الأحد  22 كانون الأول 2024

قراءة في فيلم "الطفيلي Parasite" الحائز على الأوسكار

2020-02-16 08:59:04 AM
قراءة في فيلم
العائلة المتطفلة

 

الحدث- أحمد أبو ليلى 

أربعة جوائز أوسكار كانت من نصيب الفيلم الكوري الجنوبي " الطفيلي Parasite"، للمخرج بونغ جون في حفل توزيع جوائز الأوسكار الـ 92 ليكون أول فيلم بلغة أجنبية يفوز بجائزة أفضل صورة. منذ ظهوره لأول مرة في ربيع عام 2019، حصل الفيلم الكوري الجنوبي أيضًا على جوائز في مهرجان كان السينمائي وجوائز غولدن غلوب  بالإضافة إلى جوائز البافتا.

لن يكون الصراخ بعيداً عن الضحك الأسود داخل منزل فخم يشكل استعارة بصرية لما نريدُ المكان أن يكون عليه، ففي المنزل الذي يتطفل على أصحابه أناس من خارجه تجري حبكة الصراعُ.

الحبكة

تدورُ أحداث الفيلم حول عائلة مكونة من أربعة أشخاص (الأب، الأم، الابن، الابنة) تعيش في حالة من الفقر الشديد، حيث تحاولُ تخطي حالة العوز، بالتطفل على حياة الآخرين للتمكن من العيش. في إحدى المرات يزور العائلة صديق الابن، جالباً معه هدية هي عبارة عن حجرٍ "جالبٍ للثروة المادية للعائلات." ويقترح على الابن أن يحل محله في تدريس ابنة عائلة غنية، هي حبيبته أيضاً. ورغم أن الابن، لا يمتلك أية مؤهلات أو كفاءة تؤهله لتعليم الابنة الثرية اللغة الإنجليزية، إلا أنه يوافق على العمل، ويطلب من شقيقته الماهرة في فن التزوير أن تزور له شهادته لينطلق نحو المقابلة التي يجتازها بعد أن توافق والدة الابنة الثرية على توظيفه. 

ينتقل الابن لتدريس الابنة في منزل فخم، يدل على الحياة الثرية، لعائلة السيد بارك، المكونة من أربعة أشخاص، رب الأسرة وزوجته وابن وابنة. ابن هذه العائلة طفل في المرحلة الابتدائية لكنه، يعاني من اضطرابات سلوكية، غير مفهومة نتيجة حادثة مر بها عندما كان صغيرا إذ اعتقد أنه رأى شبحاً داخل المنزل ليلاً، فيقومُ برسم لوحات تفريغية، لكنها تنطوي على مهارة فنية، فيقترح الابن- المعلم، على سيدة المنزل أن يحضر لها معلمة تعالج بالفن، وتكون تلك المعلمة في الواقع هي شقيقته، التي تقرأ مجموعة من المقالات عن الفن والعلاج بالفن عبر الانترنت، فتتمكن من إقناع والدة الطفل بأنها من سيتمكن من علاجه. 

موضعة لفكرة الحدود التي تضعها الرأسمالية، والتي يحاول الكادحون تخطيها، لكن بطريقة شبحية

في مرحلة لاحقة، تخطط الابنة لطرد السائق الذي يعمل لدى العائلة الثرية، لتجلب مكانه والدها، الذي بدوره يخطط مع ولديه لطرد مدبرة المنزل، لتأتي مكانها، زوجته. وبهكذا تكون كل العائلة قد انتقلت إلى العمل عند العائلة الثرية. في مرة من المرات، أثناء غياب عائلة السيد بارك الثرية في رحلة تخييم، تقيم العائلة مكانهم في المنزل ويعيشون ليلة من العمر، حتى يقرع جرس الباب، وتكون مدبرة المنزل التي طردت قد عادت متوسلة إلى الأم التي حلت محلها بأن تدخل إلى قبو المنزل حيث نسيت غرضاً لها هناك لأنها عند طردها غادرت المنزل بسرعة ولم تتمكن من أخذه. تسمح لها الأم بالنزول وعند تأخرها، تلحق بها، فتجدها تحاول فتح بابٍ سري داخل القبو لا يعلم بوجوده أهل المنزل، حينها تكتشف أن زوج مدبرة المنزل كان يعيش في القبو مع العائلة الثرية دون علمها.

وهنا تبدأ ليلة قاسية من الصراع لأجل البقاء أيهما سيحل مكان من، العائلة الفقيرة التي حلت مكان العائلة القديمة في نفس المنزل، أم أن الحبكة ستتصاعد أكثر.

ستتصاعد الحبكة أكثر، حتى تصل إلى نقطة ذروة تجسد الرمزية التي تمثلها العائلات الثلاث، عائلة السيد الثري، عائلة الفقير، وعائلة الفقير الذي حل محل الفقير. 

