الخميس  25 نيسان 2024

دوائر الأدب في معركة فلسطين

2023-05-09 12:50:34 PM
دوائر الأدب في معركة فلسطين
سميرة عزام (1927 - 1967)

تدوين- بقلم سميرة عزام

كتبت القاصة والصحفية الفلسطينية سميرة عزام*، مقالاً هو عبارة عن كلمة ألقتها في مؤتمر عام 1965، حول دور الأدب في النكبة، غير أنها اختارت أن تتعامل مع النكبة باعتبارها معركة للأدب دوره الهام فيها.

فكتبت التالي:

لفلسطين من بين موضوعات هذا المؤتمر موضوعان، ونستطيع أن نقول تجاوزا أن لها كل الموضوعات، فانفعال الواقع القومي بنكبة فلسطين قد حرك كل هذه المخاضات والتحولات التي فرضت منطلقا جديدا للوجود العربي، وفرضت بالتالي أن يكون الموضوع العام للمؤتمر وتفريعاته هي المحاور الفكرية للمجتمع العربي الحديث.

ولست أريد من هذا الموضوع الذي اخترته أو اختير لي أن أتوسع لأصل إلى تحديد الترابط العضوي بين هذه جميعا وبين موضوع فلسطين، ولا أن أتوسل إلى الحديث عن دور الأدب مستقبلا بمقدمة تتناول ما تركته النكبة في أدبنا من ملامح، فلهذه موضوع مستقل، ولكنني على أية حال لا أستطيع أن أخلص لموضوعي دون توطئة قصيرة.

دور الأدب في معركة فلسطين واستعمال كلمة معركة هنا بدلا من كلمة قضية يحمل في تضاعيفه إيحاء قائما على حقيقة الشعور بأن حتمية المعركة قدر من أقدار هذه الأمة تمتحن فيه أصالتها وجدارتها بالحياة، وبقدر وعينا لهذه الحقيقة ينبغي أن يأتي انفعالنا بها. ومن هذا العمل الانفعالي تتفجر ألوان التعبير عن ملامحها.

إن الفرق النوعي في النظرة والإحساس والفكر الذي يجب ألا تفرضه طبيعة الانفعال بفلسطين كنكبة قائمة، والانفعال بالقضية كمعركة حتمية، يفرض علينا ألوانا من الاستجابة لا تقتصر على أطراح التفجع والندب فحسب، بل تقتضي حسا شموليا ونظرة استشرافية لا بد للفكر وللأدب من أن يعانيهما ليصح اعتبارهما أداة من أدوات المعركة، أداة تحمل في تضاعيفها التنويه بوزنها وقيمتها الذاتية.

لو رجعنا للمظاهر الكبرى التي تناولها الأدب منذ النكبة حتى اليوم لرأينا أن الحصيلة كانت عموما هامشية تترنح في الظلال، أو تترجم فورات آنية تقول ما لديها ثم تنطفئ فكأني بصاحب الأثر لا يرمي إلا إلى التدليل مرة أو مرتين على أنه ليس غائبا عن قضية من قضايا العصر الكبرى، وليس حظ لون أدبي بأفضل من حظ لون آخر، فما يبث من مئات القصائد لا ينهض شاهدا على فضل الشعر، وما يصح اعتباره رواية بالمفهوم الجدي للكلمة يقبع في ثنايا روايات وقعت في مفازات التسطح، ولا ندري بماذا يمكن أن نعتذر عن القصة القصيرة، أما البحوث فإننا لو أسقطنا من الحساب تلك الأبحاث التي توسل بها أصحابها لنيل درجة علمية، أو التي قامت أصلا غاية دعاوية، لرأينا أن الفكر كان شبه غائب عن القضية.

نقول ذلك ونحن نعلم أن التعميم قد جار على بعض الأعمال الأصلية وفوت علينا فرصة التنويه بكتاب وشعراء عاشت القضية في وجدانهم ووسمت أكثر إنتاجهم بميسمها. ولكن النسبة تظل في النتيجة دون هذه القضية بأبعادها السياسية والإنسانية الخطيرة.

بوجه من نفجر الاتهام؟ يبدو أن التعقل يستلزم ألا تكون إدانة قبل ربط النتائج بالأسباب في شيء من روية التحليل وهدوء النظرة.

