الجمعة  22 تشرين الثاني 2024

بعدما غنت قصيدة منسوبة لدرويش.. كارول سماحة ليست الوحيدة التي نسبت قصيدة إلى غير صاحبها

2023-03-05 09:44:41 AM
بعدما غنت قصيدة منسوبة لدرويش.. كارول سماحة ليست الوحيدة التي نسبت قصيدة إلى غير صاحبها
محمود درويش وكارول سماحة

الحدث- سوار عبد ربه

أثار نشر الفنانة اللبنانية كارول سماحة لأغنية بعنوان "ستنتهي الحرب" قبل تسعة أيام ضجة في أوساط مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام، ذلك لأن القصيدة المغناة تبين أنها منسوبة للشاعر الراحل محمود درويش وليست من كلماته، بحسب بيان أصدرته مؤسسة محمود درويش في تعقيبها على الأغنية، ولم يرد حتى اللحظة توضيح من الفنانة وشركائها في العمل، كما لم تستجب لدعوة المؤسسة لها بحذف الأغنية التي حصدت حتى اللحظة أكثر من مليوني مشاهدة.

وفي لقاء خاص مع صحيفة الحدث قال الشاعر والباحث داوود مهنا إن تحريف القصائد ونسبها إلى غير أصحابها قضية موغلة منذ القدم، وفي تلك العصور ربما يكون ذنبا مغفورا، بينما ما حصل مؤخرا مع القصيدة التي غنتها كارول سماحة، والتي نسبتها إلى محمود درويش رغم من تفككها وركاكتها وضعفها، تدل على أن من اختارها لو كان لديه الحد الأدنى من الذوق الفني يعرف أن تلك القصيدة ليست بمستوى قصائد درويش.

ورغم إنذار مؤسسة محمود درويش لها ومطالبتها بحذف "ستنتهي الحرب" والتوقف عن تداولها على أنها للشاعر الراحل، بالإضافة لمطالبتها سماحة وشركائها التوجه للمؤسسة بطلب الاذن لأداء ما ترغب في غنائه من قصائده إلا أنها طرحت أمس الجمعة الألبوم كاملا، والذي يتضمن 12 أغنية من قصائد الراحل باستثناء تلك التي تبين لاحقا أنها ليست له.

ويرى مهنا أن انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وشيوعها وسهولة النشر عليها، سهل عملية تحريف النصوص، فمن السهل على أي شخص اليوم الإتيان بأي بيت شعري، أو قول معين، وتصميمه في لوحة إلكترونية، وتوقيعه باسم الشاعر الذي يريد، ومن ثم ينشره في أية وسيلة، فيتناقله المعجبون به، وينتشر على أنه للشاعر الموقع اسمه أسفل اللوحة، معتبرا أن هذا بسبب سهولة النشر على تلك الوسائل التي أتاحت الفرصة للجميع دون استثناء لبث ما يرغبون به دون حسيب أو رقيب. وهذا ما يحصل يوميا في نسبة أبيات وأقوال لنزار قباني، محمد الماغوط، وعلي الوردي وغيرهم.

كان من المفترض على من اختار القصيدة أو أعدها، أن يأخذ تصريحا من المؤسسة التي تهتم بتراث محمود درويش ونتاجه الأدبي، فيأخذها مرخصة من مصدرها

وبحسب الباحث فإن المسؤولية في هذا الشأن تقع على عاتق من يختار تلك القصائد ويحرفها سواء عن قصد أو عن غير قصد، وما حصل في القصيدة التي غنتها كارول سماحة، كان من المفترض على من اختار القصيدة أو أعدها، أن يأخذ تصريحا من المؤسسة التي تهتم بتراث محمود درويش ونتاجه الأدبي، فيأخذها مرخصة من مصدرها مع المحافظة على حقوق الملكية الفكرية والأدبية. أو كان بالإمكان، وبكل بساطة، أن يأخذ تلك القصيدة من ديوان محمود درويش، أو أن يبحث عنها في محرك البحث، وذلك أضعف الإيمان.

