الأحد  22 كانون الأول 2024

جنود مجهولون في حفظ الذاكرة

مبادرات فردية لجمع الأرشيف الفلسطيني

2023-05-09 01:50:26 PM
جنود مجهولون في حفظ الذاكرة
تعبيرية

 

تدوين- سوار عبد ربه

عملت مجموعة من الأفراد المهتمين بالتراث الفلسطيني في الآونة الأخيرة على تنظيم مبادرات للبحث عن الأرشيف الفلسطيني وتجميعه في محاولة لحفظ التاريخ والذاكرة، هذه التي عبر عن أهميتها الكاتب الفلسطيني الراحل سلمان ناطور بقوله: "ستأكلنا الضباع إن بقينا بلا ذاكرة".

ستأكلنا الضباع إن بقينا بلا ذاكرة

واحدة من بين المبادرات الفردية هذه، كانت للشاب علي عريقات، الذي أخذ على عاتقه مهمة الغوص في هذا الأرشيف المشتت، في محاولة للملمة شتاته، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل أن يحجبه غبار الزمن، ولمواجهة الرواية الصهيونية المتغلغلة.

وفي لقاء خاص مع تدوين، قال الباحث في التراث الفلسطيني علي عريقات: "بدأ الأمر كهواية، ثم رحت أبحث طويلا عن الأرشيف عبر الشبكة العنكبوتية، وفي بعض الدول العربية كلبنان والجزائر وتونس والأردن، من خلال السؤال عمن يمتلك مواد أرشيفية وصورا تذكارية عن الثورة الفلسطينية، بالإضافة إلى الأرشيف المرئي والمسموع". وكذلك من خلال شراء مواد ووثائق فلسطينية تقتنيها مواقع أجنبية على نفقته الخاصة.

يرتكز مشروع عريقات البحثي على أرشيف سينما الثورة الفلسطينية، بالإضافة إلى الوثائق المتروكة منذ زمن فلسطين الانتدابية وكذلك فترة النكبة عام 1948.

وعن اهتمامه بالأرشيف السينمائي أوضح الباحث الذي يعمل في هذا المجال منذ 13 عاما، أن السينما مهمة جدا في السياق الفلسطيني، خاصة سينما الثورة الفلسطينية التي استشهد عدد من مؤسسيها في أرض المعركة، وهم يوثقون الأحداث، ويقاتلون بعدساتهم جنبا إلى جنب مع الفدائيين.

ويسعى الباحث لتوثيق كل ما جمعه حتى الآن في كتاب سيحمل عنوان: "بيروت لا وقت للدموع". الذي سيضم بين دفتيه مجموعة الأرشيف المحرر في صفقة التبادل التي جرت عام 1983، بعدما سرق الاحتلال أرشيف مركز الدراسات التابع لمنظمة التحرير أثناء اجتياح بيروت عام 1982.

وأسفرت سرقة المركز عن استيلاء الاحتلال الإسرائيلي على مئات الكتب النادرة والمراجع والمخطوطات، بالإضافة إلى مقتنيات الأرشيف من ملفات وأشرطة "ميكرو فيلم"، إلى جانب مصادرة آلات تصوير وأجهزة تسجيل وأشرطة مُسجلة كتاريخ شفوي، كالتسجيلات الصوتية مع ضباط فلسطينيين شاركوا في أحداث أيلول 1970 في الأردن، وتسجيلات صوتية مع أعلام الثقافة الوطنية الفلسطينية. لتكون هذه الحرب معلنة ضد الذاكرة ومع "الورق"، أداة لإخفاء ما تبقى من أرشيف الفلسطينيين.

ومنذ احتلال فلسطين عام 1948 حتى اجتياح بيروت في 1982 سرق الاحتلال الإسرائيلي نحو 38 ألف فيلم، و2.7 مليون صورة، و96 ألف تسجيل، و46 ألف خريطة وصور جوية من أرشيف الفلسطينيين، ووضع بعضها في أرشيف "الجامعة العبرية".