دور الأدب في معركة فلسطين واستعمال كلمة معركة هنا بدلا من كلمة قضية يحمل في تضاعيفه إيحاء قائما على حقيقة الشعور بأن حتمية المعركة قدر من أقدار هذه الأمة تمتحن فيه أصالتها وجدارتها بالحياة

إن فترة ما بعد النكبة بما طرحته من تبدلات جذرية في السياسات والكيانات والمجتمعات قد مست فيما مسته وضع الأدب عامة، وفرضت عليه أن يتفاعل مع ما حوله فيقوم بتجارب يستخلص منها قيما جديدة، ويبحث لنفسه عن شخصية جديدة في المضامين والأشكال، فما أصاب الناحية العامة لابد وأن يظهر أيضا فيما يتصل بقضية فلسطين من آثار أدبية وقد لا يكون من الحق، ونحن نعترف بأن الفترة كانت فترة تجربة وانصهار، وأن نطمع بأكثر مما يمكن لطبيعة الفترة أن توفره ولكن دون الشطط في الاتكاء على الظروف كعذر اتكاء يحول بيننا وبين عملية رصد لهذه الملامح التي برزت لنتمكن من سبر إمكاناتها، وتحديد القسط الذي يمكن أن ينهض به الأدب في المعركة.

وقد يكون منطقيا هنا أن ابدأ بالأديب الفلسطيني بين أدباء العرب، فأتساءل إلى أي مدى استطاع أن يكون أصوليا وشموليا في وسائل تعبيره؟

يبدو لي هنا أن سؤالا معينا يفرض نفسه بقولنا وهل كانت هنالك في فلسطين قبل النكبة حياة أدبية بالمعنى الكبير لهذه الكلمة؟ الواقع أن خروج البلاد من الحكم العثماني، وهي فترة تتسم بالانحطاط الفكري في أجزاء الوطن العربي عامة، لتبتلى بالانتداب البريطاني وما انطوى عليه من نوايا التوطين الإسرائيلي قد واجه البلاد بوضع يعتبر معه الفكر والأدب ترفا لا ينال. ولقد كان الشعر بحكم طبيعة ارتكازه على اللحظة الانفعالية أكثر حظا بالبروز من غيره من ألوان الأدب، ولقد كان في فلسطين شعر وشعراء قالوا في المناسبات القومية، وتركوا لمعارك الأهلين مع السطات، ولمآثر أبطال الجهاد، سجلا حافلا، ولكن القصة والرواية بمفاهيمها الحديثة لم تكونا لونا أدبيا متداولا، ثم حلت النكبة لتشرد من الأهلين من شردت ولتفرض مرحلة ذهول تأرجح فيها الفلسطينيون بين اليأس والإحساس الكلي بالضياع، وكان طبيعيا أن يشعر الأدباء بعقم الكلمة في موقف أهدرت فيه كل القيم فسكت بعضهم يأسا وسكت البعض الآخر انشغالا بمطالب العيش في الأماكن التي نزحوا إليها، وخضوعا لتحديات تتصل بشؤون حياتهم اليومية وحياة أسرهم، أو لوجودهم في بيئات تحرم عليهم أصلا الكلام في قضيتهم لأنها تعتبر ذلك كلاما في السياسة.

ولقد كان في فلسطين شعر وشعراء قالوا في المناسبات القومية، وتركوا لمعارك الأهلين مع السطات، ولمآثر أبطال الجهاد، سجلا حافلا، ولكن القصة والرواية بمفاهيمها الحديثة لم تكونا لونا أدبيا متداولا

وفي فترة ما بعد النكبة كانت بعض المواهب الفلسطينية الناشئة قد استكملت بعضا من أسباب النضج، وقد أتاح لها انفعالها بالحياة العربية الجديدة واتصالها بمرحلة التجارب أن تكون أقل يأسا وأكثر انفتاحا، وأن تستمد قيما لا تلغي أهمية تحريك المشاعر عن طريق تصوير النكبة شعرا ورواية وقصة، تصويرا حمل شيئا من ملامح الأصالة توفر له من المعاناة الشخصية والتصاق هؤلاء الأدباء التصاقا أوثق بطبيعة المأساة إلا أن انفعالهم بالحياة في البيئات الجديدة قد زحمهم في دوامة من القضايا صرفتهم عن التماس موضوعاتهم من المعاني المباشرة للنكبة، كما أن الحس الشمولي والاستبطان الذي يلم بشتات الأبعاد يظل مفقودا، وظلت النكبة وظلالها أكبر بكثير من كل ما قاله أبناؤها مجتمعين، فهل وفق غير الفلسطينيين وقد كانت ظروفهم أفضل على أية حال حين قصر أولئك عن الانصباب انصبابا زخما في مسارب القضية؟

