الحدث- سوار عبد ربه
صدر حديثا عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ضمن "سلسلة أطروحات الدكتوراه"، كتابا للأكاديمي رشاد توام "الدولة في الجندي: الجيش وتغيير النظام الدستوري في مصر"، وهو من تقديم ناثان براون وفرحات الحرشاني، ويقع الكتاب في 780 صفحة، ويشتمل على ببليوغرافية وفهرس عام.
ويقوم الكتاب على منهج مركب بين الاستنباطي والاستقرائي والمقارن، فيوثق تفاصيل تدخلات الجيش، وأبرز الفاعلين الآخرين خلال الانتقال إلى الجمهورية المصرية الثانية معتمدا على مصادر أصلية في الأغلب، ويحللها ويربط ما بينها في قسم أول مخصص لدور الجيش في الانتقال من النظام الدستوري القديم، ثم يعكسها بعمق في قسم ثانٍ مخصص لمكانة الجيش في النظام الدستوري الجديد، كما جاء في تقديم أستاذ القانون العام ووزير الدفاع والعدل الأسبق في الجمهورية التونسية فرحات الحرشاني.
وبحسب الحرشاني فإن القسم الأول من الكتاب تقتصر حالته الدراسية على مصر، بينما القسم الثاني يقارنها الكاتب مع حالات دراسية أخرى كالبرتغال وتركيا وتونس والجزائر وجنوب أفريقيا وفرنسا. والتزم الكاتب منهجيا في الفترة الزمنية المحددة بين 2011-2014، وعرج على أبرز التطورات التي حصلت بعد ذلك، خصوصا تعديل الدستور عام 2019.
وحول الكتاب قال أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية في جامعة واشنطن ناثان براون: "من أجل فهم العلاقة بين الجيش والدستور خلال السنوات الثلاث التي عاشت فيها مصر مثل هذه الفوضى، فإن المرء يحتاج إلى فهم سياسي عميق، وإلى قدرة على فهم وجهات النظر المختلفة، كي يتمكن من قراءة النصوص القانونية بعناية، ومن الفصل بين الحقيقة والإشاعة ونظرية المؤامرة، وأن يكون لديه فهم لتاريخ هذه القضايا.
وأضاف: وفي هذا الكتاب يبين لنا المؤلف جميع هذه المهارات، إنه يسجل ما حدث وهذه مهمة صعبة بحد ذاتها، لكنه يساعدنا أيضا في فهم كيف حدث ولماذا حدث، فكانت النتيجة كتابا غنيا ومفصلا ينبغي لأي شخص مهتم بهذا الموضوع قراءته، وفقا لراون.
وعلى هامش معرض فلسطين الدولي الثاني عشر للكتاب، أطلق الأكاديمي والباحث رشاد توام كتابه ضمن سلسلة فعاليات المعرض في حفل خاص أدارته الإعلامية رولا سرحان، وتحدث فيه كل من أستاذ القانون العام عاصم خليل و مدير عام معهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي نايف جراد.
بدورها، اعتبرت سرحان أن عنوان الكتاب كان لافتا، لأن عبارة "الدولة في الجندي" الواردة فيه تبدو للوهلة الأولى بلاغية، لكنها تكثف وتضغط واقع الجيوش العربية وعلاقتها بالدولة، وكأنها تختزل الدولة في الجيش.
ورأت سرحان أن الكتاب مثير للاهتمام لأنه يثير في الذهن الكثير من الأسئلة أهمها علاقة المدني بالسياسي أو المدني بالعسكري، سيما في الدولة المصرية حيث إن المقاربة المقدمة قانونية وفي ذات الوقت لها بعد على واقع حال الجيوش العربية.
وهذا الكتاب هو أطروحة دكتوراه، بدأت فكرتها عام 2012 تزامنا مع موجة الثورات العربية، وفقا للكاتب رشاد توام.
وأوضح توام في مداخلته أن السبب في اختيار مصر يرجع لكونها الخبرة الأعمق والأكثر استفزازا للبحث، كما أنها الأكثر غنى نظريا وخبراتيا، بسبب تجربتها وعمرها الزمني كدولة، كما أن ميراثها التشريعي مغر لأي باحث يرغب في تحدي نفسه بالمقام الأول.
وعن سبب اختياره للجيش أوضح الكاتب أنه كان الظاهر في هذه التحولات ابتداء من عام 2011، أن الجيش وبعض المؤسسات الأخرى من بينها المحكمة الدستورية بدأت تأخذ دورا وكأنه يتجاوز رداء السلطات الثلاث، وكأننا رأينا الجيش يحاول شق رداء السلطة التنفيذية، والمحكمة الدستورية تريد شق رداء السلطة القضائية.