مجهود فردي

وأكد عريقات أن هذه المعلومات والوثائق والمواد التي قام بجمعها حتى اللحظة تمت بمجهود فردي، ويعمل على توثيقها عبر صفحته الشخصية في "فيسبوك" كي تكون في متناول الجميع، بالإضافة لإعداده حلقات حول يوميات الثورة الفلسطينية في لبنان، حتى خروج المقاومين منها.

وأشار الباحث في الأرشيف الفلسطيني عريقات، أن هذا العمل الذي يقوم به، يستهدف الجيل الجديد لتعريفه في إرثنا وتاريخنا بشكل واع، بعدما عمل الاحتلال على طمسه وحرقه وإخفائه.

ويرى عريقات أن الجيل الجديد لا يعي الماضي، وهذه الأوراق الثبوتية يجب أن تخرج للعلن وأن تتناقل عبر الأجيال كي نثبت أحقيتنا على هذه الأرض، في ظل تغلغل الرواية الصهيونية التي عملت على طمس الأرشيف، والادعاء بأننا شعب بلا هوية وليست لنا جذور.

ويصف عريقات مهمة البحث في الأرشيف وجمعه بالشاقة، لا سيما في ظل التقييدات التي تفرضها مواقع التواصل الاجتماعي على المحتوى الفلسطيني، والذي يكلف الناشرين لهذه المواد تقييدا لصفحاتهم وإغلاقها ما يعني أن الأرشيف الذي يحاولون توثيقه بعد الضياع، يضيع مرة أخرى بفعل هذه السياسات.

أتتبع التسلسل الزمني والأحداث اليومية، الأمر الذي جعلني أتنبه لأحداث كثيرة مغيبة حتى عن الشبكة العنكبوتية ومنصات التواصل الاجتماعي والمراجع، التي لا تذكرها

أما عن آليات الجمع، قال عريقات: "أتتبع التسلسل الزمني والأحداث اليومية، الأمر الذي جعلني أتنبه لأحداث كثيرة مغيبة حتى عن الشبكة العنكبوتية ومنصات التواصل الاجتماعي والمراجع، التي لا تذكرها.

ونوه الباحث إلى أن العاملين في مجال الأرشيف عددهم قليل، وهناك تقصير من قبل المؤسسات في هذا الجانب، التي بدورها يجب أن تولي اهتماما بالغا بالأرشيف، كما أن التواصل بين الأفراد المهتمين بالأرشيف معدوم، فكل يغني على ليلاه.

أما عن دور الأرشيف في التصدي للرواية الصهيونية، قال عريقات إن الوثائق التي نقوم بجمعها كلها مؤرخة، وبهذا التواريخ هي من تتصدى للرواية الصهيونية التي يحاول الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنون تسويقها، وهذا الأمر بات غير مخفي على أحد، لذا من الصعب أن تُطمس هويتنا إذا امتلكنا أرشيفنا الذي بات يشهد اهتماما واضحا من قبل الأفراد في الفترة الأخيرة.

مؤسسة خزائن

ليس الأفراد وحدهم من يهتم بمجال الأرشيف الفلسطيني، ففي العام 2016 انطلقت مؤسسة خزائن في مدينة القدس، بهدف توثيق الحياة المجتمعية والتاريخ المجتمعي الذي يحكي عن تاريخ الناس العاديين والتغيرات الاجتماعية وتأثيراتها عليهم من خلال ربط الأحداث وفق تسلسل زمني، بحسب ما قاله مؤسس ومدير خزائن فادي عاصلة في لقاء مع تدوين.

وخزائن هو اسم ورد بالثقافة العربية، يعني المكتبة، فبحسب مؤسسها، عرفت المكتبة بتاريخها الطويل، كمؤسسة يجتمع فيها الناس ليكتبوا وينسخوا ويحفظوا الكتب، ومن هنا تولد اسم خزائن.

