الأحد  22 كانون الأول 2024

قصة أول محجر صحي لمرضى الجذام في فلسطين.. كيف تحول لمركز ثقافي إسرائيلي؟

2022-02-16 10:55:54 AM
قصة أول محجر صحي لمرضى الجذام في فلسطين.. كيف تحول لمركز ثقافي إسرائيلي؟
مستشفى للمجذومين- 1897

صورة ومكان

على أبواب مدينة القدس، في القرن التاسع عشر، وقف عدد من المواطنين يتوسلون طلبا لتلقي العلاج، من مرض معدٍ لم يعرف له دواء حتى اليوم، وكان على من أصيب به أن يعزل نفسه بعيدا عن الناس، لسهولة وسرعة انتشاره، ولما يخلفه من تشوهات على ضحاياه، الأمر الذي دفع ببارونة ألمانية أن تأخذ على عاتقها إنشاء ملجأ لهم، للتداوي والعزل، عقب زيارتها عام 1865 وزوجها للمدينة للمرة الأولى، ورؤيتها مرضى الجذام يتوسلون عند أبواب المدينة لتلقي العلاج.

تأسيس الملجأ

اشترت البارونة الألمانية أوغوستا فون كيفينبرينك الكنيسة البروتستانتية الألمانية- الأنجليكانية وأنشأت عليها الملجأ الخاص لمرضى الجذام، في الوقت الذي لم يكن للمرضى سبيل للعلاج سوى الطب الشعبي، وظهرت في حينها مجموعة مؤسسات أثرت على الحياة الدينية، الثقافية، التعليمية، الاقتصادية، والظروف الصحية، فبالإضافة لمستشفى الجذام، تم إنشاء 19 مستشفى في القدس.

وفي العام 1867 افتتح الملجأ وقدم عدد من المصابين بالمرض للعيش فيه بشكل مجاني، على أن يحصلوا على الطعام والملابس إلى جانب العلاج، إلا أنه وفقا للمعلومات التي ينشرها موقع المبنى رفض المسلمون هذا العرض خشية من محاولات لإقناعهم باعتناق المسيحية والتأثير على استقلالهم.

وفي العام 1875 سعت السلطات العثمانية في القدس إلى إبعاد المتسولين على أبواب المدينة، ولهذه الغاية شيدوا مبنى في منطقة بئر أيوب، وأجبروا المتسولين على الانتقال إلى هناك دون مقابل مادي، إلا أنهم لم يتلقوا الرعاية الطبية واقتصر حصولهم على الماء والخبز فقط.

وبحسب الموقع: "حاول العديد منهم العودة إلى الملجأ، لكنهم لم يلتزموا بقواعده فأعيدوا إلى بئر أيوب، وظل الملجأ بمثابة مأوى لمن يحتاجون الطعام والملابس والعلاج، وللنساء اللواتي يتعرضن للإيذاء الجسدي من قبل أزواجهن".

وفي العام 1880 تحملت كنيسة مورافيا المسؤولية الكاملة عن الملجأ وملكيته، ومع تزايد أعداد المصابين بالجذام ووصولهم إلى مدينة يافا، تم بناء ملجأ أكبر على مسافة أسوار المدينة.

وفي العام 1888 تم تدشين ملجأ السيد المسيح الجديد بحضور الحاكم العثماني للقدس وممثلين عن مختلف طوائف المدينة، وكان الملجأ الوحيد من نوعه في الشرق الأوسط، وهو عبارة عن مؤسسة خاصة ممولة من تبرعات من أنصار كنيسة مورافيا في جميع أنحاء العالم، وكانت تعتبر مؤسسة تقدمية، يُنظر إليها على أنها مؤسسة رائدة في كنيسة مورافيا.

وفي حينها كان عدد سكان المصح، بما في ذلك المرضى والموظفين، يتراوح بين 30-50 شخصًا، ينمتون إلى جميع قطاعات السكان،  ثلثهم رجال والباقي من النساء والأطفال من مختلف الأعمار، معظمهم م نالمسلمين وبعضهم مسيحيين من مختلف الطوائف، إلى جانب عدد من اليهود.

وكان للملجأ إجراءات محددة يجب الالتزام بها وهي: الاستشفاء الطوعي، الفصل بين الرجال والنساء، وطاعة الموظفين.

الحروب العالمية وتأثيرها على الملجأ

وتضمنت مباني الملجأ أربعة صهاريج للمياه، بالإضافة إلى بستان وحديقة ومزرعة، التي أغلقت في الحرب العالمية الأولى، التي بدورها ساهمت في معاناة المدينة من نقص حاد في الغذاء والنقود والوقود، وتدمير جدران الملجأ.

ومع انتهاء الحرب تم نقل مسؤولية الملجأ من الإدارة المركزية لكنيسة مورافيا في ألمانيا إلى مقاطعة كنيسة مورافيا البريطانية، وأشرف على اللجوء اللجنة المحلية لأعضاء الكنيسة اللوثرية في القدس.

وفي الحرب العالمية الثانية أصبحت الممرضات الألمان في الملجأ رعايا لدولة معادية، وفرض عليهن حظر التجول، وصار الملجأ مكانا للقاء والصلاة للرعايا الألمان المتبقين في القدس، وعانى الملجأ من  نقص حاد في الموظفين وضائقة مالية.

وفي حرب النكبة عام 1948 أصيب الملجأ بطلقات نارية فغادر معظم المرضى العرب وبعض الموظفين المصح، سيما بعد وقوع الحي الذي يتواجد فيه المصح في قبضة عصابات الهاغاناه، ولاحقا نتيجة تفاقم أزمة الميزانية، والعدد المتزايد من المرضى اليهود، قررت كنيسة مورافيا بيع المجمع بأكمله إلى "الصندوق القومي اليهودي".

من ملجأ للمرضى إلى مركز ثقافي إسرائيلي

في العام 1950 أصبح الملجأ تحت إدارة "وزارة الصحة الإسرائيلية" وتمت تسميته "مستشفى هانسن الحكومي"، واستبدل الطاقم الأوروبي بطاقم عينته الوزارة، وتم نقل الإدارة الطبية إلى قسم الأمراض الجلدية في مستشفى "هداسا"، والذي كان قد انخرط في الأنشطة في المصح منذ ثلاثينيات القرن الماضي، ومع ازدياد الهجرة اليهودية إلى فلسطين، جرت تغييرات على المبنى، وأنشئ فيه كنيس يهودي.

وفي العام 2000 أغلق المستشفى ليفتتح بعد 9 سنوات معرض "ما وراء الجدار" الذي وثق تاريخ الملجأ، ولاحقا بطلب من رئيس بلدية الاحتلال في القدس، قررت حكومة الاحتلال نقل المجمع إلى البلدية، من أجل تحويله إلى مركز ثقافي عام، وعينت "سلطة تطوير القدس" للإشراف على هذا المشروع.

وفي العام 2013 تم افتتاح هانسن هاوس كمركز ثقافي للتصميم والإعلام والتكنولوجيا، يقدم معارض مستمرة، أحدها عبارة عن معرض تاريخي يصور قصة منزل هانسن ومستأجريه السابقين، ويضم مسرحًا للسينما ومعمل تصنيع وحديقة تحيط بالمبنى.