يقول توام إن الكتاب يتخذ من مصر حالة دراسية أساسية لكنه في جزئه الثاني يتناول ست دول أخرى ما بين عربية وغربية، وهي فرنسا، البرتغال، جنوب أفريقيا، تونس، تركيا والجزائر، ولكنه لا يقف عند حدود هذه الخبرات، وفي هذا الكتاب صممت مقاربة لدراسة الجيوش كفاعل سياسي في أي تجربة من تجارب دول العالم الثالث، مشيرا إلى أن هذه المقاربة تصلح لأي تجربة أخرى باستثناء التجربة الفلسطينية وهي ذات صلة بأننا فلسطينيا نواجه مشكلة عدم وجود خط فاصل ما بين العسكري والمدني، وإذا لم نستطع وضع هذا الخط لا نستطيع أن نعمل على العلاقات المدنية العسكرية.
واجه الكاتب عددا من الصعوبات أثناء إعداد الكتاب ورحلة البحث، لخصها في أن النظرية الدستورية لا تستوعب الجيش في الدراسة باعتباره فاعلا سياسيا، حيث إن أدبيات القانون الدستوري في أغلبها لا تشير إلى الجيش، فيما بعضها فقط تناولته في سياق تحليل هذه الأنظمة الدكتاتورية أو توصيفها، وفي معرض انتقاد.
فكان التحدي الأول وفقا للباحث والأكاديمي توام، هو الآلية التي سيتناول فيها الجيش وفقا لمقاربة قانونية، كونه باحثا قانونيا يعمل على رسالة دكتوراه في القانون، لذا كان لا بد من تطعيم المقاربة القانونية بمقاربة من العلوم السياسية وتحديدا حقل العلاقات المدنية العسكرية، وهذا الحقل هو الذي يبحث في توازن الصلاحيات في الدولة ما بين العسكريين والمدنيين.
وبحسب توام فإن هذا الكتاب قام بشكل أساسي على هذه الفكرة ووعد بنهايته في أن يبلورها، وهي خلق أو بلورة مقاربة بإمكانها أن تستوعب الجيش بالدراسات القانونية.
أما التحدي الثاني وفقا لتوام؛ فكان في صعوبة الوصول إلى المعلومات خصوصا في الفترات المبكرة، أي في البدايات عندما كان يكتب عام 2014-2015، ورغم ذلك لم يخل الأمر من الكتابات التي وصفها بالمنحازة، فمنها من يمجد النظام وأخرى تمجد التيارات، فكان التمحيص ما بين كل هذه القراءات صعبا في البداية، "وخشية من أن أحسب على أي من هذه التيارات عدت إلى المصادر الأصلية وهي التشريعات في الصحف الرسمية، ووصل عددها إلى نحو 800 تشريع، كذلك أحكام محاكم بمصادرها الأصلية وبيانات رسمية وبيانات المجلس العسكري".
ويردف: "في البداية كان تخوفي من قلة المصادر وشحها، لكن لاحقا صدر كتاب عملاق، أحد أسباب ذلك هو كثرة التوثيقات، ولا شك أنه خلال التقدم في البحث صدرت بعض الدراسات المهمة التي أغنتني".
واستغرق الكتاب ست سنوات، 3 بين التحضير له وكتابته، و3 لتحكيمه وتحريره من قبل الناشر.
وبشأن عنوان الكتاب يوضح توام، أن استلهام هذا العنوان كان من مصدرين، الأول: الكتاب الأول في علم العلاقات المدنية العسكرية، "الجندي والدولة" لصماويل هنتنغتون الصادر عام 1957، وكثير من الدراسات حاولت محاكاة هذا العنوان فهذا المصطلح متعارف عليه في العلاقات المدنية العسكرية، إضافة إلى ذلك استلهم من تشريع كنسي يقول في التعبير عن العلاقة بين الأسقف والكنيسة: الأسقف في الكنيسة كما الكنيسة في الأسقف، والجيش والدولة مكونان ولوثاقة علاقتهما يظهران كمكون واحد.
في هذا السياق قال أستاذ القانون العام والأكاديمي عاصم خليل، في مداخلته التي ألقاها في حفل إطلاق الكتاب ضمن فعاليات معرض فلسطين الدولي للكتاب، إن أهمية هذا الكتاب تأتي في كونه يتحدث عن التغيير الدستوري في مصر، ويصف بدقة تامة الأحداث التي رافقته، وسبقته وتبعته، كما يتحدث عن دور الجيش في كل ما جرى.
وأضاف: كما أنه يقدم لنا رواية ليست فقط عن أحداث وإنما عن أفعال قام بها أفراد أثروا على مؤسساتهم، وعلى أشخاص أجروا تغييرا، وهؤلاء ولأفعالهم أهمية كبيرة فيما حدث في مصر، حيث إن الأشخاص في المؤسسة العسكرية وفي الحكومة، لهم تأثير عما حدث في مصر، ويمكن أن نجد كافة التفاصيل حول هذه الأفعال في الكتاب، وفقا لخليل.
