الحدث الثقافي
تتواصل فعاليات ملتقى فلسطين الثالث للرواية العربية في يومه الثالث، حيث نظمت وزارة الثقافة الفلسطينية عبر الإنترنت ندوتين أدبيتين الأولى تتحدث عن صور الهوية في الرواية العربية بمشاركة كلٍ من الروائي أمير تاج السر، والروائي جلال برجس، والروائي إبراهيم فرغلي، حيث أدار الندوة الكاتب يامن النوباني، والندوة الثانية تناولت موضوع الرواية وأنماط الكتابة الجديدة بمشاركة الكاتب ناجي الناجي، والكاتبة تغريد الأحمد، والكاتبة نسمة العكلوك، والكاتبة أميرة غنيم، أدارها الناقد والكاتب حسن قطوسة.
ففي الندوة الأولى أكد الروائي إبراهيم فرغلي في مداخلته أن أي نصٍ روائي يعبر عن الهوية، فموضوع الهوية استثنائي لأن التحولات التي مرت في المجتمعات العربية وتعرضها للاحتلال ومقاومته، كانت تطرح الهوية على كل مجتمع وتظهر في النصوص الروائية، ففكرة الهوية في الرواية هي رصد لفكرة هوية الأشخاص المنتمين للنفس الثقافية وعلاقة المجموعة بالآخر.
وأضاف أن رواياته تدور في فلك سؤال رئيس عن الهوية المصرية، ففي رواية (كهف الفراشات) كان البحث عن الذات الفردية ومعنى الوجود وطبيعة الهوية أساسًا يرتكز عليه العمل الروائي، أما عن (ثلاثية جزيرة الورد) فيطرح سؤالًا جوهريًا عن النسيج الوطني للطائفتين القبطية والإسلامية من خلال علاقة حب تربط بين البطل المسلم والبطلة القبطية. وبالإشارة إلى رواية (أبناء الجبلاوي) يغدو موضوع الهوية أكثر تركيبًا فبطل الرواية "كبرياء" يبحث عن هويته الفردية لأنه لقيط بلا أب وفي ذات الوقت يبحث عن جذور الهوية الفرعونية من خلال شخصية رادوبيس التي تقود البطل في رحلة البحث عن تراث محفوظ المفقود الذي يعد رمزًا لتراث أدبي ثقافي ومعرفي يشكل جانبًا من الهوية. كذلك وتقدم الرواية سؤالًا هامشيًا عن الرواية نفسها كجنس أدبي يبحث عن هويته كما هو الواقع في رواية (معبد أنامل الحرير).
بدوره أوضح الروائي جلال برجس في مداخلته أن الهوية في الرواية العربية هي الموقف الثقافي والاجتماعي والسياسي للشخصية، ولعدد الشخصيات في الرواية وعلاقتها بمكانها وزمانها الماضي والحاضر والمستقبل، فالشخوص في الرواية العربية يجب أن تتحرك وتتصرف ضمن المساحة العريضة، وتحدث عن روايته (أفاعي النار) التي تتناول مفهومي التطرف الاجتماعي والديني عن طريق طرح مصطلحي العيب والحرام، إلى جانب أثر الخرافة الشعبية على العقل العربي من خلال حكاية بطل روايته الروائي "خاطر" الذي يمر بظروف نفسية صعبة نتيجة فقدانه لمخطوطة روايته المكتوبة على حاسوبه النقال وصورة أمه الوحيدة في حادثة حريق مباغتة لبيته دون أن يحتفظ بنسخة لأي منهما، فيحاول إعادة كتابة روايته لكن دون أي جدوى. مما يزيد من حدة حالته النفسية مع ظهور كابوس له أثناء نومه يرى فيه ألسنة نار على شكل أفاعي تأكل جسده، فيلجأ لعدد من الوسائل للتخلص مما بات يعانيه فيخرج لشوارع مدينته ليلتقي بامرأة اسمها بارعة الحكاءة التي تروي الحكايات للأطفال، لينضم إلى جلساتها فتروي رواية مشابهة لاسم روايته أفاعي النار، وسط ذهوله، ويضيف بأن أحداث الرواية تجري في فرنسا وعمّان وفي إحدى القرى الأردنية. ويتطرق عبر قصة ذلك الرجل المشوه إلى ما أضيف لمفهومي العيب والحرام من وجهة النظر المتطرفة، سواء كانت اجتماعية أو دينية وتعاين آثار الخرافة وأثرها على المجتمعات عبر ما يحدث له من مفاجآت بعد أن يقرر العودة إلى قريته بملامحه الجديدة.
