الحدث الثقافي
تستعد منصة نيتفلكس العالمية، الخميس 1 كانون أول الجاري لعرض الفيلم الأردني "فرحة" الحائز على جائزة أفضل فيلم طويل شبابي في جوائز الأوسكار الآسيوية APSA .
فيلم "فرحة" أثار غضبا واسعا في إسرائيل، ودفع العديد منهم لإلغاء اشتراكه في المنصة، ذلك لاحتوائه على مشهد تصور فيه المخرجة الأردنية دارين سلام جيش الاحتلال الإسرائيلي وهو ينفذ جريمة بحق عائلة فلسطينية من ضمنها طفل لم يتجاوز عمره العام، وذلك استنادا إلى أحداث حقيقية وقعت إبان النكبة.
وقالت المخرجة السينمائية ساهرة درباس في لقاء خاص مع صحيفة الحدث إن الحملة التحريضية ضد الفيل، جاءت لكون المنصة هي "نيتفلكس"، فعادة هذا النوع من الأفلام يكون نشرها محدودا، والمهتمون بها عددهم قليل، إلا أن نيتفلكس هي منصة عالمية، يتابعها الملايين حول العالم، وربما هذا ما دفع باتجاه ردة الفعل هذه.
وترى درباس أن حرية الفن يجب أن تكون موجودة بغض النظر إذا أعجبهم أم لا، وهذا يندرج ضمن حرية التعبير عن الرأي، وكون نيتفلكس "المنصة العالمية" قامت بشراء الفيلم فهذا يعني أن كافة المعايير مأخوذة بعين الاعتبار، لذا فالمعارضة غير مفهومة.
وحول تأثير السينما، قالت المخرجة السينمائية إن السينما الفلسطينية أصبحت متطورة أكثر، وتقدمت كثيرا إذا ما قارناها بالسنوات العشر الماضية، والسينما عامل مهم في التأثير على نظرة العالم، سيما أن العالم اليوم لم يعد يتابع الأخبار السياسية بسبب التكرار، والانشغال بقضايا عالمية أخرى.
واعتبرت درباس أن الأفلام الوثائقية والروائية أصبحت تشرح بشكل آخر الحالة الفلسطينية، وتنقلها للجمهور العالمي بطريقة بعيدة عن الأخبار.
وأعرب العديد من الإسرائيليين عن غضبهم وقاموا بإنهاء اشتراكهم في Netflix بعد أن أعلنت منصة البث أنها سترفع فيلم "فرحة" - الذي يظهر فيه جنود إسرائيليون يعدمون عائلة فلسطينية - إلى كتالوجها يوم الخميس.
وقال أحد المشتركين في منصة نيتفلكس لموقع i24، إنه بعد أكثر من عامين من الاشتراك في المنصة، قررت إلغاء الاشتراك لأنها تدعم فيلما معاديا لـ"إسرائيل"، وتصور الجنود الإسرائيليين على أنهم قتلة وبلا قلب، على حد وصفه.
وزعم أن "هذا المشهد غير واقعي ولا يتماشى مع الأخلاق الإسرائيلية واليهودية على الإطلاق، آملا أن تتراجع المنصة عن شراء الفيلم وعرضه".
في حين قال مشترك آخر إن أعداء "إسرائيل" وحركة المقاطعة يسيطران على العديد من المواقع، وردنا كإسرائيليين لمن يتعاطف مع الرواية الفلسطينية هو أنهم سيخسروننا كعملاء".
ولم تقتصر ردود الفعل المعادية للفيلم والمنصة على المستوطنين فقط، بل طالت مسؤولين إسرائيليين كبار، حيث ندد العديد منهم بعرض الفيلم على المنصة العالمية، باعتباره "يخلق رواية كاذبة" على حد زعمهم.
وزير المالية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان قال في تغريدة له نشرها عبر تويتر، إنه "من الجنون أن تبث نتفليكس فيلما هدفه خلق ذريعة كاذبة والتحريض على كراهية الجنود الإسرائيليين".
وأضاف الوزير المنتهية ولايته: "لن نسمح بتشويه سمعة جنود الجيش الإسرائيلي"، مضيفا: "وجهت القيادة المهنية في وزارة المالية لاتخاذ إجراءات لسحب الميزانية عن مسرح السرايا في يافا وسط فلسطين المحتلة الذي اختار عرض الفيلم الأردني (فرحة)".
ووصف ليبرمان الفيلم بأنه "تحريضي مليء بالأكاذيب ضد جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي".
وأردف: "إسرائيل هي مكان لتقديم الأعمال الفنية الإسرائيلية والدولية، لكنها بالتأكيد ليست مكانا لتشويه سمعة جنود الجيش الإسرائيلي وقوات الأمن الذين يعملون ليل نهار لحماية جميع المواطنين والمقيمين فيها".
من جانبه، اعتبر وزير الثقافة الإسرائيلي حيلي تروبر، أن عرض المسرح للفيلم "وصمة عار".
تدور حبكة الفيلم حول فتاة فلسطينية (14 عاما) تدعى فرحة، وتعيش مع والدها باستقرار، وتتمنى أن تكمل دراستها خارج إطار القرية التي ولدت فيها، مخططة بذلك لحياة غير تقليدية.