ويرى أستاذ القانون العام، أن ما يميز الجماعات البشرية عن الحيوانات التي تشترك معها بأنها كائنات حية، ليست فقط الأحداث والأفعال، وإنما قدرة الإنسان على إصدار الأحكام، حيث إن البشر يصدرون أحكاما بالعادة غير منطقية وتفتقر للتفسير العقلاني لما هو جيد وسيء، لما هو عادل وظالم، جميل وبشع ما هو مقبول وما هو مرفوض، ما هو مرغوب وما هو مكروه، وهذا يغطيه الكتاب من حيث دور الجيش ومكانته في المجتمع المصري والنظام السياسي المصري، وما هو مقبول وما هو مرفوض في هذا المجتمع ودور المحاكم المختلفة بما فيها المحكمة الدستورية بالحكم على مشروعية مؤسسات دستورية أخرى بغض النظر عن النصوص الدستورية القائمة.
ويردف عاصم خليل: "الحكم بهذا المعنى يؤثر في البناء القائم في الدولة ودور ومكانة الجيش فيه، ويأتي بهذا أيضاً القبول بالجيش ودوره ومكانته للوعد الذي يرافقه ذلك بخصوص مستقبل مصر والمصريين، وهذا أيضا غطاه الكتاب بالحديث عن دور المحاكم ودورها في حل مجلس الشعب ومجلس الشيوخ، ودور الجيش في هذه العملية ودور المحكمة وعلاقتها بالمؤسسة العسكرية".
لكن الدولة وبالتالي دستورها وما تستحدثه اللحظة التأسيسية بالعادة تركز على المؤسسات الثلاث الرئيسية في الدولة وهي السلطة التشريعية وبالتحديد دور البرلمانات أو ما في حكمها، وهي مؤسسات القرن الثامن عشر والتي تعزز دورها بتبني الدساتير المكتوبة الحديثة بعد الثورتين الفرنسية والأمريكية. وبهذا تشبث المشرع عندما يصنع قانونا جديداً بأن ذلك يعكس الإرث القائم أو الأعراف القائمة أو الوضع القائم، والسلطة التنفيذية وبالتحديد دور الحكومات، وهي مؤسسات القرن التاسع عشر والتي تعزز مساحة تدخل الأعمال الحكومية وتقدم الحكومة على أنها نتيجة تخطيط إنساني لمؤسسات الحكم ليس إلا، والسلطة القضائية وبالتحديد المحاكم العليا والدستورية وهي مؤسسات القرن العشرين والتي تكون الجهة المختصة للحكم حول ما هو جيد، وعادل، وجميل، على أنه "دستوري" لتمييزه عما ليس دستوريا، وفقا لخليل.
ومن هنا يأتي هذا الكتاب ليغطي ثغرة في كتب القانون الدستوري والعلوم السياسية، بحسب أستاذ القانون العام، الذي أوضح أنه في الوقت الذي تهتم بمؤسسات الدولة الثلاث المشار لها أعلاه، تهمل معظم هذه الكتب دور فاعلين رئيسيين مهمين أحدها دور رئاسة الجمهورية وهو موضوع يحتاج لفحص لاحق، بالإضافة لدور ومكانة الجيش في النظام السياسي والنظر في إمكانية أن يكون الجيش ضمن النظرية الدستورية والديمقراطية للدولة.
كما أن هذا الكتاب جاء ليشير إلى فاعل مهم لفهم النظام السياسي خارج المؤسسات الرئيسية الثلاث، وهذا الفاعل أهم من المؤسسات الرسمية في تحديد طبيعة النظام السياسي وبالتالي هذا الكتاب يغطي ثغرة في كتب القانون الدستوري والعلوم السياسية.
بدوره قال مدير عام معهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي نايف جراد، إن هذا الكتاب وضع أسسا لفهم هذه العلاقة ما بين الجيش والدولة أو الجيش في الدولة أو العلاقات المدنية العسكرية، وأجاد في إرساء منهج جديد، يقوم ليس فقط على ما درجت عليه العلوم السياسية في سنوات سابقة بأخذ فقط مبحث العلاقات المدنية العسكرية باعتبار أنه علم يتخصص في علاقة الجيش بالسلطة المدنية والعكس، بل أضاف إليه البعد القانوني، فالجديد هو المقاربة القانونية لمثل هذه العلاقة.
وحول الصعوبات التي رافقت إعداد هذا الكتاب من وجهة نظر جراد قال: بالإضافة إلى الصعوبات التي ذكرها توام، أرى أن الصعوبات تكمن في أن المصريين متحفظون ولا يسمحون لغيرهم في الكتابة عنهم، كما أن هذا الكتاب ممنوع في مصر ويزعج النظام الحاكم.
وطرح جراد تساؤلا حول "أي مكانة للجيش نريد في نظامنا الدستوري، نظامنا السياسي، هل نريد دولة يحكمها الجيش، أم نريد دولة يحكمها الجمهور المتفرج والمجتمع، أم المجتمع المدني ككل، ورشاد قد ذهب ليس فقط لدراسة التجربة المصرية، هو درس التجربة المصرية وغيرها، على اعتبار أنه فعلا توجد محاولة لمقاربة هذه العلاقة وهذه المكانة في الدولة، وقد أرسى منهجا جديدا، وهذا المنهج الجديد يحاول أن يضع حدا لإمكانيات مستقبلية لسيطرة الجيش على السلطة كلها في الدولة".