من جهته أشار الروائي أمير تاج السر في مداخلته إلى أن الانتماء الأول هو الهوية الأصلية التي تظل المعيار الموصوف به هذا الأدب، وأن الهوية أيضًا ليست مكانًا أو وطنًا وجدت فيه بل هي التفاصيل المميزة التي قد تظل عالقة بذهن الكاتب وتشكل جزءًا من هوية سرده فيما بعد. وهذا ما يظهر جليًا في نصه (مرايا ساحلية) الذي يستحضر فيه تفاصيل طفولته في مدينة بورتسودان بشخوصها وبيوتها، في إشارة منه بأن هويته في مدينة طفولته برزت بشكل واضح في نصوصه المستقبلية، وفي إشارة منه إلى أن الانتماءات اللاحقة ومدى تأثيرها في الرواية عرّج إلى فترة الثمانينيات من القرن الماضي حين كان يدرس في مصر، ومشاهدته لرجل الأمن الطويل الضخم المتعجرف وصعب المراس، والذي ظل حاضرًا في روايته (٣٦٦) و(العطر الفرنسي) وروايته الأخيرة (غضب وكنداكات). وخلص إلى أن هوية الكاتب هي هوية وطنه وبأن نصوصه تأتي تأكيدًا لهذه الهوية وتأصيلًا لها، وبناءً على ذلك فإن القارئ سيتعرف بسهولة على الرواية العربية المكتوبة في مختلف البلدان ويصنفها كرواية محلية لذلك البلد أو لآخر.
وفي الجلسة الثانية التي حملت عنوان: (الرواية وأنماط الكتابة الجديدة)، قدم الكاتب ناجي الناجي ورقة عمل بعنوان: السرد عبر منصات التواصل الاجتماعي...تطورٌ فنيٌّ أم هروبٌ من الخصائصِ والضوابط؟ قال فيها: من الموضوعي النظر إلى مزايا تطورِ النمط السردي عَبر التكنولوجيا، وإلى نقائِصِه على السواء، فقد حلّقتْ تلك النصوص في فلكٍ أكثر رحابة للتعبيرِ عن الرأي، واستطاعتْ اختزال المسافةِ بين المُبدعِ والمُتلقي، وأتاحتْ التماسَ ردودِ الأفعالِ المباشرةِ من القرّاءِ تجاهَ ما يُنشر، وكرّستْ مواهب جديدةً شقتْ سبلًا بعيدة عن تقليدية وسائل الصعود وإشكاليات النشر، وتوجّهتْ مباشرة إلى الفئات المستهدفة، وانتهجتْ اللغة السلسة والإطار المكثّف المختزل الملائم لظروف القارىء عبر الهاتف أو الحاسوب.
وأضاف الناجي : أما مساوئ هذا الشكلِ أو النمطِ فتبدأُ بتسطيحِ اللغةِ وإفقادِها الكثير من ثُقلِها، وغيابِ المعاييرِ النقديةِ والمتابعةِ الحقيقيةِ لما ينشر، واعتبارِ المجاملات الاجتماعية جزءاً من التقييم، مما سمح للأكثرِ انتشارًا بأن يسبقَ الأكثرَ إبداعًا، كذلك أُفسحَ المجالُ أمامَ المبدعِ والمجرّبِ وأنصاف المواهب وعديميها، لعرضِ نتاجهم على السواء، مهما كان هزيلاً، مما ساوى بين المُنجزِ الإبداعي والمحاولات الابتدائية المفتقدة إلى الحرفية والموثوقية، كما تختلط – لغياب المتابعةِ- مفاهيم التناص والتلاص، وتتشعب المحاكاة شبه الحرفية لأعمال ونصوص سابقة، وبين ليلةٍ وضُحاها ترى النور أعمال نالت استحسان قطاعاتٍ عُمرية وفكرية ،وتصبحُ مطبوعاتٍ تُروّجُ ويصلُ كُتابُها إلى الفضائيات، بينما يبقى الكثيرونَ من المواهب الحقّة المتَبعينَ الطرق المنهجية للكتاباتِ الأدبيةِ، يراوحونَ مكانَهم في انتظارِ ناشر أو منصة أو مطبوعة ثقافية.
