الجمعة  15 تشرين الثاني 2024

أدونيس وشعر ما قبل الإسلام

2023-04-03 11:26:04 AM
أدونيس وشعر ما قبل الإسلام
أدونيس

تدوين- تغطيات

"على مقربة أمتار من بقايا سوق عكاظ، وبالقرب من مرابع الملك الضليل امرؤ القيس وشاعر السلام العالمي زهير بن أبي سلمى والثائر على التمييز العنصري عنترة بن شداد، جاء الشاعر السوري أدونيس، من مدن العالم مغمورا بفوائض المعرفة وصدمة الحداثة حاملا بتجربته المغامرة في كتابة النص الجديد وتفكيك النصوص باحثا عن حركة الإبداع ضد ثوابت الاتباع من الشفوية الشعرية إلى شعرية الكتابة" ليقدم محاضرة حول "الشعر قبل الإسلام" في جامعة الطائف بالسعودية ضمن فعاليات عام الشعر العربي 2023، وهذه كانت مقدمة الأديب والإعلامي محمد رضا نصر الله، الذي أدار الحوارية التي تلت المحاضرة.

وبدأ الشاعر والمفكر أدونيس محاضرته حول الشعر قبل الإسلام، بتسليط الضوء على علاقته بأصوله الشعرية، ومعنى أن يرتبط الإنسان بأصوله. إذ أن المعنى الأول العميق بالنسبة له هو أن تكون هذه الأصول غنية ومتنوعة ولا تستنفذ، بحيث أنها لا تكون جزءا من الزمن أو التاريخ بل يكون التاريخ جزءا منها".

10 معانٍ لشعر ما قبل الإسلام

ومما طرحه أدونيس في معاني الشعر قبل الإسلام أولا أن هذا الشعر يحرره من الآلة، وهو الذي يعيش في عصرها، لكن ليس ضد الآلة في ذاتها، مستشهدا بقول للفيلسوف أبو نصر الفارابي الذي يقول إن "كل موجود في ذاته فذاته له، وكل موجود في آلة فذاته لغيره"، ليبرهن على أن الشعر هذا يساعده في أن يكون موجودا في ذاته وليس في آلة.

أما ثاني ما يعلمه الشعر قبل الإسلام بالنسبة لأدونيس هو ألا أخيال مسبقة في الكتابة الشعرية، فالقصيدة العربية كتبت قبل الخليل بن أحمد الفراهيدي وقبل أوزانه، وإذن كتبت بمخيلة الشاعر وبجسده، وبأحلامه وبإيقاع حياته ثم جاء الخليل وحول هذا إلى قواعد وبحور وأوزان، إلا أنها على أهميتها لا تستنفذ موسيقية اللغة العربية لأنها أكثر اتساعا وأكثر شمولا، ما يجعل أدونيس يكتب القصيدة خارج كل شكل مسبق، فالقصيدة تولد كاملة، روحا وجسدا".

وثالثا: "حرية القول، الذي لا بد له من حرية الشكل، ولهذا يمكن أن نكتب الشعر كما نشاء، والمعيار ليس الوزن وإنما هو العلاقة بين الكلمة والكلمة وبين الكلمة والشيء وبين الكلمة والعالم".

الإنسان وحدة جسد وطاقة أو جسما وروحا ولا فصل في الكيان الإنساني  بين الشعور والفكر، إذ ينبجسان مع

ورابعا يعلم الشعر قبل الإسلام  أن الإنسان وحدة جسد وطاقة أو جسما وروحا ولا فصل في الكيان الإنساني بالنسبة لأدونيس بين الشعور والفكر، إذ ينبجسان معا، وإذا درسنا تاريخ الشعر في العالم سنرى أن كل شاعر عظيم كان مفكر عظيم وعندنا نحن في تاريخنا أمثلة كثيرة.

أما خامسا: أن الحياة والموت وجهان لعالم واحد، والموت هو عنصر إفساد للحياة، ويجري الجسم كما يجري شعاع الشمس في الفضاء كما يقول شاعرُ قبل الإسلام.

