تدوين- سوار عبد ربه
إن الأحداث التي تجري من حولنا في العالم، تبحث دائما عمن يوثقها، ويعيد إنتاجها أدبيا، كما أن الأدباء والفنانين بشكل عام دائمو البحث عن قصص يستقون منها موضوعاتهم، وانطلاقا من هذا، طرح بعض المتابعين والمتأثرين بالفن والأدب سؤالا حول احتمالية أن يلقى زلزال السادس من شباط الذي ضرب سوريا وتركيا وخلف مئات الآلاف من الضحايا، من يتلقفه من الفنانين والأدباء، ويحوله إلى رواية أو عمل فني، كحال الروايات التي تناولت الأوبئة وغيرها، والتي ذاع صيتها عام 2020 مع انتشار فيروس كورونا، سيما وأن الزلزال خلف وراءه آلاف القصص الإنسانية التي رصدتها عدسات الكاميرات، وشهادات الناس الحية.
وهناك بعض الروايات العالمية التي كتبت حول هذا النوع من الأدب الذي ينطوي تحت مسمى "أدب الكوارث الطبيعية"، كرواية "العاصفة المثالية" لسيباستيان جونغر والتي وثق فيها الكاتب شهادات حقيقية لبحارة وصيادين نجوا من عواصف حقيقية. كذلك رواية "خمسة أيام في ذكرى: الحياة والموت في مستشفى دمرتها العاصفة" لشيري فينك والتي تضمنت 500 شهادة لأشخاص حول إعصار كاترينا، الذي ضرب ولايات لويزيانا وتكساس وميسيسيبي عام 2005.
"وإلى جانب ما سبق، كتب بغ كهرت رواية رعب الزلزال"، واستندت على أحداث زلزال حقيقي ضرب منطقة توهوكو في اليابان. وهناك أيضا رواية "عاصفة إسحاق: رجل وزمان وأخطر إعصار في التاريخ" لإريك لارسون والتي تستند على حقائق الإعصار، الذي ضرب غالفستون في ولاية تكساس، في 8 أيلول من العام 1900.
أما عربيا، فيوجد عمل روائي للكاتب الجزائري الطاهر وطار، صدر في العام 2007 بعنوان "الزلزال" وفيها يرمز الزلزال إلى حدث عظيم أصاب الجزائر، يعبر من خلاله الكاتب عن خيبة أمل الشعب الجزائري بحكومته في توفير حياة كريمة بعد حرمان دام لأكثر من قرن من جهة، ووقوف الدولة الجزائرية عاجزة لعدة أسباب أمام ذلك العلو الشاهق لتصورات الشعب وسوء التصرف من جهة أخرى.
وحول "أدب الكوارث الطبيعية" التقت "تدوين" بالأديب علي نسر وأجرت معه الحوار التالي:
تدوين: لم يكن الأدب يوما بمنأى عن تدوين الكوارث الطبيعية إذ أن المآسي تبحث دوما عمن يوثقها ويعيد إنتاجها أدبيا، كما أن الأدب يستقي منها موضوعاته، انطلاقا من هذا ما أهمية الكتابة حول هذه المواضيع؟
نسر: لم يكن الأدب يوما غائبا عما يحيط بالإنسان وبالعالم الذي يستقي منه موضوعاته والذي يتحدث من أجلهم، ولذلك من الطبيعي أن يتفاعل الكاتب وهو ابن بيئته وهو الذي يستمد موضوعاته وقضاياه من قضايا الناس، التي تشكل أحيانا منعطفات أساسية في تاريخ الأمم المختلفة والشعوب، ولا يستطيع أن يغيّب الكاتب نفسه أو قلمه عما يجري حوله وعما يدخل في جوهر القضايا التي يحتاج إليها المتلقي، خصوصا أن الأدب يمكن أن يقدم أحيانا معلومات يحتاجها المتلقي بعيدا عن كتبها الأصلية، ككتب التاريخ، أو العلوم على اختلاف أنواعها، فالمتلقي يحتاج دوما للنظر إلى هذه الموضوعات من خلال نص أدبي، وما ينفر منه ولا يستسيغ تقبله من المراجع الثقيلة يمكن أن يقدمه له الكاتب، من شعراء وفنانين، ومسرحيين، وروائيين وما شابه ذلك.
تدوين: هناك فكرة شائعة أن القراءة هي عملية نخبوية، أي أنها موجهة لفئة معينة من الناس، في حين أن الكوارث إذا ما حلت تتأثر بها كافة فئات المجتمع، كيف تنظر إلى هذه المسألة إذا اعتبرنا أن للأدب دور توعوي وتثقيفي؟
نسر: هذه الفكرة تكسرت مع ظهور بعض المدارس التي صدعتها، هذه كانت من أبرز ما تقوم عليه الكلاسيكية يوما ما سواء عند الغرب أو ما يشبهها عند العرب، حيث كان الأدب فقط للقصور للبلاطات للطبقات الأرستقراطية ولكن تكسرت هذه الركائز على يد الرومانسيين أو الواقعيين، أو الرمزيين في القرن الثامن والتاسع عشر وما جاء بعده، لذلك فإن الكتابة والقراءة ينبغي أن تكون للجميع، لكن الرواية يمكن أن تكون للعامة أكثر من الشعر أحيانا لأن الشاعر معروف أنه يتحدث عن الناس ولكن بلغته الشعرية، في حين أن الروائيين يمكن أن يتحدثوا عن الناس بلغة الناس، يعني لا يستطيع الشاعر أن يتحدث عن الناس بلغة الفلاح لكن الروائي يتحدث عن فلاح بلغة الفلاح، لذلك قد يكون الشعر موجها إلى طبقة معينة، لكن الرواية والمسرح وما شابه ذلك يمكن أن يكون موجها إلى الجميع والقراءة هي مباحة لجميع فئات المجتمع، ومخطئ من يقول أن القراءة أو الكتابة هي فقط لطبقة معينة لأن الأدب هو أدب توعوي والقاعدة الأعم من الناس يحتاجون إلى هذه التوعية أكثر من النخبة لأن النخبة في النهاية يكون لها خلفيات جاهزة.
تدوين: لا شك أن زلزال السادس من شباط سيوحي للأدباء والفنانين على السواء بموضوعات متنوعة، ربما سيجري العمل عليها في الفترة المقبلة، هل تتوقع أن يكون لهذه الأعمال فائدة مرجوة في هذا العصر، إذا قارنها على سبيل المثال مع أدب الأوبئة الذي كان له دور مهم فترة الأمراض التي ضربت الأرض، وتحولت لاحقا إلى أعمال أدبية عالمية وعربية؟
نسر: أي أزمة تفتح شهية الكتاب والأدباء على التعبير عنها، منه ما يعد استغلالا للحدث ومنها ما يعد مادة دسمة لكي يحاكي الكاتب الواقع من مختلف الجوانب وكأي مصيبة أخرى، كما هو الحال بالنسبة للأوبئة لا بد أن يعبر عنها الكتاب وأن يقدموا ما لديهم من رؤى، لكن على ما أعتقد أن موضوع الزلازل لم يأخذ حيزا واسعا سواء كان هذا الحدث أم غيره، من صفحات الكتاب ومن انشغالاتهم، لسبب يختلف عن الحروب أو الأوبئة لأن الحروب والأوبئة يكون لليد البشرية يد فيها، فمن الطبيعي أن يكون الكاتب مسلحا بقلمه ضد هذه الشريحة، ليجنب الناس منهم ولكي يصوب عليهم لذلك على ما أعتقد أن حدث الزلازل لن يشكل فرصة للتعبير عنه، والدليل أن هناك ما يشبهه حصل في التاريخ ولم يتفاعل معه الكتاب لأن الزلازل لا أحد يستطيع أن يتنبأ بها، ثانيا لأن أسبابها لا تعود إلى يد الإنسان لكي يكتب الكاتب ويتفاخر أنه كشف مؤامرة هنا، يمكن أن يتحدث الكتاب عن كيف يستغل الإنسان مثل هذه المصائب.
تدوين: هناك بعض الأدبيات التي تستند إلى الخيال، وأخرى توصف بأنها تتنبأ بالمستقبل، ورغم هذا لا يزال هذا النوع من الكتابات نادراً في الأدب العربي، لماذا برأيك؟
نسر: أثبت الأدب أنه قادر على أن يصور لنا عبر سعة اطلاع الكتاب ومن خلال قراءته للتاريخ والحالات الاجتماعية يستطيع أن يقدم لنا رؤية، ولكن ما زال موضوع الخيال عندنا يتيما وضعيفا وهذا يعود إلى ضعف الخيال العلمي بالنسبة إلى الكتاب، الخيال العلمي التصوري للمستقبل نتيجة عوامل كثير منها العوامل السياسية والدينية بأن الكاتب يخاف من أن يتهم خصوصا اذا كان خياله قد تجاوز مسلمات معينة وثوابت معينة تسيطر على العقلية العربية أو الشرقية بشكل عام، وهذا يعود إلى ضعف البحث العلمي في العالم العربي وطالما أن البحث العلمي في ضعف فإن الخيال العلمي في الرواية العربية في ضعيف خصوصا في أيامنا هذه.
ربما كان للخيال العلمي شأن أكبر في الخمسينيات والستينيات عندما كان هناك حرية أكثر من اليوم على الصعيد الفكري، كان هناك الكثير من الروايات التي تناولت المستقبل واختراعات لم تكن موجودة.
اليوم هذا أمر موجود عند الكتاب الغربيين ولكن ليس موجودا عندنا، ولكن ليس صعبا على أي كاتب أن يتنبأ بما سيجري، وهناك روايات كثير تنبأت بأحداث سياسية حصلت لأن الوضع السياسي كان مقروءا بطريقة تختلف عن الأمور المتعلقة بالخيال العلمي وأمور ما وراء الطبيعة، حتى أمور ما وراء الطبيعة تناولها الكتاب بطريقة فلسفية أحيانا ولكن لم تلامس موضوع ما يشبه الخيال العلمي أو التنبؤ المستقبلي ولكن كما قلت هناك أمور كثيرة تنبأ بها الكتاب والأدباء قبل غيرهم وحصلت وهناك شواهد على ذلك.
نبذة عن الضيف:
علي نسر: ناقد أدبي وباحث، ودكتور في اللغة العربية وآدابها، ومحاضر برتبة بروفيسور في الجامعة اللبنانية.
من مؤلفاته: رواية بعنوان "وادي الغيوم" وديوان بعنوان "وطن تنهد من ثقوب الناي" وكتاب نقد بعنوان "الرؤية إلى العالم في الرواية العربية"، بالإضافة إلى العديد من الأبحاث العلمية ومئات المقالات الصحفية.