فيما تحدثت تغريد الأحمد عن كتابة الروایة في ظل العالم الرقمي الافتراضي، باعتبارها تمرداً على النمط، وهو الصورة الذهنیة لشيء ما ، وإذا كانت الروایة تأتي لتتمرد على زمانها، فالكتابة الجدیدة هي تمرد على التمرد حقا.
وأشارت إلى كتابها الثاني " تحت خط النسیان" والذي یروي قصتها كمتطوعة في مخیمات اللجوء في الیونان في سنوات 2015 - حتى 2017، وقصص الأشخاص الذین قابلتهم وأثروا بها، وتحدثت عن كتابتها بلغة التصویر، بطریقة زوم إن - زوم أوت، (عملیة قفز من تصویر مصغر إلى تصویر مكبر)، وتحولها كراوية عندما تسرد، إلى آلة تصوير دقيقة جداً لدواخل النفوس وخوارجها.
وقالت : إن كتابة روایة واقعیة حقیقیة خالیة من الخیال، تتداخل مع كتابة التاریخ، وإذا كان الكاتب منغمساً عاطفیاً وواقعیاً في القصة تكون عملیة الكتابة شاقة ومرهقة ومجهدة، لكنها مثیرة، وتستوجب الصدق الخالص، وملتزمة بالتفاصیل ومخلصة لها تعتني بالضمیر لا في الإبداع ، ویكون التداخل بین اللغة والمضمون عالیا.
وأضافت الأحمد : إن سیرورة كتابتها لكتابها الثاني والتي استغرقت ثلاث سنوات، كانت أصعب عليها من الحیاة في المخیمات، ومزاولة هموم الناس.
بدورها تطرقت نسمة العكلوك في مداخلتها إلى تجربتها الروائية، ومقارنة ما بين كتابتها، وهي في فلسطين، وفيما بعد في المنفى وتأثيرها عليها، سواء على الجانب الإنساني أوالكتابي، متطرقة بشكل عام إلى أنواع الكتابة والسرد وهي الكتابة الاقناعية، والتوضيحية، والسردية (الإبداعية).
وأضافت أن حلاوة السرد هو قربها من حياة القارئ، الذي يجد فيها نفسه، فالكاتب يحاول أن يكتب ما يجول في خاطره، متحدثة عن روايتها "نساء بروكسل" كما وصفتها الكتابة في المنفى، والتي جاءت بسبب انفتاحها على العالم الآخر، وتشكيل مفاهيم تقليدية للانتماء، حيث راعت الكاتبة الكتابة السردية من حيث البناء السردي والتاريخي للشخصيات، لا بد للشخصيات أن تنتصر، حيث حاولت العكلوك مراعاة حبك الأحداث مع عدم التخلي عن عنصر التشويق، والتركيز على رشاقة النص، وأكدت أن الحنين هو المحرّض للكتابة والإبداع، فالغربة سمحت لها بالسلام الداخلي، وفتحت لها أبواباً موصدة، وفتحت شبابيك من الشوق.
وركزت أميرة غنيم في ورقتها على الجانب التجريبيّ في الكتابة الروائية والتي تحاول، انطلاقاً من التجربة الشخصية أن تصف تردّد المنجز الإبداعيّ، بين إكراهات الجنس الأدبيّ، بما يستوجبه من شروط تقنية تحدد أنماط الكتابة، ووظائفها، وبين إشراقات الإلهام، وتمرده على النظامي بفوضاه الخلاقة.
وأخذتنا غنيم في جولة داخل مختبر السرد الخاص بها، وتحدثت عن تيارين في الكتابة، الأول الذي يرى أن الرواية تقنية يرى هذا التيار أن كتابة الرواية لا تختلف عن كتابة البحث العلمي، مضيفة أن كل باحث جيدٍ يمكن أن يتحول إلى روائي جيد، إذا امتلك الخبرة الكافية وهذا التيار الذي شجعها لدخول السرد.
أما الاتجاه الثاني هو أن الرواية ليست تقنية وأن الملكية هي الهامٌ وموهبة.