الجمعة  22 تشرين الثاني 2024

ظنون للأديب الفلسطيني علي الخليلي

2019-12-15 11:16:59 AM
ظنون للأديب الفلسطيني علي الخليلي
تعبيرية

 

أدب

 

أظنّ أنّ الشجرةَ التي نقفُ منذ ستين سنة

في آخر الشارع وحيدةً ويابسةً

كانت شيئاً آخر

لا يمكنُ لأحدٍ أن يتخيله الآن،

كانت فكرةً مثلاً

في انتظارِ من يكتشفها

ويسكنُ إليها

    *  

أظنّ أنّ الفكرةَ هرولتْ في أوّل عمرها

إلى الندى والأغاني

وحين أدركتْ عاماً بعد عامٍ

أن كلّ شيءٍ حولها خراب

لملمتْ شظايا انتظارها

وتحولتْ إلى وهْمٍ كبير

يحسبه العابرون بقية شجرةٍ ميتة

    *

المدنُ مرايا

كم طوّفتُ بها

ورجعتُ إلى الشجرة

لا أحملُ منها غيرَ ظنوني

أني كنتُ هنا

أني كنتُ هناك

ولكنّي لا أعرفُ وجهي أبداً

بين جهاتٍ شتى

هل كنتُ أنا حقاً

في مرآةٍ ما

    *

بين النثر والشعر طرادٌ عربيّ قديم

من حداء الإبل إلى سجع الكهان

إلى النص المقدس

سألتُ الشجرة عن هذا

فصحوتُ على مزيدٍ من الظنون

في الجُبّ المعتم

    *

أظنّ أن الجُبّ كان قصراً

فلَهوْتُ في أنحائه الفسيحة

وشكرتُ إخوتي كثيراً

أولئك القتلة أنفسهم

حتى هدّني التعبُ

ونمتُ تحت صوَرهم وخُطبهم وقصائدهم

المعلقة مثلَ أيقوناتٍ

على الشجرة الميتة

    *

لا يحملُ الرملُ ذاكرةً لقدمٍ مرتْ عليه

الرعيانُ يمرون

والغزاةُ

والشعراءُ

والمجاذيبُ

وكأنهم لم يمروا

فإذا لحقتْ بهم الأساطيرُ ضحكوا

ثم نفضوا أقدامهم في الريح

وعادوا إلى زوجاتهم

مطمئنينَ إلى استعدادهم ليكونوا

مواطنينَ صالحين

وأزواجاً قانعينَ بالرفاءِ والبنين والخَيْبة

البلادُ الجميلةُ عامرةٌ بالمحبةِ

التي تكشفُ عنها الأعناقُ المكسورةُ

في طرقاتها المفروشةِ بالتحياتِ الطيبةِ

المرفوعةِ لمئاتِ القتلة

المنتشرين في كلّ بيت

على رحبٍ وسعة

غير مكترثينَ بشجرة وحيدةٍ و يابسة

بدأتْ للتّو بخلع أمواتها عنها

والنموّ بملايين المخالبِ والأنياب

أو فكرة تبحث بجنونٍ

عن عاصفةٍ كونية

    *

أظنّ أنني نسيتُ أن أنسى

فماذا تفعلُ الذكرياتُ العائمة

فوقَ أخشابِ العمر

في بحرِ الظنون؟

 

قصيدة ظنون للأديب الفلسطيني علي الخليلي من كتابه الشعري شَرفات الكلام.

ولد الأديب علي الخليلي عام 1943 ولقب بـ"سادن الثقافة الفلسطينية"، وهو مؤسس الاتحاد الفلسطيني للكتّاب والأدباء.

نصوصه مفعمةٌ بمفرداتِ الحصار والقمع والاحتلال والنفي والمقاومة والشهداء والسجون، وأكثر ما برز فيه الأديب علي الخليلي كان في المجالات الإبداعية كميادين الشعر والقصة والدراسات للموروث الشعبي الفلسطيني.

توفي الشاعر علي الخليلي عام 2013 بعد صراع مع مرض السرطان.