أما سادسا أن الحب في الحياة هو القيمة العليا وأن الحب يحتاج إلى صداقة وأن الصديق كمان يقول أبو حيان التوحيدي الآخر هو أنت، فلا وجود للذات بلا الآخر.

وسابعا أن الشعر يكمن جماليا في كيفية القول وليس في القول ذاته.

أما ثامنا أن هناك فرق كبير بين الذاتية والفردية، فالأولى تقسم نفسها أو جسمها في جسوم كثيرة كما يقول عروة بن الورد، والفردية هي انسحاب من العالم.

وتاسعا أن الشعر حركة حية متواصلة وأنه مفتوح على اللانهاية.

وأخيرا يعلم شعر ما قبل الإسلام أن الشعر الحقيقي والعميق والمعبر عن حرية الإنسان لا يمكن أن يكون أيديولوجيا ولا يمكن أن يكون وظيفة، والشعر يستطيع أن يَستخدم كل شيء حتى العلم لكن لا شيء يستطيع أن يُستخدم الشعر وإذا استُخدم انتهى، يصبح وظيفة ويدخل في الآلة التي تقودنا إلى الخروج من ذواتنا.

وبعد المحاضرة دارت جلسة حول جمالية اللغة العربية، وأهمية القراءات الجديدة، وعن الانتحال الذي أصبح سائدًا الآن، وعن عفوية الإبداع ضد ثوابت الإتباع، أدارها الأديب والإعلامي محمد رضا نصر الله.

وحول مسألة الانتحال، قال أدونيس: "لا أعتقد أن الانتحال يمكن أن يؤثر على النصوص أيا كان قائلها، لأن المهم هو النص ذاته، وجماليته".

وعرج المحاور الإعلامي محمد رضا نصر الله على مجلة الأدب التي ولدت في منتصف الخمسينات، بأسماء جديدة ترواحت بين الكتابة التفعيلية وقصائد النثر، في الوقت الذي عكف فيه أدونيس على اختيار نصوص من الشعر العربي القديم ابتداء من الشعر الجاهلي حتى عصور متأخرة، وكان وحيدا في هذ المجال، متسائلا عن السبب.

وأجاب أدونيس: "هذا يعود إلى نشأتي في البيت، في عالم الجزيرة العربية، وعالم الشعر العربي، ومن هنا تعلمت أن هذه الأصول هي جذوري وإذا انفصلت عنها فكأنني انفصلت عن حياتي بذاتها، وثانيا، معرفتي أن الحداثة ولدت في هذه البلاد، قبل أن تولد في أوروبا، وأن قرنا أو أكثر بكامله كان نقديا وكانت الحداثة موضوعه، لذا كان يجب أن نعرف هذه الأصول والمشكلات التي حدثت بعد مجيء الإسلام، وأن ندرس النقاش الذي دار بين أهل القديم وأهل الإحداث وكيف اكتسب الأخير بعدا دينيا، فهذا كان الدافع بالنسبة لي، أنه لا يمكن أن نكتب شعرا حديثا إذا لم نكن متأصلين في هذا الشعر العربي قبل الإسلام، في أصولنا وفيما نتج بعده".

وفي سؤال آخر، تطرق نصر الله إلى كتاب أدونيس "الشعرية العربية" الذي أكد في فصل الثاني أن فضاءها القرآني شكل كتابة جديدة أحدثت قطيعة مع الجاهلية على المستوى الفكري، الكوني والتعبيري الجمالي، مقدما رؤية جديدة للكون والإنسان.

وحول هذا قال أدونيس "رأيت أن سورة في القرآن تشبه حديقة أو بستان مفتوح من جميع الجهات على مستوى الكتابة وقلت يمكن أن نرى في السورة نموذجا لكتابة حديثة تخرج عن الكتابة الوزنية أو التفعيلية، الإفادة من هذا سيكون أكثر أهمية بكثير من الإفادة من نصوص قصيدة النثر المولودة في مجتمع آخر وفي حضارة مختلفة، وأعتقد أن هذه الفكرة أثرت لكن بصمت على التأثر الأجنبي، أنا أعكس الموضوع كليا بعلاقة الكتابة العربية والفكر العربي بالغرب نحن اليوم إجمالا إلا في دوائر بعض المستشرقين لكن غير كافيين، أن تأثير الآخر علينا بأجوائه وأبعاده أكثر طغيانا علينا، بحيث أنه يحجب عنا ذواتنا".