الواقع أنهم، نقول ذلك دون أن نلغي من الاعتبار فترة التجربة التي أشرنا اليها، لم يكونوا أحسن حظا، كان ضعف التمثل للتجربة واضحا في أكثر ما كتبوه، وكانت آنية الاستجابة لا توفر أكثر من نزوات أدبية تفتقر إلى الرؤيا الصحيحة أو المعاناة الحق، وكان سوء الفهم العام للنواحي السياسية أو الاجتماعية للقضية يفضح نفسه في ثنايا العمل الأدبي لدى بعضهم.

وكنا نتساءل ونحن نرى الصهيونية العالمية تنشط على كل الصعد، ولا تستثني الأدب بل لا تقصر في شراء الأقلام والمواهب، ألم يكن حجم النكبة كافيا بحيث يهز أدباءنا وفنانينا العرب هزا ويدفعهم إلى الدوران في فلكها فلا يكتفوا بتناولها من بعيد أو بشكل جانبي لا يقرب الجذور ولا يتعمق الأشياء؟؟

مرة أخرى أنبه إلى أن هذا الحكم يحتمل بعض الاستثناءات ولكن هل نستطيع أن نعتبر قصيدة تقال أو تنشر أو رواية تعرج تعريجا هامشيا على قضية فلسطين، أو فصلا في كتاب إسهاما حقيقيا في القضية؟

ألم يكن حجم النكبة كافيا بحيث يهز أدباءنا وفنانينا العرب هزا ويدفعهم إلى الدوران في فلكها فلا يكتفوا بتناولها من بعيد أو بشكل جانبي لا يقرب الجذور ولا يتعمق الأشياء؟؟

نحن لا نريد أن نغمط أصحاب هذه المنجزات ما أنجزوه، ولا صدق عاطفتهم فيما قالوه، ولكن الأبعاد التي نريدها لمعالجة هذه القضية أوسع بكثير مما استطاعت هذه المنجزات أن تبلغه.

إن التفاعل الحقيقي بين القضية وبين الأديب العربي ما يزال بعد سبعة عشر عاما من النكبة، وبعد توفر المنظور الذي يتيح شيئا من هدوء التأمل، ويفرض نوعا من عمق الانفعال غير المتعلق بأهداب الآنية، ما يزال غير قائم ولا أرى أسباب قيامه مهيأة إلا عبر ظروف غير التي نرى، ظروف يستطيع الأديب إذا كان مستحقا اسمه أن يسعى لتوافرها ليكون شاهدا حقا من شهود القضية الكبرى، وقد يحسن أن نجمل هذه الظروف في نقاط أهمها:

1- تبصر الأديب العربي عامة والفلسطيني خاصة بنواحي النكبة وأبعادها والتفاعل معها بشكل أوثق.

2- إتاحة المجال له لمشاهدة آثار النكبة وإننا لنتسائل كم واحدا ممن عرضوا المخيمات في أعمالهم قد عرف هذه المخيمات ورأى كيف تأسن الحياة فيها وتتحول القضية بسياسة مرسومة في الخارج، ومدسوسة في رغيف الإعاشة، من قضية وطن إلى قضية لقمة.

عدم قصر إحساس الأديب بالنكبة على مناسبات معينة بل تغدو القضية لديه قضية معايشة يومية، والواقع أننا لا نطلب شيئا يعجز الأديب الحق 

3- ارتفاع الأديب العربي فوق الأحداث القصيرة التي يتأثر بها من تصرفات فلسطينية فردية لا يمكن إلا أن تظهر في كل مجتمع إنساني يضم أنماطا شتى من النفوس والاتجاهات، تصرفات قد تنجح في أن تحجب الأديب الرؤيا الشاملة لطبيعة المشكلة الأساسية في حين يتوجب عليه أن يرتفع عن التأثر بها.

