الحدث الثقافي
عقد مساء اليوم ندوة بعنوان تداخل الأجناس الأدبية في الرِّواية العربيّة بين النقد والتجربة، ضمن فعاليات اليوم الثالث لمعرض فلسطين الدولي للكتاب.
وشارك فيها كل من الروائي صافي صافي، الروائي عبد الله تايه، الشاعر عبد الرحمن بسيسو، الروائي هزاع البراري، الكاتبة لينا حشمه وأدارها الروائي مهند الأخرس
وقال هزاع في مداخلته إن موضوع تداخل الأجناس مرتبط بالكتابة الحديثة ولكن منذ النقوش الاولى كان هنالك تداخلا معماريا قويا في هذه الأجناس، ويكفي أن ننظر الى النقوش الفرعونية والكتابات الآشورية، لنجد رسم ونحت وكتابة ونص، وهذا يؤكد أن الإنسان منذ البداية كان ينظر الى الحالة الابداعية باعتبارها كيانا واحدا.
وتابع: "هذه الحالة الإبداعية هي التي تحاول أن تكون الإنسان، والحالة الفنية التي تنتج من هذا الانسان هي كينونة واحدة ذات تفصيلات وأشكال في داخل هذه الكينونة الواحدة".
وأردف: النشأة الأولى للكتابة والابداع هي نشأة متداخلة مع الأجناس الأخرى، ولا يمكن في لغة الآثار العامة أن نفصل النقش عن التجسيد الفني الموجود في ذات اللوحة".
وبحسب البراري: فيما بعد جاءت الأساطير على اختلافها، ونلاحظ فيها أن النص نفسه شعري وسردي وطقسي ومسرحي وحكائي في ذات النص، وهذا يؤكد أن الاختصاص جاء لاحقا ولم يكن الموضوع عكسي كما كنا نعتقد أن التداخل في الأجناس جاء نتيجة النظرة الحديثة للكتابة، كذلك الأدب الجاهلي ارتبط بحكاية وقصة ودائما تروى القصة سابقا القصيدة، حتى في الأحاديث النبوية يوجد مناسبة للحديث وفي الآيات القرآنية يوجد أسباب للنزول".
ويرى البراري أن التخصص برز مع تقدم البشرية، حيث أصبح الشاعر يكتب شعرا وأصبح هناك من يكتب الرواية والقصة القصيرة، وهذه التخصصية لم تلغ تداخل الأجناس، بل أصبح حتميا، معتبرا أنه كلما كان عن وعي وخبرة في الكتابة كلما كان لصالح النص.
واتفق عبد الرحمن بسيسو مع البراري في مداختله، وقال إن تداخل الأجناس قديم قدم الإبداع وفي اللحظة الأولى التي بدأ الانسان فيها يبدع كانت رؤيته للعالم هي الرؤية الشعرية.
ويرى بسيسو أن كل الفنون والآداب التي نواكبها هي رؤية شعرية للعالم وبهذا الفهم نعرف أن أول من كتب ورسم قد كان شاعرا، بمعنى أن الشعرية هي التي تخترق كل الآداب والفنون.
وتطرق بسيسو إلى القدامة والحداثة، حيث اعتبر أ تداخل الأجناس هو اتجاه أو تيار حداثي لكن الحقيقة أن تداخل الاجناس في العصر الحديث هو استدعاء أو عودة الى القدامة الأولى، لأن الحداثة تريد أن تدرك العالم تدراكا شعريا بعد أن فارق الإبداع حتى الذي عرفناه الرؤية الشعرية للعالم.
كما تطرق بسيسو إلى التطور التكنولوجي ودوره في تداخل الأجناس، بحيث أنه اسهم في ذلك.
من جانبه عرج الروائي عبد الله تايه في مداخلته على موضوع الرواية، وقال إنه إذا كانت الرواية هي تعبير فني ذو خصائص محددة عن الحياة ممزوجة بالواقع والشخصيات وتأثير الزمن التاريخي فإنها لا بد أن تكون ذات مزاج فني، مرتبط بثقافة الكاتب وكيف بعبر عن مضامينه وينشئ عملا أدبيا يحثه ليس على نظرات وأسس فنية جمالية لسير الرواية وشخوصها ومضمونها وأجوائها فقط، ولكن على أن يثور مفاهيم القارئ ويدفعه لرفض الواقع الذي يسلبه حريته ويجعله في الدرك الأسفل من منظومة الحياة الكريمة، ويحثه على الاندماج في وعي جديد لوسائل فعالة للانعتاق من هذا الظرف التاريخي بعدما مر علينا من تثاقف ثم هيمنة ثقافة واحدة استعمارية، واستخدام الوسائل التكنولوجية الخبيثة، لجعلنا في ذيل قائمة التقدم والنزر لأنفسنا بمقتن وللآخر بأنه هو النموذج.
وعليه يرى تايه أن كتاب الرواية العرب حاولوا الخروج من هيمنة التوصيف الروائي الغربي وما وازاه من نقد أجنبي، إلى النزوع للترد على الشكل الكلاسيكي لفنية الوراية حيث كانت معظم الاتجاهات النقدية تضع توصيفا صارما للأجناس الأدبية ومنها الرواية، لذلك عمد كتاب الرواية على اعتبار ان هذا التشدد لا بخدم تطور الرواية العربية ولا ما يأمله القارئ العربي الواعي، في ظرف التدهور والتراجع والتراخي في الحالة العربية أمام هذا المد الغربي والتاريخ الجديد الذي لا يقيم وزنا للحضارة العربية والإسلامية.
ويرى تايه أنه نتيجة لكل ما سبق أصبح كتاب الرواية يعمدون إلى استخدام أجناس أدبية أخرى في كتاباتهم الروائية.
من جانبها، الكاتبة لينا حشنة في مداخلة بعنوان "عبر النوعية تجاوز للواقع وتمرد على أشكال السلطة"، إن من ملامح الحداثة وما بعدها رفض الضوابط، فالحداثة رفض لكل أشكال السلطة بما فيها سلطة الأدب، وهي مناخ الحرية والتساؤل، وخلخلة الأجناس الأدبية حيث تحول النص الأدبي إلى أفق مفتوح يهدم الحدود الفاصلة بين الأنواع ويرفض قالب النموذج الأبوي الصارم ونظرية الجنس الواحد، متمردا على شكله الكلاسيكي.
وتابعت: صارت الأجناس الأدبية تستلهم من بعضها وتندمج وتتداخل فتخلت عن نقائها النوعي، وماعت حدودها وتزعزعت حتى بتنا نتحدث عن اصطلاح أدبي أطلقه " ادوار الخراط" يسمى الكتابة عبر النوعية وهو يعني الكتابة التي تسقط الحدود بين الأنواع، مشيرا الى أن المواصفات التقليدية والحدود القاطعة بين كل فن وفن قد تهاوت وبات كل فن يستفيد من منجزات الفنون الاخرى، الامر الذي أدى الى تلاقح الاجناس كالشعر مع النثر فظهرت القصة القصيرة، والرواية الشعرية وتلاقحت الرواية بالمسرحية فظهرت "المسرواية" واندمجت الرواية بالسيرة الذاتية فظهرت رواية السيرة الذاتية، واندمجت الرواية كذلك بالفنون التشكيلية والسينمائية والحكاية الشعبية وغيرها.
واعتبرت الكاتبة أن الحداثة ثورة على الواقع والواقع الذي يعيشه الروائيّ العربي مرير ومعقد فعلى الرغم من ضرورة الحرية للإبداع فإن المبدع العربي لا يزال يعيش تحت وطأة الثالوث المقدس، السياسة، الدين، والجنس.