وكانت مؤسسة محمود درويش قد أشارت في بيانها إلى مسألة حقوق الملكية الفكرية الحصرية لإنتاج الشاعر، بقولها: "إن مؤسسة محمود درويش والتي تم انشاؤها بموجب مرسوم رئاسي والحاصلة على التفويض القانوني المسجل لدى الجهات الرسمية ذات العلاقة من ورثة الشاعر هي صاحبة حقوق الملكية الفكرية الحصرية لإنتاج الشاعر محمود درويش، وهي وحدها تملك الترخيص باستغلال قصائدها بكل الوسائل المقروءة، المسموعة، المرئية، والإلكترونية".

 

ويرى الباحث مهنا أن هذا العصر هو عصر تدوين وأرشفة بامتياز، ومن السهل ملاحقة من يريد العبث بنتاج شعري معين، منوها أن الحفاظ على الملكية الفكرية والأدبية يكفله القانون. لذا، فالمحافظة على التراث الشعري والأدبي سهلة جدا في عصرنا الحالي. فصحيح أن كل شيء متاح أمام الجميع، لكن القانون يحمي تلك الملكية.

أما فيما يتعلق بتأثير التحريف الحاصل على مواقع التواصل الاجتماعي لإرث الشعراء والأدباء، اعتبر مهنا أن ما ينشر يوميا من عبارات ركيكة وأبيات ضعيفة موقعة بأسماء كبار الأدباء والشعراء والمفكرين لا يمكن أن يؤثر على نتاج هؤلاء الكبار، فنتاجهم معروف، ومستواهم الأدبي والفكري والثقافي يبدو واضحا وجليا عند أصحاب الاختصاص والذائقة الفنية، وهذه الخدع ينخدع بها الناس العاديون من ذوي الثقافة الضعيفة الذين ليس لديهم إلمام أو أدنى معرفة بالأدب، مؤكدا أن سرعة انتشار تلك الأقوال والأبيات لا تؤثر في النتاج الأصلي للأديب أو المفكر لأن نتاجه محفوظ في المصادر الأصلية والمراجع.

هذه الخدع ينخدع بها الناس العاديون من ذوي الثقافة الضعيفة الذين ليس لديهم إلمام أو أدنى معرفة بالأدب

قضية موغلة منذ القدم

وعرج مهنا في حديثه على أن تحريف القصائد وانتحالها ومسخها قضية موغلة في القدم، فمنذ العصر الجاهلي مرورا بصدر الإسلام والعصر الأموي والعصر العباسي وغيرها، نُسبت قصائد إلى غير أصحابها، وحرفت قصائد بحسب الأهواء السياسية تارة، والأهواء الخاصة تارة أخرى، أو ما تستدعيه الظروف.

وأضاف: "هذا ما حصل في نسبة عدد كبير من القصائد إلى عنترة الذي أصبح رمزا للبطولة في ساحات الحرب، فهناك عدد كبير من القصائد الحماسية التي كتبها شعراء متأخرون زمنيا، نُسبت إلى هذا الشاعر ربما لأنها تلائم شخصيته المندفعة نحو التحرر. وكذلك الأمر بالنسبة إلى قيس بن الملوح الذي شاعت قصة حبه لليلى العامرية، وربما تكون هذه القصة قد نالت إعجاب الشعراء، فراحوا يسوقون القصائد وينسبونها إليه أو ينسجون على منوال تلك الحكاية الغرامية الفريدة. والأمر نفسه بالنسبة إلى جميل بن معمر وعمر بن أبي ربيعة والمتنبي وغيرهم.

نسبة قصيدة إلى غير صاحبها في تلك العصور المتقدمة زمنيا ربما يكون ذنبا مغفورا نوعا ما، وذلك بسبب انعدام التدوين

ووفقا للباحث، نسبة قصيدة إلى غير صاحبها في تلك العصور المتقدمة زمنيا ربما يكون ذنبا مغفورا نوعا ما، وذلك بسبب انعدام التدوين، إذ كانت القصائد تتناقل مشافهة، فينسى الراوي أحيانا صاحب القصيدة الحقيقي. ولكن تلك الظاهرة قد شاعت كثيرا في عصرنا الحالي، إذ إننا نرى على وسائل التواصل الاجتماعي عشرات الأبيات والأقوال المأثورة والحكم، تنسب إلى غير أصحابها، والذنب هنا غير مغفور لأننا في عصر التدوين، ومن السهل معرفة صاحب القصيدة أو القول، وذلك بمجرد التوجه إلى محرك البحث، أو البحث في الكتب والمراجع.