 إنتشار الرمزية

يعُج الفيلم بالرمزية المنتشرة في مقطاع مثيرة، "فحجر الثروة" هو حجرٌ لا يبدأ بأخذ مكانه إلا بعد أن يتم استخدامه كأداةٍ للقتل/ للخلاص، وهو يمثل الوعود الفارغة للحراك الاجتماعي في مجتمع رأسمالي، فالابن- المعلم، الذي التصق بحجر "الثروة" ويتحرك به، كأنما كان يجسدُ حركته وحركة أسرته في الحراك الاجتماعي، ليدلل على أنه هو نفسه أجوف مثل حجر الثروة. 

حجر الثروة

ففي عالم الطفيليات، تعيش تلك الكائنات الدقيقة غير المرئية مع كائنات حية أخرى، وتتغذى عليها، مسببة لها الضعف والأمراض. وعنوان الفيلم الذي يحمل اسم "الطفيلي"، يُحيلُ أيضاً إلى وجودُ الأعداد الكثيرة، من هذا الكائن، لكنه فردٌ يقتاتُ من أذى الآخرين، حتى وإن كانوا من نفس فصيلتهُ، ففي معركة البقاء، البقاءُ للأقوى، القادر على أن يُطعم نفسه، حتى وإن جاع الآخرون، لذلك فإن الفيلم يُعطي مركزية للطعام، مدللاً على أن حبة الدراق مثلاً، قد تكون سبباً لتفجر الصراع بين العائلتين الفقيرتين، وسبباً للنجاةِ.

 نقدٌ لفكرة الوعد، المتمثل في الحجر الأصم، الذي يقدم مظهراً مادياً مدروساً للشعارات الفارغة

في الفيلم  إشارةٌ إلى أن الهيكل المجتمعي لعالم الطفيليات يُحيلُ إلى أن الطريقة الوحيدة للمضي قدماً هي الانخراط في أعمال تنكرية طويلة الأمد بالإضافة إلى إيذاء أشخاص آخرين يعانون أيضًا من الناحية المالية (بشكل رئيسي العمال السابقين لعائلة بارك).

إن مفهوم الحراك الاجتماعي، الذي يُحيلُ إليه الفيلم، لا يأتي من بنية تعاضدية، ولا من بنية تكاملية تضامنية، بل يأتي على حساب إلحاق الأذى بالأفراد الضعفاء الآخرين، في حين أن القوة والنفوذ يتم تسليمها إلى عدد صغير من الأفراد الأثرياء في المجتمع.

إنه نقدٌ لفكرة الوعد، المتمثل في الحجر الأصم، الذي يقدم مظهراً مادياً مدروساً للشعارات الفارغة.

الفيلم عبارة عن نقد عابر للطبقات الاجتماعية الرأسمالية أو الكادحة، حيث لا يكون القلق على مصير الآخرين سؤالاً مركزياً، بل القلق على المصير الأناني لكل فئة داخل الطبقة الواحدة، التي هي ليست أي شيء سوى مجرد أشباح تحلق في فضاء الفيلم، فهنالك أكثر من مستوى تتحرك فيه الأشباح- الأشخاص المرئين لكنهم غير مرئيين، والذين يعيشون في المنزل ويحومون فيه، في موضعة لفكرة الحدود التي تضعها الرأسمالية، والتي يحاول الكادحون تخطيها، لكن بطريقة شبحية، على الأقل يجسد السيد بارك الثري هذه الفكرة في عبارته عن السائق- الأب، حين يقول: "أشعرُ دائماً بأنه يوشك على تخطي الحدود، لكنه لا يتخطاها." وتعود فكرة الحضور والغياب للتجسد من خلال الرائحة، الرائحة القذرة التي تشبه الفجل في السوق، التي تفوح من الأب- السائق، وتملأ سيارة السيد ومنزله، وهي رائحة الشبح الذي يعيش في القبو (زوج مدبرة المنزل السابقة) التي تكون سبباً مركزياً في مقتل السيد بارك.

إنه فيلم عن الصراع بأبسط صوره، الصراع القائم على الخطة الجوفاء والشعارات الجوفاء.

ففي حوار هادئ بعد مشاهد متصاعدة من الدراما التشويقية القوية، يقول الأب لابنه:
"أتعرف ما هو نوع الخطط التي لا تفشل؟ إنها الخطط التي لا وجود لها، أتعلم لماذا؟ لأنك إذا وضعت خطة لن تستمر الحياة كما خططت، (...) من دون خطة لا شيء يمكن أن يحييد عن مساره وإذا خرج أي شيء عن السيطرة فلا يهم، سواء أقتلت شخصاً أم خنت بلدك، لا شيء من هذه المسائل يهم."