وأوضح عاصلة أن خزائن تهتم بجمع "الأفيميرا"، وهي مواد قصيرة المدى، تعكس بشكل كبير حياة المجتمع وتاريخه وذكرياته، كدعوات الأفراح والمنشورات والإعلانات التجارية والثقافية والأمسيات الفنية وغيرها مما لا تهتم لأمره مؤسسات الأرشفة الأخرى التي تحصر الأرشفة بالكتب، إذ تصل أيدينا يوميا أوراق كثيرة ذات مضامين متنوعة، في الغالب لا نلتفت لأمرها بل نتركها حتى نمل منها ونضعها في سلة المهملات، لكن مؤسسة خزائن تجد في هذه الأوراق كنزا تسعى من خلال جمعه وتوثيقه إلى الاحتفاظ به والمحافظة عليه.

وأضاف مدير مؤسسة خزائن: "تأتي أهمية هذه المواد لكونها تحفظ التاريخ المجتمعي، كما وتستخدم كمرجع مهم للباحثين والدارسين، حيث تهتم المؤسسة بكل المواد سواء تاريخ قديم أو حديث.

وتحولت خزائن عام 2017 لمؤسسة موقعها في مدينة القدس، جامعة لعدة متطوعين من مختلف دول العالم، يجمعون موادهم لكافة دول الوطن العربي، لكن تركيزهم الأكبر على فلسطين كونها بؤرة صراع.

وحول آلية عمل المؤسسة أوضح عاصلة: "يقوم بعض الأشخاص والمجموعات بتزويدنا بالمواد، ثم يقوم الفريق التقني بفرزها، وتصنيفها وتبويبها، ثم تدخل بعملية المسح الضوئي كي تتحول من مادة ورقية إلى مادة رقمية باستخدام مواد مضادة للأكسدة، لحفظ الورق مدة ما بين 70-100 عام"، إذ تصل المواد من مختلف دول العالم، إلى القدس، وتحفظ فيها.

ويتابع: "نضع المواد على صفحاتنا بمختلف مواقع التواصل الاجتماعي، وفي جعبتنا 100 ألف ورقة 3000 منها إلكترونية ونعمل بشكل مستمر على زيادة العدد"، منوها إلى أنهم يمتلكون من المواد ما يعود للعهد العثماني، بالإضافة إلى كتب منذ عام 1880، ومنذ أيام بدايات دخول المطبعة إلى فلسطين، إلى جانب الإعلانات القديمة.

ويشير عاصلة إلى أن كل شخص يستطيع المساهمة في بناء الأرشيف ويسجل ويحفظ باسمه ويبقى مصدرا للمعلومات دون محو اسمه، مضيفا أنهم عملوا مدونة لتحفيز الناس من خلالها على الكتابة بالتاريخ المجتمعي ويوجد نحو 20 مقالا كتبت من خلال أرشيفنا.

الأفراد هم من يصنعون الأرشيف، حيث يستطيع كل شخص المساهمة من خلال إيداع أي قصاصة ورقة يريدها

وحول ما يميز خزائن عن غيرها من الأرشيفات يقول عاصلة: "الأفراد هم من يصنعون الأرشيف، حيث يستطيع كل شخص المساهمة من خلال إيداع أي قصاصة ورقة يريدها، سواء كانت قديمة أم حديثة، كما تقوم خزائن بتدوين قصص الأشخاص الذين وضعوا أرشيفاتهم، بحيث تحفظ الملفات بأسمائهم وتشير إلى أسمائهم في أي استخدام لهذه المواد".

يذكر أن  26 متطوعا ومتطوعة يعملون مع المؤسسة في عدة بلدان، منها سوريا ولبنان ودول المغرب العربي، والكويت، بالإضافة إلى متطوعي فلسطين.