4- عدم قصر إحساس الأديب بالنكبة على مناسبات معينة بل تغدو القضية لديه قضية معايشة يومية، والواقع أننا لا نطلب شيئا يعجز الأديب الحق فان تجاوبه يجب أن يتم أبدا على نطاق الإحساس الشامل لا بمشكلة فلسطين فحسب، وإن قدمت في نظرنا على غيرها من المشكلات وإنما بجميع قضايا التحرر في العالم.

5- إعادة الإيمان إلى النفوس بجدوى وقيمة الأدب كعامل من عوامل قضية ما يبدو أن القوة هي الحل الأمثل والوحيد لها، في حين أن طرح أي عمل أدبي يجعل المشاعر متوفرة بشكل يسهل تعبئتها وتوجيهها في طريق الحل الذي تبدو القوة عامله الوحيد.

إن فقدان الإيمان بقيمة الأدب في المعركة يوازي في خطأه ظن الأديب بأن كونه صاحب قلم يجعله يطمئن إلى أنه أدى دورا يساوق في شرفه دور مجند يموت في الساحة. إن الرصاصات التي مات همنغواي وهو يحمل آثارها في الحرب الأهلية الإسبانية خير شاهد على بطلان هذا الشعور الخادع، ولماذا لا نتناول اسما وثيق الارتباط بالموضوع هو الشاعر الفلسطيني عبد الرحيم محمود صاحب قصيدة (سأحمل روحي على راحتي) والذي حمل روحه فعلا ليقضي في معركة من سلسلة المعارك التي نشبت في ثورة 1936.

عبد الرحيم محمود

6- أن يكون للأديب العربي وضع المفكر بحيث يستشرف ويوجه ويحمل في تضاعيف أدبه إيحاء بما يجب أن تكون عليه المعارك السياسية فاذا قبلنا هذا الفرض وجدنا أن الأديب يحمل ارهاصات نبوءة، ويعكس إحساسات جماعية تستطيع السياسة أن تستهدي بها في رسم خطط الحاضر والمستقبل.

7- فاذا كانت هذه هي العوامل التي لا يمكن أن يقوم بدونها أديب في مستوى القضية وجدنا مسوغا لذلك التساؤل المتكرر عن واقعنا في الأدب القومي من هذا الأفق الرحب. فإذا كنا واقعيين بحيث نعترف أننا دونه بكثير، فإن علينا في الوقت نفسه أن نقر أن بلوغه لا يتم دون التكامل بين عنصرين لا يقوم أحدهما دون الآخر، المادة الخام، وتتمثل في الأديب، والظروف وتتمثل في المجتمع وما يقوم فيه من نظم ومؤسسات رسمية وأهلية.

لنفرض أنه وجد الأديب الحق، وأن هذا الأديب قد استطاع أن يطرح عملا جديرا بالحياة، فما هي ردود الفعل التي يلقاها في مجتمعاتنا؟

إذا كان حسن الحظ وجد في أحسن الظروف ناشرا يطبع له الفي أو ثلاثة آلاف نسخة يتداول نصفها الأدباء هدايا ويضيع نصفها الآخر في المستودعات فكيف يمكن هنا للعمل أن يخرج إلى النطاق الشعبي ليلعب دوره كعامل من عوامل التعبئة إذا لم تتصل أسباب حياته بوسيلة نشر شعبية كالسينما أو التلفزيون أو الراديو، ولم يرف طريقه إلى الرأي العالم العالمي عن طريق الترجمة والرقوق السينمائية؟

لا يمكن بهذه البساطة أن نرى القضية من زاوية واحدة، زاوية الأديب فحسب، فالمؤسسات بنسبة أكبر من تحمل روح المسؤولية، مطالبة بحمل العبء.

فالجهد الفردي يظل فرديا إذا لم يجد له متنفسا من خلال ما تملكه المؤسسات من وسائط.

إن الحكومات، ومعها جامعة الدول العربية، وما ينهض وراء الحكومات العربية والجامعة من وسائل الاعلام والنشر والبث، مدعوة إلى الشعور بضرورة تسخير كل هذه الوسائل والإمكانات لعملية تعبئة فكرية وروحية واسعة النطاق. عملية مدركة للأخطار التي تهدد الوجود العربي من أساسه ما لم تكن الجماهير العربية على مستوى الشعور بمسؤولية الدفاع عن هذا الوجود، عملية تحيط بالوسائل وتفيد منها وتستثمرها على أحسن وجه، وتترجمها على الصور التالية:

فرض القضية على مناهج المدارس والمعاهد والجامعات، ووضع مقررات مدرسية للمطالعات تضم مختارات من الأدب القومي الفلسطيني.