وأكمل: "كل هذا لم تدركه القراءة العربية لمجلة الشعر وما فعلته القراءة العربية كانت قراءة أيديولوجية وتستند إلى أفكار مسبقة، وأشياء غريبة، لا تليق بالفكر العربي والثقافة العربية، وكما تكون القراءة تكون الدلالات والمعاني.

ويرى أدونيس أن هذه القراءة لا تزال حتى الآن شبه سائدة وإذا كان هناك أزمة عميقة وحقيقة في الثقافة العربية لا تكمن في الإبداع، إنما بالطريقة التي نقرأ بها مبدعينا.

واستكمالا للسؤال السابق توجه نصر الله بسؤال لأدونيس حول كتابه "النص القرآني وآفاق الكتابة"، قائلا "يلاحظ القرائ لهذا الكتاب أنك أفدت مما جاء في بعض كتب المفسرين، كأنك تتفق بأنه إذا كانت معجزة موسى هي السحر، ومعجزة المسيح هي الطب اليوناني فمعجزة محمد في هذا النص".

ويرى أدونيس أن هذا الموضوع شكل مشكلة حتى عند النقاد العرب القدامى وبعض النقاد العرب القدامى قالوا ليس الإعجاز في اللغة إنما الإعجاز في المعاني والدلالات وهذه مشكلة قديمة. بالنسبة لي عمليا نحن أحجبنا بتأويلاتنا البعد الجمالي في اللغة القرآنية ومنعنا التأويل منعنا عالم المجاز من الدخول إلى اللغة القرآنية.

القراءات التي تمت حتى الآن على أهميتها كانت قراءات أفقية وتوثيقية أكثر مما كانت قراءات عمودية وكشفية نرى في ضوئها علاقتنا بالآخر

وفي سؤال آخر حول عدم معرفتنا بالتاريخ وانفصالنا عن الوقت الذي كان الشاعر فيه يقايض بالذهب، مقابل ترجماته الشعرية، وكذلك ترجمة القصائد العربية إلى السريانيةـ والإضافة التي جاء بها مؤسس الفقه المقارن ابن رشد، وهو القنطرة ما بين الأصول اليونانية وعصر التنوير الأوروبي. قال أدونيس: "أظن أننا في حاجة إلى إعادة قراءة موروثنا قراءة جديدة وأعتقد أن القراءات التي تمت حتى الآن على أهميتها كانت قراءات أفقية وتوثيقية أكثر مما كانت قراءات عمودية وكشفية نرى في ضوئها علاقتنا بالآخر.

وأردف: "أرجح أننا لا نعرف من نحن على هذا المستوى العميق، وكما نحن مستسلمون لعالم داخلي، هناك تبعية لعالم خارجي، وعلينا أن نعيد النظر في هذين النوعين من التبعية لأنهما مترابطان عمقيا، ولن نستطيع أن نتحرك بعمق ونقول ما نشاء كما يقول أجدادنا قبل الإسلام وحتى بعده، إلا إذا تحررنا من هتين التعبتين".

ما دام الموت والحب على الأقل موجودين فالشعر موجود، ووجوده لا يقاس أفقيا بالعدد والكم

وأخيرا، حول رؤيته لموقع الشعر اليوم يرى أدونيس أنه "ما دام الموت والحب على الأقل موجودين فالشعر موجود، ووجوده لا يقاس أفقيا بالعدد والكم، من ناحية، ومن ناحية أخرى مشكلة الشعر ليست شعرية في المجتمع العربي وإنما هي مشكلة ثقافية اجتماعية وسياسية، وأزمة الشعر لا نبحثها في الشعر نفسه وإنما نبحثها في العالم الذي يقال فيه".

لمشاهدة المحاضرة كاملة عبر الفيديو التالي: