تدوين- سوار عبد ربه
حظي الأسرى الفلسطينيون والعرب المعتقلين لدى الاحتلال منذ عام 1967، بنصيب وافر من الدراسات والكتب والأبحاث التي أرخت تلك الفترة، سواء إحصائيا، أو من خلال البحث في ظروف الاعتقال والسجن، إلا أنه بمراجعة الفترة التي سبقت ما يطلق عليها "النكسة"، خاصة الفترة الواقعة ما بين 1948-1949، خلال حرب النكبة، وفي زمن فلسطين الانتدابية أيضا، يلاحظ أن هناك فجوة بحثية في تأريخ هذه المرحلة، التي بالكاد تذكر في الدراسات المعنية في موضوع الأسرى.
بمراجعة الفترة التي سبقت ما يطلق عليها "النكسة"، خاصة الفترة الواقعة ما بين 1948-1949، خلال حرب النكبة، وفي زمن فلسطين الانتدابية أيضا، يلاحظ أن هناك فجوة بحثية في تأريخ هذه المرحلة
هذه الفترة أطلق عليها وزير شؤون الأسرى والمحررين السابق عيسى قراقع "الفترة الغائبة"، إذ قال في لقاء خلص مع تدوين: "الدراسات التاريخية لم تتطرق إلى موضوع أسرى الحرب الفلسطينيين والعرب الذين اعتقلوا خلال سنوات الحرب 1948-1949، إلا بإشارات محدودة وعابرة وتكاد لا تذكر.
ويرى الوزير السابق أن مسؤولية توثيق هذه الفترة، وكذلك زمن الاحتلال البريطاني تقع على عاتق الكتّاب والباحثين الفلسطينيين؛ لأنها تعتبر من أهم الفترات في التاريخ الفلسطيني.
وتعود أهمية البحث في فترة الاحتلال البريطاني لكونها أسفرت عن آلاف المعتقلين الفلسطينيين الذين قاوموا الانتداب ووعد بلفور والإجراءات البريطانية والصهيونية، والاستيطان الذي كانت بريطانيا تشجع اليهود عليه، وعلى الهجرة واستملاك أراضي العرب، كما أنها فترة شهدت عدة ثورات كبيرة كالبراق وثورة 1920، 1933، 1936 أسفرت كلها عن آلاف المعتقلين الذي زجوا في السجون البريطانية وحكم على مئات الثوار الفلسطينيين بالإعدام.
وبحسب قراقع، لا يوجد حتى إحصائية عن أرقام المعتقلين آنذاك، إلا أن شهادات بعض الباحثين أكدت وجود آلاف المعتقلين في حينها.
ومن الأسباب التي تجعل التأريخ لفترة الحرب (1948-1949) مسألة في غاية الأهمية بحسب وزير الأسرى السابق؛ أن خلال قيام العصابات الصهيونية بتدمير القرى وتهجير آلاف اللاجئين، جرى اعتقال ما يقارب 12 ألف أسيرا في السجون التي ورثتها "إسرائيل" عن بريطانيا بعد خروجها، إضافة لعملها على إنشاء سجون جديدة لاستيعاب عدد المعتقلين من كافة فئات الشعب الفلسطيني.
وبحسب الشهادات، كانت معاملة العصابات الصهيونية التي سيطرت على المعتقلين وأشرفت على السجون وحشية جدا، إذ لم تتوفر في حينها أدنى المقومات الإنسانية والمعيشية.
وقال قراقع في لقائه مع تدوين في هذا الجانب إن عصابات الأرغون وشتيرم هم من سيطروا على السجون آنذاك، وبالتالي جرى إعدام الكثير من المعتقلين داخل السجون، وكانت السياسة الإسرائيلية في التعامل معهم إما بالإبقاء على اعتقالهم أو طردهم، ما يعني أن العديد من المعتقلين طردوا خارج البلاد كجزء من سياسة التطهير العرقي والتهجير الذي ورثته سلطات الاحتلال تجاه شعبنا الفلسطيني.