  1. رصد جوائز سنوية لتشجيع الدراسات وكتابة المسرحيات والروايات والقصص ودواوين الشعر وكل ما اتصل بالأدب القومي.
  2. استكتاب أقلام تكتب بلغات أجنبية في موضوعات تتناول القضية الفلسطينية وتشرح نواحيها. وترجمة آثارنا إلى اللغات الأخرى، والعمل على أن ننشر هذه الدراسات بحيث تؤدي الغاية منها.
  3. انتاج سينمائي تدور موضوعاته حول النواحي الإنسانية لقضية فلسطين له من القيمة الفنية ما يسمح له بأن يعبر الحدود، وإهداؤه للحكومات والشعوب الصديقة، وتذليل أية عراقيل اقتصادية أو سياسية قد تنهض في وجهه.
  4. إنشاء مراكز للبحوث العلمية في موضوع القضة ومساندة المراكز القليلة القائمة حاليا وتوسيعها.
  5. مساندة الصحف والمجلات والنشرات الدورية التي تحتضن قضايانا القومية بحيث تقوى على تطوير نفسها بصورة تستطيع معها استقطاب كتاب من مستويات فكرية رصينة.
  6. احتضان الأدباء والمفكرين الأجانب المتعاطفين مع القضية الفلسطينية لتعويضهم عن الضغط والاضطهاد الذي يتعرضون له في المناخات التي تنشط فيها الصهيونية العالمية.
  7. استغلال عملية التبادل الثقافي مع الدول في تقديم الأدب القومي باطاراته المختلفة على غيره من الآثار.
  8. افساح المجال بصورة أكثر جدية في الإذاعات العربية المختلفة لما يسمى برنامج بحيث يتسع لتجسيد أعمال أدبية ذات قيمة تفلح في خلق التعاطف اللازم بين المستمع والقضية، وكذلك استغلال التلفزيون وتسخيره لعملية التعبئة المطلوبة.

هذه هي المقترحات التي تخطر في البال على ضوء ما نملك من وسائط ووسائل، والإفادة منها بصورة صحيحة وفعالة ترتبط دون شك بمدى ما تشعر الحكومات العربية انها جادة في الاعداد لمعركة.

فإذا ما رحب الأفق أمام الأديب العربي وتحسنت الظروف بحيث تغدو مواتية لخلق شيء ذي قيمة، ولم تحد العقبات السياسية والمادية من انطلاقه وجد أنه مدفوع إلى تكريس فنه لخدمة العمل القومي ونحن في نهاية الأمر لا نستطيع إلا أن نعترف بأنه إنسان ذو مطالب، وأن تحقيق مطالبه يوفر له مناخا حياتيا على التثقف والإنتاج، فلا يذل قلمه إذلالا في النوافل، ولا تدفعه حاجته المادية إلى التماس الجزاء من جهات أجنبية تغدقه عليه على حساب كم فمه عن معالجة قضايا القومية.

 

*سميرة عزام: كاتبة وصحفيّة ومترجمة فلسطينيّة ولدت في مدينة عكّا عام 1927. هاجرت مع عائلتها بعد النكبة إلى لبنان، ثمّ غادرت عائلتها لتصبح مديرة مدرسة للبنات في العراق الّتي بدأت فيه حياتها المهنيّة الإذاعيّة والصحفيّة. في كانون الأوّل عام 1959 تزوّجت من الأديب يوسف حسن، وعادت إلى بيروت، حيث انشغلت بالكتابة والنشاط السياسيّ، واشتغلت على ترجمة العديد من الكلاسيكيّات الأدبيّة من الإنجليزيّة إلى العربيّة. تُعْرَفُ عزّام بأنّها رائدة القصّة القصيرة الفلسطينيّة، وقد نشرت العديد من المجموعات القصصيّة ومنها؛ «أشياء صغيرة» (1954)، «الظلّ الكبير» (1956)، «قصص أخرى» (1956)، «الساعة والإنسان» (1963).