الأحد  22 كانون الأول 2024

لفهم مشروع بيغاسوس علينا الرجوع إلى ميشيل فوكو

2021-08-05 10:31:43 AM
لفهم مشروع بيغاسوس علينا الرجوع إلى ميشيل فوكو
ميشيل فوكو

الحدث – ترجمة عبد الله أبو حسان

كتب الصحفي زيا حق Zia Haq، مقالاً قصيرا وبسيطا، نشر في Hidustan Times،  يشرحُ فيه بسلاسة فكرة فوكو عن المعرفة والضبط والسلطة وعلاقتها ببعضها البعض كمنطلق نظري لتفسير واقعة بيغاسوس.

وفيما يلي ترجمة المقال:

ما تم الكشف عنه حول مشروع بيغاسوس مثير. وهنالك ادعاء أن برنامج التجسس العسكري الذي يفترض أن يتم بيعه فقط إلى كيانات تديرها الدولة تم استخدامه ضد صحفيين ومعارضين ومعارضين سياسيين، وشخصيات مهمة في عدة دول.

ومع ذلك، وبغض النظر عن الاهتمام المباشر للجمهور بأسئلة من قبيل من استهدف من، أو من غضب من أولئك الذين خضعوا للمراقبة من قبل برنامج بيغاسوس Pegasus، فإن هناك بعض الأسئلة الأخرى الأهم.

لماذا تخضع المجتمعات الحديثة للمراقبة المستمرة؟ هل العالم أشبه بسجن كبير جدا تتم فيه مراقبة الأفراد؟ هل تلك هي الوسائل لتحقيق غاية ما مرغوبة؟ أم أننا نتمتع بقابلية التوقُّع، كما تنبأ جورج أورويل؟ تقع هذه الأسئلة خارج نطاق مشروع Pegasus لأنها تنتمي إلى حقل مختلف يتبع الفلسفة السياسية أو الاقتصادية. لتبدو الفلسفة، وفجأة، أقل تجريدًا وأقل تعذراً على الوصول إليها، لأنها تساعدنا على فهم إشكالية القضايا المهمة في حياتنا اليومية.

إذا أراد المرء أن يفهم المراقبة كمفهوم سياسي، فلا يمكنه الهروب من الفرنسي ميشيل فوكو Michel Foucault، أحد أشهر المفكرين في العالم في أواخر القرن العشرين. والذي تجاوزت أعماله الحدود المترامية الأطراف لحقول التاريخ والعلوم والجنس والفلسفة والاقتصاد. كان فوكو مهتمًا في المقام الأول بتحليل السلطة والمعرفة والانضباط.

وتماشيا مع موضوع هذه المقالة، والهادف إلى الإجابة في المقام الأول على السؤال عن سبب فرض المراقبة على المجتمع الحديث باستمرار، علينا أن نبدأ أولاً بالتفسير الذي وضعه فوكو للسلطة. بالنسبة لفوكو، فإن المعرفة والسلطة توأمٌ لا ينفصل، لدرجة أن أحدهما لا يتواجد دون الآخر.

إذا كانت السلطة عبارة عن مبنى متعدد الطوابق، فإن المعرفة هي أساسها. إذا أراد أي شخص أو أية مؤسسة ممارسة سلطتها عليك، يستوجب الأمر أن يكون لدى هذا الكيان أولاً بعض المعرفة الأساسية عنك. كلما كانت المعرفة أعمق، كانت القوة المطبقة أكثر فعالية.

على سبيل المثال، إذا أرادت السلطات تطبيق سلطتها على سائقي السيارات المخالفين في شارع مزدحم، فعليهم أولاً معرفة هؤلاء السائقين. هذه المعرفة تأتي من كاميرات الدوائر التلفزيونية المغلقة.

ما يجعل فوكو عالمًا مشهورًا هو أنه درس تطور المعرفة وحلل عواقبها على حياتنا. وهنالك مكان واحد لنبدأ منه فهم كل ذلك، وهو بالطبع، كتابه الكلاسيكي لعام 1975، الانضباط والمعاقبة.

إذ أن كل امرء يختبر القوة طوال الوقت - طالب مقيد بدُرجِ مدرسته؛ رجل الأمن الذي يحرس الباب. العامل في أرض المصنع؛ مواجهة الرأسمالي لقوة السوق. والمواطنون الخاضعون للسلطة السيادية المهيمنة للدولة. والمدرسة هي موقع محدد حيث تمارس السلطة والانضباط. كل مظاهر القوة تؤدي إلى التغيير الاجتماعي.

ومع ظهور الديمقراطية، على الأقل في فرنسا، حاجَّ فوكو بأن المجتمع الحديث أصبح أكثر إنسانية. لم نعد نجلد الجناة في الساحات العامة. ولكن مهما كان شكل الحكومة، فإن ممارسة السلطة ما تزال في صميم وظائفها.

أما الفكرة وراء ممارسة السلطة السيادية فهي التحكم في "أجساد" الناس و "قولهم" بحيث يمكن تغيير سلوكهم إلى ما يعتبر معيارًيا أو "طبيعيًا" وحتى قانونيًا. هذا هو السبب في أن المجانين تم نقلهم ذات مرة إلى مصحات عقلية.

كانت المثلية الجنسية ولا تزال (في بعض الأوساط) تعتبر استراحة من "الممارسة العادية"، وهي شيء يجب "علاجه".

تساعد القوة في جعل المواطنين يمتثلون لما يعتبر صحيحًا. وتهدف الممارسة المتكررة للسلطة إلى خلق مواًطنين مطواعين يصححون أنفسهم بأنفسهم. وفي بعض الحالات، يكون هذا الأمر ضرورياً. فعلى سبيل المثال، ستتوقف تلقائيًا عند إشارات المرور الحمراء.

ومع ذلك، فإن ممارسة السلطة يمكن أن تكون غير متكافئة وغير عادلة، بل ويمكن أن تفيد البعض وتضر بالآخرين. لذا، وكما كتب فوكو: "حيثما توجد قوة ، توجد مقاومة ...". يقاوم المثليون الآن التمييز ضدهم، وهم محقون في ذلك. يعتبر البعض أن القياسات الحيوية Aadhaar أداة للمراقبة. يرى آخرون أن سلطة الدولة نفسها هي سلطة تدخلية.

إنه من خلال فهم أكثر رسوخًا لكيفية وأين ولماذا تمارس السلطة، يمكننا اتخاذ القرار بشأن الخطوات العقلانية اللاحقة للتمييز بين القوة السيئة والقوة الحميدة.