وقبل أن تحقق كل هذه الأحلام، حدثت نكبة عام 1948، حيث مثّل هذا الحدث انقلابا غير متوقع في مسار حياة فرحة ومن حولها، فخلال أحداث النكبة وما رافقها من مجازر إسرائيلية بحق الفلسطينيين، والد فرحة يحبسها في غرفة تخزين مظلمة، خوفا عليها من جنود الاحتلال.
ومن خلال ثقب صغير في باب الغرفة، تتمكن فرحة من رؤية المجازر التي ارتكبها الاحتلال لتتحول حياتها إلى كابوس كبير.
ويعرض الفيلم لمدة 15 دقيقة مشهدا يقوم فيه جيش الاحتلال الإسرائيلي بإعدام عائلة بأكملها، بينها طفل رضيع، وذلك استنادا إلى أحداث حقيقية وقعت إبان النكبة.
وقالت مخرجة الفيلم في تصريحات صحفية لها: "إنها عندما كانت تسمع أحداث النكبة من جدها وكبار السن ممن هم حولها، كانت ترى الحسرة على وجوههم وتسمعها في أصواتهم، لذلك اعتبرت أن فلسطين هي (الفرحة) التي سلبت منهم وهكذا جاءت تسمية الفيلم".
وعرض الفيلم الذي شارك في أكثر من 40 مهرجانا، لأول مرة عالميا في مهرجان تورنتو، قبل أن يجوب مهرجانات سينمائية في السويد وإيطاليا والولايات المتحدة والسعودية ومصر، وهو من بطولة كرم طاهر وأشرف برهوم وعلي سليمان وسميرة الأسير.
وحول ردود الفعل العالمية، قالت المخرجة في لقاء صحفي لها إنها كانت مؤثرة، ودفعت بالعديد ممن لا يعرفون تاريخ الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، بالبحث والتعمق، كما أن مصطلح النكبة أصبح معروفا ومألوفا بالنسبة لهم.
في السياق، تعرض مسرح السرايا العربي في مدينة يافا بالداخل المحتل عام 1948 لحملة تشويه وتحريض، بالإضافة لتهديدات بوقف التمويل عقب إعلانه عرض فيلم فرحة في المسرح.
وأوعز وزير المالية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، الأربعاء الماضي، بسحب التمويل الحكومي من مسرح السرايا في يافا، في حين طالب وزير الثقافة والرياضة الإسرائيلي، حيلي تروبر بسحب التمويل الحكومي من المسرح العربي.
وفي تعقيب أرسله مدير المسرح محمود أبو عريشة لصحيفة الحدث قال: "إن ردنا على التحريض والتشويه بتمكين عرض الفيلم في وقته وموعده".
وأكد أبو عيشة، أن رد الجمهور على حملة التحريض جاء بالتفاف واسع مرة أخرى حول مسرح السرايا.
وأشار أبو عريشة، إلى أنهم ملتزمون وملتزمات بالدفاع عن حقهم في الوجود والتعبير، كما أنهم ملتزمون وملتزمات بحرية الفن، كل الفن.
بدوره، علق الكاتب علاء حليحل على التهديد بوقف التمويل، إنه جاء بعد نشر جهات يمينية بأن الفيلم يقوم بعملين لا يغتفران من وجهة النظر الصهيونيّة- الإسرائيليّة، وهما توثيق قصة متوارثة في عائلة المخرجة عن أب أخفى ابنته في غرفة مغلقة أثناء النكبة كي يحميها من الإسرائيليّين الذين احتلوا القرية؛ وتوثيق أحداث قتل عائلة فلسطينية أثناء احتلال القرية.
وقال الكاتب إن الشق الأول يغيظهم لأن الفلسطينيين يتجرأون على منازعة الإسرائيليين واليهود على رواية آنا فرانك، التي اختبأت في علية بأمستردام أثناء الهولوكوست، والتشبيه الضمني بين ممارسات الحركة الصهيونية المسلحة أثناء النكبة وبين النازيين. أمّا الأمر الثاني الذي يغيظهم في هذا السياق وفقا للكاتب، هو الكشف عن الممارسات الإجرامية التي رافقت النكبة والتي تُعتبر جرائم حرب، فإنه يتصل مع قرارات التعتيم وإغلاق الأرشيفات الإسرائيليّة أمام الباحثين، و"قانون النكبة"، وما حدث في مأساة/ مهزلة إغلاق مسرح الميدان، وتعزيز الرقابة الذاتية/ التدجين في مؤسسات فلسطينية بارزة في الداخل، وعملية التخلص من لبنى زعبي المديرة السابقة لمديرية الثقافة العربية.
وفي العام 2019، أغلق مسرح الميدان في حيفا بعد شن وزارة الثقافة الإسرائيلية وبلدية حيفا هجوما على المحتوى الوطني الذي يقدمه فنانو المسرح، وتحديدا بعد عرض المسرح مسرحية "الزمن الموازي" المستوحاة من تجربة الأسير الفلسطيني وليد دقة.
وفي ذلك الوقت، هاجمت جماعات استيطانية مسرح الميدان وأقاموا تظاهرات ضد عرض المسرحية بادعاء أنها تحرض على "الدولة".
وعبر حليحل عن تضامنه مع المسرح، "لأنه يواجه أعتى ماكينة تحريض فاشية تمارس في "إسرائيل" منذ تأسيسها"، إلى جانب حقيقة مؤسفة ومؤلمة شاهدناها أثناء إغلاق الميدان: لا أحد يهتم بإغلاق مسرح، خصوصا أهل المسرح.