الأحد  22 كانون الأول 2024

تحدّث أيّها الغريب، تحدّث للفلسطيني غسان زقطان

2019-11-19 10:07:49 AM
تحدّث أيّها الغريب، تحدّث للفلسطيني غسان زقطان
غسان زقطان

 

 الحدث الثقافي 

 صدرت حديثاً عن منشورات المتوسط - إيطاليا، مجموعة شعرية جديدة للشاعر الفلسطيني غسان زقطان، بعنوان: "تحدّث أيّها الغريب، تحدّث"، ومنذ القصائد الأولى للكتاب، نسمعُ بحَّة في الكلمات، في صوت الغريب الذي مرَّ على عجلٍ في دربٍ معتمٍ لم يعد يأتي منه التَّائهون، لكنَّ الشاعر، في غربتهِ المُركَّبة، يصنعُ معجزاتٍ صغيرةٍ تجعلُ من الماضي، حُجَّةً يستعيدُ بها ذكرياتِ طفولةٍ بعيدةٍ، حيثُ المشهدُ الذي تغيَّر جذرياً واستُنزِفت ذاكرتُه عن آخرها؛ يتحوَّلُ إلى ألبومِ صورٍ يبحثُ عن ملامحِ ساكنيهِ. هناك تأصيلٌ شعرِيٌّ يطالُ المكانَ، والنّاسَ والحياةَ وما يتبعُها من تفاصيل، تشبهُ تعاويذ وحُجُب "بائع الغيب" الذي يحفظُ الذِّكريات من أن تضلّ، أو تضيعَ بينَ نظراتِ العيونِ الهائمة، يكتب غسان زقطان:

رأيتُ الكثيرَ من العيونِ،
تلكَ صنْعَتِي،
سرقتُ خوفَها وألَمها وأحزانَها وبِعتُها لأغرابٍ جاؤوا للفرجة.

مثلَ رحَّالةٍ، لا وجهةَ له، يبدو زقطان وهو يعيدُ رسمَ المدنِ والجبال والطرق والشوارع والأحياء التي يمرُّ بها، أو تمرُّ بها قصيدتهُ، فلا شكَّ أن هذا التقمُّص الحسِّي بينهما، القصيدة والشَّاعر، يعزِّزُ الصِّلة بين الغائب والحاضر، بين القارئ والكاتب، بين الصانع وحرفته، والفلاح وأرضه، والنَّديم وكأسه ... فالشَّاعرُ هو هؤلاءِ وأكثر قليلاً...

ولما يكون عابر الطريقِ تائهاً سيدلُّه أحدُهم، على "بلدةٍ متربةٍ تُحيطُ منازلُهَا بحانةٍ وحيدةٍ كما يُحيط السوار بالمعصم"، وحين يُطرق جرسٌ خشبيٌّ، سيسمَعُه وهو صغير هناك، "حيثُ يجفِّفُ أطفالٌ ميّتون ثيابَهُم على ضفّةِ النهر"، وسوفَ يعودُ الغريب إلى غريبهِ ليسألَه:

كيف أتبعُكَ، أيّها الغريبُ،

وقد منعَني أبي من النظرِ إلى الشّمالِ،

وزجرتْني أُمّي كما تزجرُ الطير؟

ونقرأ على غلاف الكتاب، ما جاء في وصفِ American Book Review لشعر غسان زقطان على أنَّه: «شعر غنائي يحمل منظوراً وثائقياً للحياة في زمن الحرب. ولكن زقطان ليس شاعراً توثيقياً، بل شاعر يرسم صوته الغنائي في دفتره الأحداث الدامية في بلاده، ليصبح رجال الشرطة والطلقات النارية مجرد أساطير، ومجرد نيران غنائية»...

فيما جاء في إشادة لجنة تحكيم جائزة گريفين الدولية والتي تحصل عليها الشاعر، المقطع التالي: «ماذا يفعل الشعر؟ لا شيء وكل شيء، كالهواء والماء والتراب، كالطيور والأسماك والأشجار، كالحب والروح وكلماتنا اليومية ... يعيش معنا، فينا وخارجنا، في كل مكان، وفي كل زمان، ومع ذلك نبقى غافلين على الدوام عن هذه الهدية. ومهمة الشاعر استخراج هذه الهدية، تلك الهبة التي تجعلنا بشراً مجدّداً. وقد نجح زقطان في هذا. يوقظ شعره الأرواح المدفونة في أعماق الحديقة، وفي قلوبنا، وفي الماضي والحاضر والمستقبل»...


أخيراً، يضمُّ الكتابُ 22 قصيدة موزعة على 80 صفحة من القطع الوسط، وضمَّ تخطيطات للخيول لمكسيم زقطان وصور التقطها الشاعر غسان زقطان.


من الكتاب:

الصورةُ التي عثرتُ عليها صدفةً في كتابٍ عن النَّحْوِ والصرفِ،
التي أظهرُ فيها شابّاً بعينَينْ لامعَتَينْ وشَامَتَيْن على الشَّفَة وتحتَ العينِ،
ثمّةَ شامةٌ ثالثةٌ يصعبُ إظهارُها في صورةٍ عائليةٍ.

الصورةُ تلك، اتّضحَ أنها أُخِذَتْ في دمشقَ خريف 1988،
على مقعدٍ خشبيٍّ تقشَّر دهانُهُ في حديقةِ "السّبكيّ"

حيثُ كتبتُ قصيدةً مبكّرةً، قصيدةً قصيرةً موقَّعةً،
لم أَهدِهَا لمحمود درويش كما كنتُ أرغبُ.

في الصورةِ أستطيعُ تتبُّعَ خيطِ القافيةِ وظلالِ شجرةِ رُمَّانٍ قصيرةٍ
والأثرِ الذي تركتْهُ ثلاثُ بطّاتٍ بُنِّيَّاتٍ على مياهِ البركةِ الموحِلة.

 
غسّان زقطان:

شاعر وروائي فلسطيني، ولد في بيت جالا وعاش في الأردن وبيروت ودمشق وتونس. حصل كتابه "كطير من القش يتبعني" على جائزة گريفين للشعر 2013. حاصل على جائزة محمود درويش للإبداع، وعلى وسام الشرف الوطني اعترافاً بإنجازاته في الأدب العربي والفلسطيني. يعمل مستشاراً للسياسات الثقافية في مؤسسة "ويلفير أوسوسيشن" وعضو المجلس التنفيذي لمؤسسة محمود درويش. يكتب عموداً أسبوعياً في جريدة الأيام الفلسطينية، ويعيش في رام الله.