الحدث الثقافي- إصدارات
أطلقت مؤسسة الدراسات الفلسطينية ومركز خليل السكاكيني، مساء أمس الثلاثاء، كتاب "كاميرا فلسطين: التصوير الفوتوغرافي وتاريخ فلسطين المهمش".
وتحدث في أمسية إطلاق الكتاب بمركز خليل السكاكيني برام الله، التي أدارتها الكاتبة شروق حرب، كل من المؤلفين: سليم تماري، وعصام نصار.
"7 ألبومات أنقذت"
استهلت الكاتبة شروق حرب، حديثها بقصة هذا الكتاب، منوهة أنه هناك شكوكا ما إذا كانت حقيقية أم لا.
وبحسب القصة التي روتها حرب: "تناول الكتاب 7 ألبومات خبأها المؤرخ المقدسي واصف جوهرية رفقة بعض الأشياء الأخرى في زاوية بالبيت، ورغم أن الصهاينة لم يتركوا شيئا إلا واستولوا عليه، إلا أنهم لم يتمكنوا من العثور على هذه الألبومات، والأغراض الأخرى، وبسبب وجود المنزل في غربي القدس، تسلم إلى إحدى القنصليات الغربية، ليتمكن لاحقا من الحديث معهم مطالبا باسترجاع ألبوماته، الأمر الذي انتهى بالموافقة".
وأردفت: "والصور الموجودة داخل الألبوم ليست من تصوير جوهرية، إنما اقتصر دوره على تجميعها من أناس مختلفين، وما يميزها هو الآلية التي رتبت فيها الصور وتسميات الأشخاص الفلسطينيين الموجودين بالصور وماذا قال عنهم، مضيفة أن جزءا من الكتاب، يعطينا ثلاث وجهات مختلفة لكيف نحلل ونتعرف على شخصية واصف الملهمة، وكيف نحلل ونستخدم هذا الألبوم".
والكتاب من تأليف: رئيس قسم التاريخ في معهد الدوحة للدراسات العليا عصام نصار، وأستاذ كرسي السلطان قابوس بن سعيد لدراسات الشرق الأوسط اسطفان شيحا، والباحث في مؤسسة الدراسات الفلسطينية سليم تماري، وجميعهم شاركوا في الندوة.
وقال تماري في مداخلته التي جاءت بعنوان: "القمرة الفلسطينية رحلة حسية حميمية في الصور الفوتوغرافية"، إن صاحب المذكرات حافظ عليها لفترة طويلة جدا تمتد من نهاية العهد العثماني، إلى النكبة عام 1948.
وبحسب تماري، دون جوهرية فيها أحداث فلسطين والقدس، وعلاقته بشخصيات هامة من كافة الطبقات المقدسية، في عمل مذهل يجمع بين المدونات والصور التي ربطها من خلال فهرس مفصل عن علاقة هذه الصور بالأحداث التي وصفها في مذكراته.
وكان جوهرية صاحب اهتمامات عديدة فكان عازفا للعود وموسيقارا مرموقا في القدس كما كان ضابطا في البحرية العثمانية بالبحر الميت، وكان جامعا للتحف، وصعلوكا، واحتفظ بالصور كما احتفظ بتحف أخرى، وضعها في بيته في متحف أسماه "متحف واصف الجوهرية"، وفقا لتماري.
ويُلاحظ من غلاف الألبوم الأول، أن ما كان في فكر جوهرية هو جعل الألبومات تاريخا لفلسطين المصور، فترة الاحتلالين العثماني والبريطاني، إذ بدأ بجمع المجلد الأول عام 1924 من القدس.
أهمية الصور
وحول أهمية الصور أوضح الباحث في مؤسسة الدراسات الفلسطينية، أنها جمعت عندما كانت لواصف علاقة مميزة مع آل الحسيني والتي استطاع من خلالها أن يحصل على عدة وظائف، والدخول إلى عالم الارستقراطية والجماهير في وقت واحد، ما مكنه من جمع صور تعكس رؤياه للحياة اليومية، التي اشتملت على سلسلة من صانعي الأحذية، المحامين، القضاة، العاملين في سلك الشرطة، والبنائين، وغيرهم.
وغلاف الكتاب يحمل صورة لبنائين من القدس، يشيدون عمارة الدباغة عام 1890، وهذه الصورة تعكس فرادة واصف جوهرية في إنشاء أرشيف صوري، وفقا لتماري.
