الخميس  21 تشرين الثاني 2024

ماذا تريد الصبارات؟/ بقلم: ديما السيلاوي

2020-08-16 01:09:36 PM
ماذا تريد الصبارات؟/ بقلم: ديما السيلاوي
الصبار

 

منذ فترة، أهدتني صديقة حوض صبار كبير. كان ذلك بعد مديحي المستمر للصبار المنتشر حول مكتبها وأمام بيتها بألوانه المتناغمة وما يحمله من زهور دفنت نفسها بين كل صبارتين أو ثلاثة لتتلألأ بالأحمر والأصفر مبشرة العالم ببدايات جديدة حتى لو كثرت الأشواك.

قمت بوضع الحوض بجانب شباك مكتبي حتى أرى الشمس تدللهن بأكبر قدر ممكن. رحت أروي صديقاتي الجدد بحسب التعليمات وأحدثهن أحاديث مفعمة بالإيجابية كما تم إرشادي من جميع من له خبرة متجذرة في الزراعة. وصلت حد إلقاء التحية عليهن في الصباح كما ألقيها على كل من تقع عيني عليه وكان زميلي الذي شاءت الاقدار ان يشاركني المكتب نفسه يرى ذلك، كان يستمع إلى حديثي معهن فيرفع رأسه ليتأمل ما أفعل ثم يهز رأسه مستهزئا ويعود لعمله.

كل محاولاتي باءت بالفشل، فالنباتات ما كان منها إلا أن تصفرَ وتبهت. كأنما هي رحلة باتجاه الموت. كلما كنت أرى ذلك كنت أحتضنهن بين يدي وأقول: "ما بكن يا جميلاتي؟ ما الذي أزعجكن؟ هل قصرت في رعايتكن؟!". وكانت صديقتي صاحبة الهدية تلاحظ ذلك فتطمئنني محاولة التخفيف عني بقولها إن الأمر يحدث مع الكثير وأنهن لا بد أن يحيين قريبا.

اضطررت أن أغيب عن العمل المكتبي لفترة طويلة لتلبية احتياجات العمل الميداني، ودعت الصبارات على مضض واعتذرت لهن كثيرا محاولة شرح ظروف عملي المعقدة. تقمصت دور الأم فأوصيت المراسلة اللطيفة في المكتب أن تعتني بهن كما أوصيت زميلي في المكتب أن يتحدث معهن بين الفينة والأخرى كي لا يشعرن بالوحدة، فهز رأسه مجددا موافقا عن غير اقتناع.

بعد مرور ما يقارب الشهر والنصف عدت إلى مكان عملي، ركضت متجهة إلى مكتبي دون أن ألقي التحية على أحد فقد أردت الاطمئنان عليهن قبل أي شيء وأرى أثر غيابي عليهن وكنت أحضر نفسي لفقدان لا بد منه. الحقيقة هي أنني كنت أشعر أيضا بقليل من الذنب لعدم سؤالي عنهن وترك رعايتهن لغيري طوال الفترة الماضية. شاهدت المراسلة اللطيفة قبل الوصول للصبارات هنأتني بسلامتي ثم بشرتني بسلامة صباراتي اللواتي عدن الى الحياة. الحقيقة هي أنني افتعلت السعادة والحماس وكان قلبي يمتلئ باللوم والعتاب وخيبة الأمل حينما رأيت انتعاشهن الذي ناقض بشدة توقعاتي عن أثر غيابي عليهن. ما أن غادرت الخالة اللطيفة حتى نظرت إلى اخضرارهن وحيويتهن بدهشة ثم تأملتهن جيدا وتمتمت: "عليكن اللعنة!".

بعد أن هدأت خاطبتهن معاتبة ومتفهمة: "بالغت في سقايتكن بالماء وما تبقى من الشاي الأخضر في كوبي وأكثرت من تغيير أماكنكن والخوض في أحاديث إيجابية معكن فأنتن -كما البشر-يرهقكن الاهتمام الزائد." أكملت بحزن:" هل صحيح أنكن تطبقن نظرية امتصاص طاقتي السلبية في وجودي لأظل سعيدة بينما تمتن لأجل هدوء بالي كما تقول بعض النظريات؟!". ضحكت وأشحت بوجهي ثم قلت لائمة لأخفف عنهن: “أهي التربة السرية للمراسلة اللطيفة التي تخلطها بالقهوة ما جعلتكن تنضجن؟ أساعد في ذلك شمس الصيف الحارقة التي تتهجم على مكتبي فتحرقه في ساعات النهار؟" 

بدلت أسلوبي فصار اهتمامي بهن مدروسًا والحديث معهن مختصرًا وسقايتهن بالماء مقتضبة وتغيير أماكنهن معقولًا. واتفقنا أننا نستطيع الخروج من تلك الأزمة وأن لا داعي لشخصنة الأمور. 

عاد العمل الميداني يطل برأسه مجدداً وبدأت أترك مكان عملي كل يومين أو ثلاثة فأعود لأجدهن قد كبرن وتفرعن حتى أن إحداهن أنجبت فرع من نبتة جديدة من غير نوعها لتعيش بجانبها.

في آخر محاولة بائسة، وصلت حد دعمهن جسديا، وضعت الحوض في حضني ورحت أربت عليهن واحدة تلو الأخرى دون أن أنبس ببنت شفة. ما أن رفعت يدي، حتى صبغت جروح صغيرة على أصابعي أشواكهن فغيرت لونهن.