الأحد  22 كانون الأول 2024

حين لا يقولُ وداعاً/ بقلم: فارس سباعنة

2020-10-12 10:46:13 AM
حين لا يقولُ وداعاً/ بقلم: فارس سباعنة
لوحة من أعمال الفنان محمد الجولاني

الحدث الثقافي

بدأتُ نصاً يلعنُ الأمل، ما اللوحة التي كان خائفاً أن يرسمها؟ والكلمةُ التي لم يقلها؟

فتذكرتهُ، أصلاً يكرهُ الكلمات، وفي ذلك صحبتنا نضحكُ منها، أنا من باب الرفاهية وهو من باب الكراهية.. الرسامُ الذي يضحكُ بانتـقام..

لخّص رأيه في (الكونتومبوراري آرت)، بأن أغلقَ زجاجة (المولوتوف) بالواقي الذكري، وسمّى العمل ("كوندوم" بوراري آرت).

حاقداً على فساد النظام اللغوي، رافضاً لتسوّل الفنّ التشكيليّ شروحاً، وسرداً تراجيدياً حول طريق الإبداع الشاق، سائماً من المقدسات والسرديات التي يسعى خلفها الثرثارون: الفنّ لا يثرثر.

من الثقيل عليه التفكير بالدوام والنظام والبيرقراطية وتقاليد احترامها، ويضايقهُ أن المدافعين عن هذه الأمور يستعمرون وجهات النظر الأخرى بالكلمات.

يشمئزّ الذين يتحسسون الألوان وترتعشُ أيديهم في درجات البُنيّ، بينما ألوانهُ ساحة حروبٍ أهليةٍ بين هوية اللون ولون الهوية، لا ينتصرُ فيها إلا الصمت..

المجدُ والخلودُ قصيدتان قديمتان بعض الشيء، وليستا ضروريتين في شيء.

الحبّ - سيموتُ حينَ يقالُ -

والحرية ترجمة القفص من لغةٍ إلى أخرى.

وفي الأمل واليأس فكرتان سمجتان لا تستحقان معجماً لغوياً، تخرجان بحروفهما المبحوحةَ مثل المُحن، تلوحُ كباقي الوشمِ في ظاهرِ يد الغيب، وطاهرِ أيدي الأقدار الوسخة.

زهرُ المحبطين عند محمد درويش، خُرج الحمار عند جولاني، ودوامه المدرسيُّ في مهنة العِتـَـالة، بينما العدالة مهنةُ الله: مَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم.

مُطالباً بالتعدد في ذاته ومواجهةِ النرجسية قبل التحوّل لدراسة الماجستير، وكأنه، حينها رسمَ لوحةَ الخروج من باب المرسم بين الاعتذار من نفسه والثأر إليها، أو ظلّ يرسمُ نفسه حتى لا ينسى.

محمد الفنان لا يقول شيئاً لمحمد الإنسان، يمشيان ثابتين معاً إلى اللوحة وبأيدٍ كريمةٍ يتجادلان بالألوان.

قبل الرحيل، رسمَ مرايا اختناقه كي لا يجرحنا..

حين لا يقولُ وداعاً..