الأحد  22 كانون الأول 2024

شكري بلعيد كتب الشعر قبيل اغتياله

شكري المبخوت جمع قصائده وحققها شهادة على التزامه الإنساني

2022-02-28 07:59:17 AM
شكري بلعيد كتب الشعر قبيل اغتياله
المناضل السياسي التونسي الراحل شكري بلعيد

الحدث الثقافي

لئن عرف التونسيون والعرب شكري بلعيد الذي اغتالته يد الإرهاب عام 2013 زعيماً سياسياً، وناشطاً حقوقيا، فإنهم جهلوا، على امتداد سنين كثيرة، شغفه بالشعر، يتعاطاه في خلواته. لهذا فاجأ ديوانه "أشعار نقشتها الريح على أبواب تونس السبعة" الصادر عن دار الاتحاد، بتحقيق شكري المبخوت، النخبة التونسية، ساسة ومثقفين، وجعلتهم يكتشفون وراء المناضل السياسي القوي عاشقاً هشاً، يكتب قصائد طافحة بالحب، مفعمة بالحنين، بعضها أزجاه للحبيبة، وبعضها الآخر رفعه للوطن.

القصائد التي كتبها صدرت في كتاب (نيل وفرات)

قسم المحقق الديوان إلى أبواب ثلاثة، وسمى كل باب منها دفتراً، أولها "دفتر الغريب" وجل قصائده تعود إلى ما بعد خروج بلعيد من الجامعة وقبل رحيله إلى العراق. وبين هذه القصائد، في نظر شكري المبخوت، من الوشائج الفنية والمضمونية والتخييلية ما ييسر على الناظر في شعر بلعيد أن يرى الوجه الذاتي من الشاعر، والروحانية العميقة التي تقود كثير من شعره. وثانيهما "دفتر العاشق في بغداد" وهذا الدفتر يتكون من قصيدة بعنوان "نشيد بغدادي على إيقاع كردي و"مقاطع شعرية" مستلة من رسائل وجهها الشاعر إلى حبيبته. وتمثل هذه النصوص الشعرية آخر عهده بالشعر. أما ثالث الدفاتر، فهو "دفتر المصارع الطبقي" وتضم قصائده السياسية وتعود في أغلبها إلى السنوات الثمانين.

قصائد وأحداث

لا شك في أن الأحداث السياسية والاجتماعية التي شهدتها تونس وشمت ذاكرة أدبها وتركت في جسده أثراً لا يمكن محوه أو التهوين من شأنه. غير أن الأدباء اختلفوا في تعاطيهم مع هذه الأحداث اختلافاً بيناً. فأغلب القصائد التي كتبت عقب هذه الأحداث كانت انفلاتاً تلقائياً للمشاعر، وتعبيراً مباشراً عن حماسة طارئة، لكن بعض الشعراء أدركوا، في غمرة حماستهم، أن الشعر ليس الانفعال وإنما هو تحويل الانفعال إلى شكل، أي إلى طريقة في القول مخصوصة، أي إلى كتابة على غير مثال سابق، ومن ضمن هؤلاء كان شكري بلعيد.

والمتمعن في مجموعته يلحظ أنها تنطوي على جدلين اثنين: جدل داخلي خاص بها وجدل خارجي مع الواقع الذي صدرت عنه. أما جدلها مع نفسها فيتمثل في الحوار الذي عقدته مع القصيدة الحديثة، مع إنجازاتها الفنية والدلالية، مع طرائقها، في تشكيل الصورة، وبناء القصيدة، واستدعاء الأقنعة والرموز. وأما جدلها مع الواقع فيتمثل في الحوار الذي عقدته مع الأحداث تتشرب جوهرها العميق وتتخلى عما عداه. فالشعر، لدى شكري بلعيد، ليس تعبيراً عن حقائق الروح فحسب، وإنما هو تعبير عن حقائق التاريخ أيضاً.

ولهذا كان الانعطاف على نصوص بلعيد انعطافاً على قصيدة تتطور باستمرار، لا تفتأ تبحث عن إمكانات شعرية وجمالية جديدة، هذا البحث هو الذي جعلها تنتقل من مرحلة إلى أخرى، ومن تجربة إلى ثانية. تصبو إلى الإيفاء بشرائط الكتابة الشعرية من غير أن تنحرف عن السؤال السياسي الذي تتضمنه. ولهذا تعد كل قصيدة بمثابة خطوة جديدة في طريق القصيدة التي حلم بكتابتها الشاعر.

هكذا ظل بلعيد يرهف أدواته الفنية، يطور قصيدته باستمرار، يعيد النظر فيها، يشحنها بأسئلة جديدة فالقصيدة رديفة الحياة لهذا تفزع من التكرار.التكرار يقتل اللغة، يبدد قدرتها المبدعة، يحول القصيدة إلى كومة من الرماد.