الحدث- توفيق العيسى
بألحان فولكلورية تبدأ فرقة المسرح القروي عرضها مسرحية "جفرا" على خشبة مسرح قصر رام الله الثقافي ضمن مهرجان فلسطين الوطني للمسرح. وتعرض العرض المسرحي الذي أخرجه نبيل عازر، لقصة "جفرا" التي حازت على اهتمام شعبي في فلسطين وعدد من الشعوب العربية برمزية مقاومة.
على ما تحتويه رمزية قصة "جفرا" في المخيال الشعبي والوطني الفلسطيني؛ إلا أننا نعتقد أن عرض المسرح القروي لها لم يكن أكثر من تسليط الضوء على جانب تراثي ومحاكمته بأدوات هذا العصر، فقد أسقط المخرج هذه القصة على وضع المرأة والعلاقة بين الرجل والمرأة القائمة على التفوق الجنسي "معيار الرجولة".
وعلى أهمية هذه القيمة، إلا أن اختزال القصة بهذا الجانب أفقد الاسم رمزية كبيرة كان يمكن أن نستلهم منها قيما أكثر ثورية اجتماعيا.
جفرا القصة التراثية والتي شاعت عنها الأشعار المتناقلة بالتواتر بسيطة بمحتواها رغم قيمتها الاجتماعية، فهي قصة حب بين الشاعر أحمد عبدالعزيز ورفيقة النايف من عرب الكويكات قضاء عكا، تنتهي بهجر رفيقة لأحمد بعد حفل زفافهما بسبب محاولته لضربها وتصديها له، مخالفة بذلك القيم الاجتماعية السائدة في البلدة في ذلك الوقت.
الحقيقة الأخرى لقصة جفرا الرمزية والتي استحوذت على شكلها الأسطوري في الأدب الحديث، هي "جفرا النابلسي" حبيبة الشاعر الفلسطيني عز الدين مناصرة صاحب جفرا الأسطورة، والتي استشهدت في قصف إسرائيلي عام 1976 في لبنان، وتحولت عبر أشعار مناصرة إلى أسطورة أدبية وانتقلت بالمزج بينها وبين أشعار أحمد العزيز إلى المخيال الشعبي مرة أخرى كقصة أسطورية شعبية تجمع بين جفرا المتمردة على عادات البلدة وجفرا الشهيدة في لبنان.
امتاز العرض المسرحي للمسرح القروي من طمرة بخفة الدم وإشاعة الفرح بين الجمهور عبر الأغاني التراثية والرقصات الاستعراضية البسيطة في العرض وكوميديا الموقف، ولا شك أن قدرة الممثلين على الغناء واتقانهم له وللاستعراض عموما ساهم في هذا الأمر، فمن الناحية الاستعراضية والغناء نجح العرض بإيصال إحدى أفكاره وقيمه الفنية وهي الفرح، من خلال أصوات الممثلين الغنائية الجميلة.
إلا أن العرض مسرحيا شابه بعض التطويل في عرض القصة، وقد بدا كأنه محبوك بشكل أفقي يبدأ من نقطة ويسير في خط مستقيم إلى نقطة النهاية، الأمر الذي جعل العرض المسرحي تقليديا في سرد متواصل، دون استغلال لرمزية القصة التي كان من الممكن أن تحبك بشكل لعبة مسرحية متداخلة الأحداث والأصوات، لينتهي العرض بسرد أشبه بسيرة ذاتية وبشكل إرشادي أكثر منه مسرحي.
حين نكون أمام حقيقتين أو صورتين لقصة واحدة يمكنهما أن تكملا بعضهما البعض دون تناقض؛ فإن الانحياز لقصة دون الأخرى يفقد العمل قيما كان يمكن أن يحملها وتؤثر إيجابا على العمل المسرحي، كما أشرنا سابقا، فقد انحاز المخرج للقصة البسيطة التراثية، دون تطويرها مسرحيا، الأمر الذي حافظ على شكل القصة البسيط دون عناصر تشويق، لولا الاستعراض الغنائي فيها والذي يجعل منها عملا ناجحا نسبيا، وكان الانحياز للتراث واضحا ليس في اختيار القصة ذاتها أو الاستعراض الغنائي فقط، بل ومن خلال مواقف تقليدية في حمل الجرار مثلا ومقاطع الأهازيج النسائية أثناء العرض.
أحداث القصة تدور في أربعينيات القرن الماضي، أي قبل النكبة الفلسطينية الكبرى، إلا أن العمل المسرحي لم يوازن بين ما هو تراثي في القصة وبين الأحداث العامة السياسية والاجتماعية، واكتفى بإشارات لها، وعلى الرغم من ذلك ومن الحفاظ على الشكل البسيط للقصة إلا أن نهاية العمل التي ذهبت إلى طريقة الإرشاد في العرض والتنظير السردي حول حقوق المرأة والقيم الاجتماعية ذكرت وبنفس الأسلوب الإرشادي قصة الهجرة واستخدام قضيب الرمان الذي كان يريد أحد العزيز ضرب رفيقة به كرمز عكسي فقد ضرب المجتمع الفلسطيني به وأجبر على الهجرة.
قصتا جفرا تختزلان الوطن والقضية اجتماعيا وسياسيا، وكان للمتلقي عبر عقود أن مزج بينهما لينتج قيمة وجودية تتعدى التراث المادي بشكله البسيط، إلا أن العرض المسرحي عرض القصة برمزية أقل وجهد متعدد الألوان أظهر قدرة الفنانين الغنائية.