وتبين في أحد الأبحاث الحديثة التي كتبها المؤرخ الفلسطيني وديع عواودة بالاستناد إلى شهادات من معتقلين اعتقلوا خلال الحرب، أن الظروف التي عاشها المعتقلون آنذاك كانت قاسية، ما يعني أن النكبة كانت ذات اتجاهين، الأول: السيطرة على الأرض والتهجير والطرد، والثاني حملات الاعتقال الواسعة وارتكاب جرائم حرب مع المعتقلين من خلال القتل أو الطرد خارج البلاد.
وحول أهمية تأريخ تلك الفترة لبناء رواية فلسطينية متكاملة الأركان، قال قراقع: "من أجل أن نبني روايتنا الفلسطينية وأن نستكمل كل أركان الرواية الفلسطينية، يجب التركيز على تلك الفترة في الكتابات والأبحاث.
وتوجه قراقع بدعوة إلى كل الباحثين والكتاب لتناول تلك الفترة، من خلال التنقيب في أرشيف الجيش البريطاني والأرشيف البريطاني عموما.
ويعد المفكر الفلسطيني خليل بيدس (1875- 1949) أول من وضع كتابا في أدب السجون بعنوان "حديث السجون"، تحدث فيه عن فترة اعتقاله في سجون السلطات البريطانية، والتعذيب والإعدامات التي رافقت تلك الفترة، إلا أن الكتاب ضاع في زحمة أحداث حرب عام 1948، كما كتب سلسلة مقالات نشرها في مجلة النفائس العصرية التي أسسها في حيفا عام 1908.
إضافة إلى المؤرخ عادل زعيتر الذي اعتقل أيضا في السجون البريطانية وأسس أول جمعية للعناية بالمعتقلين الفلسطينيين وبالتالي تحدث عن الظروف الصعبة التي عاشها الأسرى في السجون وأيضا عن ظروف عائلاتهم، وفقا لقراقع.
وأشار وزير الأسرى والمحررين السابق إلى أن بعض الباحثين الإسرائيليين استطاعوا أن يحصلوا على جزء من "الأرشيفات الإسرائيلية" كالباحث إيلان بابيه في كتابه الشهير "التطهير العرقي" وخصص فصلا كاملا عن الاعتقالات التي جرت في حرب 1948 كما تحدث عن النهب والسلب والمعاملة القاسية. إضافة إلى أكثر من كاتب إسرائيلي استطاعوا أن يصلوا إلى بعض الوثائق من الأرشيفات العسكرية الإسرائيلية وغطوا بعض جوانب هذه الفترة، كالكاتب دان ياهف في كتاب "ما أروع هذه الحرب"، الذي تناول فيه معاملة جيش الاحتلال اللاإنسانية والوحشية مع المعتقلين الفلسطينيين بينهم الأطفال والمدنيين.
وخلص قراقع إلى إشارة بعض الباحثين سواء العرب أو "الإسرائيليين" إلى تلك الفترة، إلا أنه غير كافٍ ويحتاج إلى بحث شامل ومتكامل ودقيق لتأريخ مرحلة مهمة وفاصلة في تاريخ القضية الفلسطينية.
وحول سؤاله عما إذا كانت الأرشيفات المسروقة والمشتتة، سببا في منع الباحثين من تغطية هذا الجانب، أوضح قراقع لتدوين أن الكثير من أرشيفنا نهب وغير متاح، لكن على الباحث أن يسعى من خلال الرواية الشفوية أو البحث عن مصادر وطرق مختلفة سواء عربية أو عبرية أو أجنبية.
وفيما يتعلق بدور المؤسسات الرسمية والمعنية في شؤون الأسرى، أشار عيسى قراقع إلى أن المكتبة الوطنية التي يرأسها، أطلقت هذا العام مسابقة في الأبحاث تركز على الأبحاث والدراسات المتعلقة في هذه الفترة من أجل جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات، داعيا الباحثين للاجتهاد من أجل تغطية الجوانب التي لم تغطى بعد في الأبحاث والدراسات.