الخميس  21 تشرين الثاني 2024

في اليوم العالمي للمسرح...واقع وتحديات المسرح الفلسطيني المعاصر

2023-03-27 11:05:28 AM
في اليوم العالمي للمسرح...واقع وتحديات المسرح الفلسطيني المعاصر
من مسرحية "طه"

تدوين- سوار عبد ربه 

شق المسرح الفلسطيني طريقه منذ مطلع القرن العشرين، وأخذ يسعى للتجذر في الحياة الفلسطينية، واستطاع من خلال رواده والهاوين لهذا النوع من الفن أن يترك بصمته حول العالم، نظرا لخصوصيته ومواضيعه التي أخذ يطرحها منذ نشأته وحتى وقتنا الحالي، والتي ارتبطت في معظمها بمسألة الهوية والثقافة الوطنية، كغالبية الحالة الثقافية الفلسطينية، إلا أنه بات واضحا اليوم أن هذا الفن أصبح محفوفا بالكثير من المخاطر، نظرا للمشاكل الكثيرة والكبيرة المتجذرة والمستمرة التي يمر بها، والتي أثرت على فاعليته من جهة، وعلى حضروه من جهة أخرى.

وفي لقاء أجرته تدوين مع عدد من المسرحيين الفلسطينيين، تبانيت آراؤهم حول المسرح الفلسطيني خاصة المعاصر، من حيث القوة والتأثير، إلا أن جميعهم أجمعوا على الدور الهام الذي لعبه هذا النوع من الفنون الأدائية منذ نشأته وحتى وقتنا الحاضر، رغم كل ما يعانيه.
يرى الفنان المسرحي فادي الغول أن المسرح الفلسطيني المعاصر يعتبر من أهم المسارح الموجودة في الوطن العربي، لكن بسبب عدة ظروف في الفترة الحالية، طرأت بعض التغيرات التي تأثر من خلالها المسرح الفلسطيني كباقي أنواع الفنون الأدائية الأخرى.

ويجمل الغول هذه الأسباب بالتطور التكنولوجي المتسارع ما بين عام 2018 حتى اليوم، وجائحة كورونا، إلا أنه برغم هذه الأسباب التي أخرت نموه وتطوره واستمرارتيه ظلت المحاولات دائما موجودة، من خلال الفرق والمؤسسات المسرحية الفلسطينية العديدة التي تسعى دائما بشتى الطرق المتوفرة لتكون حاضرة دوما على الساحة الفنية والثقافية، بالخارطة الفلسطينة وعلى الخارطة العربية والدولية.

كما توجهت تدوين إلى المخرج المسرحي جورج إبراهيم سائلة اياه عن حال المسرح الفلسطيني المعاصر والمشاكل المرتبطة به، فأجاب أن المسرح الفلسطيني يعاني كالشعب الفلسطيني في الوقت الحاضر، كما عانى في السابق، وسيعاني مستقبلا إذا بقيت الظروف على حالها، وهذا نظرا للمشاكل المرتبطة به، وأساسها الموارد المادية، التي تحول بينها وبين الإنتاجات المسرحية، بالإضافة إلى شح أماكن العروض، وعدم وجود معاهد تمثيل ومسارح لتقديم العروض للجماهير.

عبء يحمله الأفراد وغياب مؤسساتي

لكن رغم هذه المشاكل يعتبر إبراهيم أن المبادرات الشخصية والفردية هي القائمة في هذه الأيام، إذ لا يوجد مبادرات حكومية أو مؤسساتية، وبالتالي الأفراد هم من يحملون العبء كله، وهذا نابع من حبهم الشديد للمسرح.

في المقابل، يرى الفنان المسرحي فادي الغول أن المسرح الفلسطيني هو مسرح متقدم نوعا ما بسبب اختلاطه الكبير بالعديد من الدول الغربية من خلال المشاركات التي حصلت لسنوات طويلة من خلال الفرق الفنية والأفراد الذين انخرطوا بالعمل المسرحي العالمي، إما من خلال تجارب لأعمال مشتركة أو من خلال زياراتهم الخارجية ومشراكاتهم بمهرجانات مسرحية أو إنتاجات مشتركة فلسطينية أوروبية، وهذا ما جعله متطور في هذا الجانب.

استغلال الوجع الفلسطيني لتقديم أعمال جيدة

انخرط المسرح الفلسطيني كما غيره من الفنون الأدائية في مسألة التوعية السياسية مما جعل السمة السياسية والوطنية غالبة في توجهاته.

وحول هذا يقول مدير مسرح وسينماتك القصبة جورج إبراهيم إن ما يميز المسرح الفلسطيني هو خصوصيته نظرا للحياة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، ما جعله يمتلك قصصا ومشاكل كثيرة للحديث عنها، رغم إمكانياته المحدودة.

ما يميز المسرح الفلسطيني هو خصوصيته نظرا للحياة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، ما جعله يمتلك قصصا ومشاكل كثيرة للحديث عنها، رغم إمكانياته المحدودة

ويرى إبراهيم أن المسرح الفلسطيني نافس وبقوة في كافة أنحاء العالم بالجودة التي يطرحها في أعماله، ما أثار إعجاب المسارح والجماهير العربية والعالمية، نظرا لأن الشعب الفلسطيني يعاني الاحتلال منذ عقود، ورغم هذا يمتلك كم ونوع من الأعمال المسرحية الجيدة، مشيرا إلى أن الفلسطيني رغم كل الوجع الذي يعانيه إلا أنه استغل وجعه لتقديم أعمال ذات جودة عالية للعالم.

ويرجع هذا وفقا لإبراهيم لاطلاع المسرحيين الفلسطينيين الواسع على المسرح العالمي والعربي بالإضافة لإصرارهم على تقديم الأفضل دائما، إلى جانب وجود العديد من المواهب الفلسطينية التي وصلت إلى العالمية، ليس فقط فيما يتعلق بالمسرح، إنما في السينما، وبينهم من نافس على جوائز الأوسكار.

وفي سؤاله عما يحتاجه المسرح الفلسطيني اليوم للنهوض، قال المخرج المسرحي إنه بحاجة إلى معاهد مسرحية، ومعاهد تمثيل، فبدونها لن يتقدم الممثل، منوها لوجود بعض ورش العمل غير الكافية، فهذه المسألة بحاجة إلى جهود رسمية.

ودعا إبراهيم السلطة الفلسطينية لافتتاح معاهد فنية لتعليم التمثيل، الدراما، السينما وغيرها من الفنون، إذ أن الأمر لا يجب أن يظل مقتصرا على الجهود الفردية، التي لن تقوى وحدها على هذا الحمل طويلا.

كما طالب إبراهيم بضرورة وجود مسارح في كافة المدن الفلسطينية كي تقام عليها العروض، إذ أن المسارح ناقصة في مجمل مدن الضفة الغربية، كما أن المسارح القائمة بحاجة إلى تمويل لأنه شبه مفقود، خصوصا من المؤسسة الرسمية والمؤسسات المجتمعية أيضا.

القضية الفلسطينية.. حضور مستمر بالمسرح الفلسطيني

ظل حضور القضية الفلسطينية يتجسد في المشهد الثقافي الفلسطيني من خلال الأعمال على اختلاف أنواعها وعلى رأسها الأدائية، لما فيها من زخم يمكن توظفيه في أعمال إبداعية متنوعة.

وحول دور المسرح في هذا الجانب، قال مدير مسرح وسينماتك القصبة إنه كان قويا ومرافقا لمختلف مراحل النضال الفلسطيني، فالمسرح قدم أعمالا تحكي وجع الناس وهموهم ومشاكلهم السياسية والحياتية، ولا زال حضور القضية الفلسطينية موجودا حتى الآن لأننا لم نتحرر بعد، وهذه المسألة مرتبطة باستمرار وجود الاحتلال على أرضنا.

كما أن المسرح الفلسطيني لعب دورا كبيرا فترة الانتفاضة الأولى، من خلال الأعمال المناهضة للاحتلال التي أنتجت، وظل هذا الدور قائما على مر السنين في الأعمال التي تحاكي الاحتلال وحياة الفلسطينيين تحته.

وفي هذا السياق يقول الممثل المسرحي فادي الغول في لقائه مع تدوين إن القضية الفلسطينية حاضرة بشكل أو بآخر في جل الأعمال الفلسطينية الفنية المسرحية وغيرها، إما عن طريق أعمال فلسطينية أو عن طريق الإعداد لأعمال عربية أو عالمية تتناول قضايا متعلقة بمعاناة الإنسان، الحروب، الحصار، السجن، الفقدان، وهذه الأعمال كلها كانت إحدى السمات الرئيسية للمسرح الفلسطيني.

المسرح الفلسطيني تناول أعمالا عديدة متعلقة بالتراث والموسيقى الفلسطينية، ذلك لما يشمله من كلمة، صورة، حركة، فرجة أدائية، وغيرها من الأنماط

كما أن المسرح الفلسطيني تناول أعمالا عديدة متعلقة بالتراث والموسيقى الفلسطينية، ذلك لما يشمله من كلمة، صورة، حركة، فرجة أدائية، وغيرها من الأنماط، إضافة لتناول المسرح الحديث، أعمالا لأدب عالمي وعربي، سلطت الضوء على القضية الفلسطينية بشكل مباشر أو غير مباشر.

المسرح الفلسطيني المقدسي خطر مضاعف

في سياق متصل، تعتبر المؤسسات الثقافية الفلسطينية في القدس الأكثر معاناة في هذا السياق، والتي تصارع من الأجل البقاء والحفاظ على هويتها الفلسطينية، مع إصرارها القاطع على رفض تلقي الدعم المادي من الاحتلال.

وللحديث عن هذا الجانب التقت تدوين بالممثل أحمد أبو سلعوم الذي عرج على الأحوال الصعبة التي يمر بها المسرح الفلسطيني بشكل عام، والمسرح الفلسطيني المقدسي بشكل خاص. قائلا: إن المسرح الفلسطيني والمسرح الفلسطيني في القدس بشكل خاص يمران بأحوال أقل ما يقال عنها أنها صعبة للغاية، ذلك بعد أن فقدت القدس الكثير من شرايينها التي تتواصل من خلالها مع باقي مدن فلسطين.

وهذا الفقدان، عرّض الإنتاجات المسرحية في القدس لنوع من الهزة، وجعلها متقوقعة على ذاتها، وفقا لأبو سلعوم.

وبحسب أبو سلعوم الذي يدير مسرح سنابل في القدس منذ أكثر من ثلاثين عاما، من أبرز المشاكل المرتبطة بالمسرح الفلسطيني في القدس، أن بيع التذاكر للعروض المسرحية لا يكفي لتظل واقفة وقائمة وتؤدي رسالتها، سيما أن السلطة الفلسطينية بكل مؤسساتها العامة لا تدعم هذا القطاع، كما أن القطاع الخاص علاقته جافة بالحركة الثقافية عموما، وهي آخر ما يفكرون به.

ونبه الفنان أن الاعتماد على بيع التذاكر بات أمرا قاسيا جدا يصل إلى حد التسول مشيرا إلى أنه أمر غير مقبول على نفسه وعلى كافة الفنانين الحقيقيين.

وأشار أبو سلعوم مؤسس رابطة المسرحيين الفلسطينيين إلى أنه في ثمانينيات القرن الماضي، كان الفنانون يجتمعون تحت تجمعات فنية مسرحية، وكان الالتفاف حول الرابطة كبير جدا، وظل صوتها مسموع لسنوات عديدة، كما أنها كانت تقف مع الفنانين في أوضاعهم المجتمعية الصعبة وتقوم باحتفال سنوي ليوم المسرح العالمي وغيره، بالإضافة للندوات والمحاضرات لتقوية الثقافة المسرحية أما هذه الأيام فساء الحال كثيرا.

ويعود بنا أبو سلعوم في حديثه إلى الدور الذي لعبته المسارح في القدس، قائلا إنها كان منبع ونبع حتى قبل أعوام النكبة نظرا لعددها الهائل آنذاك والذي فاق العشرات.

المسرح رافعة حضارية لأي شعب وأمة، وجدار حصين، حامٍ للثقافة الوطنية الفلسطينة، خاصة في القدس التي يعمل الاحتلال في كل لحظة على تهويد ما فيها من حجر وبشر

ويرى الممثل في المسرح رافعة حضارية لأي شعب وأمة، وجدار حصين، حامٍ للثقافة الوطنية الفلسطينة، خاصة في القدس التي يعمل الاحتلال في كل لحظة على تهويد ما فيها من حجر وبشر، وعلى أسرلتها، مؤكدا على إصرار المقدسيين على إبقاء هويتها الفلسطينية العربية.

كما يرى أن المسرح أحد أسس الديمقراطية فهو مبني على الحوار ويشجع ويزرع في نفوس الناس حرية الرأي والرأي الآخر، وأيضا يعلمنا جميعا ويشجع فينا حرية التعبير.

وعبر أبو سلعوم عن أسفه على الوضع المأساوي الذي آلت إليه المسارح المقدسية العطشى للبقاء والاستمرار، منبها أن أحد المسارح في دولة الاحتلال ميزانتيه توازي كل ميزانيات المسارح المقدسية لخمس سنوات.

صرخة مدوية في اليوم العالمي للمسرح

وعرج أبو سلعوم على المسرح الوطني الفلسطيني في القدس، الذي يعاني الأمرين في موقعه وميزانياته وإنتاجاته، مطلقا صرخة مدوية في يوم المسرح العالمي الذي يصادف 27 آذار من كل عام، لأن هذا المسرح في أيام تأسيسه الأولى بعد حرب عام 1967، أسهم في نزع حالة البؤس واليأس عن شعبنا ورفع رايات الأمل والاستقلال والحرية.

ويعتبر المسرح الوطني الفلسطيني (الحكواتي) الكائن في شارع صلاح الدين بالقدس، الأول في فلسطين والذي احتضن مئات العروض المسرحية الفلسطينية والأجنبية، إضافة إلى تدريب الممثلين والمخرجين المسرحيين بمبادرة من فرقة الحكواتي الفنية.

وشأنه شأن الكثير من المؤسسات الثقافية الفلسطينية عانى المسرح الوطني من ملاحقات سلطات الاحتلال ومن هجمات المستوطنين في مدينة القدس، فقد أغلقت أبوابه مرارا تحت ذرائع مختلفة، إلا أنه تمكن من الاستمرار وأصبح واحدا من معالم مدينة القدس.

ولهذا يرى أبو سلعوم أن على الإنسان الشريف حيثما يكون في هذا الكون أن يمد يد العون لهذه المسارح في القدس لتظل رافعة لراية التغيير للأفضل، وللحرية والاستقلال.