقد تآكل الفصل التقليدي بين المسؤولية السياسية المحلية والدولية، وغزة سرعت هذا التآكل.
كما أعادت القضية تشكيل الثقة السياسية؛ فالسياسيون الذين رفضوا اتخاذ مواقف واضحة تجاه غزة، أو الذين خففوا تصريحاتهم تحت الضغط، صار يُنظر إليهم على أنهم غير موثوقين في قضايا أخرى أيضا.
يبقى من غير المؤكد ما إذا كانت إدارة ممداني ستلبي تلك التطلعات. فحكم مدينة تحكمها مصالح مالية راسخة، وقيود رقابية فدرالية، وبُنى شرطية متجذرة منذ عقود، سيضع حدودا فورية لما يمكن تحقيقه. ولا يحل فوز الانتخابات هذه التناقضات.
لكن ما يجعله أمرا لا يمكن تجاهله هو أن غزة أصبحت قضية سياسية داخلية في الولايات المتحدة ليس بمعنى التعاطف الإنساني أو الإغاثة، بل كإطار لفهم السلطة.