ظاهرة أخرى نراها في صور جوهرية، أنه كان يحشد نفسه ضمن الأحداث المفصلية التي مرت على فلسطين في تلك الفترة، كعقد اجتماع لجمعية الهلال الأحمر العثمانية، وفيها شخصيات هامة من الديانات الثلاث، وصورة أخرى لمشانيق باب الخليل، وغيرها، بحسب الباحث.
ومن أهمية الصور أيضا كما يرى تماري أن المؤرخ الراحل، أنتج فهرسا للصور يتألف من 372 صفحة، وهو فهرس مفصل جدا في علاقة كل صورة بالشخصيات الموجودة فيها، مع الحدث، الذي ربطته في مدونات.
وتحوي المجموعة أيضا على صور لأهم الفوتوغرافيين في القدس، بينهم كريكوريان، صابونجي، وخليل رعد وغيرهم، كما اشتملت الألبومات على صور بورتريه موقعة ومهداة لواصف جوهرية من قادة الفكر والسياسة في تلك الفترة، مثل راغب بيك النشاشيبي، روحي بيك الخالدي، وغيرهم.
وفي المجموعة أيضا مدونات الحداثة في القدس، من أهمها قضية الخروج من البلدة القديمة إلى ضواحي القدس الشمالية والجنوبية، وتسجيلا لأول سيارة دخلت إلى القدس، والوفونغراف، كذلك إدخال الكهرباء إلى البلدة القديمة عام 1915، والسينماتوغراف (أي الأفلام الصامتة في السينما)، بحسب تماري.
ويرى الباحث في مؤسسة الدراسات الفلسطينية أن جوهرية اعتنى في تفاصيل أعضاء المجموعات الإدارية الحاكمة، من أهمها المجلس الإداري في القدس عام 1891، كما دون التجمعات الجماهيرية المحتفلة بالثورة.
كما يرى أن من أهم ما جاء في المجموعة، المشهدية وهي علاقة الأداء المسرحي في تطوير علاقة المشاهد بالمسرح، وتناول فيها تماري 3 أنواع من المشهديات وهي صندوق العجب، خيال الظل، السينماتوغراف.
مميزات الكتاب
قال رئيس قسم التاريخ في معهد الدوحة للدراسات العليا عصام نصار إن ما يميز هذا الكتاب عن الكتب التي وثقت تاريخ فلسطين المصور أنه يدخل القارئ في سياقات جديدة للتفكير في الصور، كما أنه محاولة للتفكير بالصور الفوتوغرافية والتفكير في فلسطين قبل قيام "إسرائيل".
ووفقا لنصار هناك عدة مستويات يجب أخذها بعين الاعتبار عند النظر إلى الألبومات، بدءاً من فهم كل صورة على حدا، والموضوعات التي تحملها، ثم المصور نفسه، من هو ولماذا التقط الصورة، ثم المتلقين لهذه الصورة، كيف يتعاملون ويفكرون ويحسون تجاه هذه الصورة، ومستوى آخر هو الألبوم، الذي فيه سرد صوري يحكي لنا قصة، ثم مجموعة الصورة، ندرتها ووجودها في مكان واحد، وكيف نستخدم هذا الألبوم في دراستنا لتاريخ القدس الاجتماعي، وعلاقة الوصف بما هو في الصورة.
ويرى نصار أن الكتاب أيضا مساهمة نظرية في كيف نفكر بالصور، والألبوم الفوتوغرافي، وكيف نبحث عن سردية في هذا الألبوم كما أنه مساهمة في تاريخ فلسطين، ودراسة في ديناميكيات الأرشيف.
يشار إلى أن الكتاب صدر عن مطبعة جامعة كاليفورنيا عام 2022 باللغة الإنجليزية، ضمن سلسلة "اتجاهات جديدة في الدراسات الفلسطينية".
واعتمد الكتاب على أرشيف صور مؤسسة الدراسات الفلسطينية، التي قامت سابقا بنشر مذكرات واصف جوهرية، والتي تعتبر شاهدا على حداثة القدس خلال الحقبة العثمانية والانتدابية.
والكتاب الأول تم نشره عام 2003 بعنوان "القدس العثمانية في المذكرات الجوهرية: 1904-1917"، أما الثاني نشر عام 2005 بعنوان "القدس الانتدابية في المذكرات الجوهرية: 1918-1948".