تدوين-تغطيات
أقام معهد إبراهيم أبو لغد للدراسات الدولية بالتعاون مع دائرة العلوم السياسية/ كلية الحقوق والإدارة العامة في جامعة بيرزيت، نقاشا لكتاب "من الطرد إلى الحكم الذاتي: المسعى الصهيوني لوأد فلسطين" للدكتور علي الجرباوي، وهو أستاذ العلوم السياسية في الجماعة.
وصدر الكتاب مؤخرا عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بحث فيه الجرباوي في حيثيات الحكم الذاتي، وفي الكيفية التي أوصلت إسرائيل إلى اعتماده، وفي المسار الذي اتبعته حتى توصلت إلى اتفاق مع منظمة التحرير الفلسطينية لتنفيذه.
وقال الأستاذ المساعد في دائرة العلوم السياسية هاني موسى، إن تجربة الجرباوي وخبرته الطويلة أضافت أهمية لهذا الكتاب، حيث تركزت جل كتاباته في العقود الثلاث الأخيرة في دراسة وتحليل النظام السياسي الفلسطيني، سلوكه ونواظمه ومحدداته وأزماته، وتفاعلاته الإقليمية والدولية، إضافة إلى كتاباته الغزيرة في موضوع المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، متنقلا في منشوراته بين مجلّات متعددة ومهمة مثل شؤون فلسطينية ودراسات فلسطينية وسياسات عربية والمستقبل العربي".
وبحسب موسى، يحوي الكتاب في طياته أفكارا جديدة في غاية الأهمية، لم يسبق طرحها من قبل أهمها، وتتمثل في جوانب القصور النظرية والسياسية التي يعاني منها (الحكم الذاتي الفلسطيني)، والتحول الجذري بعد حرب عام 1967، المتمثل في لجوء إسرائيل تدريجيا إلى خيار الحكم الذاتي والانتقال من الترانسفير الفيزيائي نظرا لتعذر تحقيقه، إلى الترانسفير القانوني، أيضا سبل تطبيق الحكم الذاتي خارج نطاق السيادة الإسرائيلية، وسبل مواجهة هذا الواقع الذي وصفه الجرباوي، بالعلقة.
ويرى موسى أن حيثيات الكتاب بالنسبة للقارئ الفلسطيني قد تكون مؤلمة وتثير الأسف لما تكشفه من سيل متراكم من الأخطاء الفلسطينية، والتي أوصلت الحالة الفلسطينية إلى ما يسمى بالحكم الذاتي بوضعيته الحالية.
حيثيات الكتاب بالنسبة للقارئ الفلسطيني قد تكون مؤلمة وتثير الأسف لما تكشفه من سيل متراكم من الأخطاء الفلسطينية، والتي أوصلت الحالة الفلسطينية إلى ما يسمى بالحكم الذاتي بوضعيته الحالية
أما أستاذ القانون في جامعة بيرزيت عاصم خليل، فاعتبر أن الكتاب هو محاولة لفهم تاريخ الحركة الصهيونية والحركة الوطنية الفلسطينية واشتباكهما في جغرافيا وزمان محددين كخلاصة وانطلاق لتاريخ مستمر ومتسارع باتجاهات غير واضحة المعالم فيه استمرار لهيمنة وسيطرة وحكم استعماري لمجموعة، على حساب شعب فلسطيني ما زال يطالب بدون كلل بحقه في تقرير المصير.
الكتاب هو محاولة لفهم تاريخ الحركة الصهيونية والحركة الوطنية الفلسطينية واشتباكهما في جغرافيا وزمان محددين كخلاصة وانطلاق لتاريخ مستمر ومتسارع باتجاهات غير واضحة المعالم
ووفقا لخليل، هذا الكتاب هو عن تاريخ القضية الفلسطينية أيضا وهو جزء من تاريخ المنطقة العربية، بل وتاريخ الصراع المستمر بين الغرب والشرق، بين أوروبا واللاسامية فيها، والصهيونية من جهة، والحركة القومية الفلسطينية، وهو ملخص للتاريخ، يمتاز بالانتقال السلس بين زوايا وخبايا هذا التاريخ بطريقة منسجمة ومتكاملة.
ينطلق الدكتور علي في الفصل الأول لتعريف ماهية الحكم الذاتي ليستنتج بأنه ليس المقصود بالنسبة للحكم الذاتي في حالة ما استجلبته إسرائيل للتعامل مع الفلسطينيين، وبأن هذا استجلاب بالمقابل من الحقبة الاستعمارية التي تبنت أسلوب الحكم غير مباشر، وفقا لخليل.
أما عن الصهيونية فيشير الجرباوي لما هو الألف باء اليوم حول الصهيونية، بأن الصهيونية هي فكرة أوروبية وحركة أوروبية المنشأ وأيضا اللاسامية، وقد نجد هذا بطيات الكتاب.
إلا أن عاصم خليل يرى أنه لا يوجد شيء اسمه أوروبا فقط، فإن لم يكن لدينا شأن في الصهيونية أم اللاسامية من حيث المنشأ في الماضي فلدينا الآن شأن كبير بهم، فما ينتج عنها يؤثر على ما يحدث خارج أوروبا اليوم، ويتأثر بها.
وفي قراءتها للكتاب، قالت الأستاذة المشاركة في دائرة العلوم السياسية لورد حبش، إن الكتاب، يتناول ثلاث قضايا أساسية، الأولى تتبع فيها الجرباوي المنهج الأركيولوجي الفوكوي، عندما بحث في أصل مفهوم الحكم الذاتي فتتبع تشكله جماليا، والتجديدات التي أدخلت عليه، وهذا مهم للتأسيس للتغيرات الجذرية التي أدخلتها الحركة الصهيونية والاحتلال على هذا المفهوم واستخداماته.
أما الثانية، وفقا لقراءة حبش، يبحث في المشروع الصهيوني والمعضلة الأساسية التي واجهها وهي السكان الفلسطينيين وعدم القدرة على تهجيرهم لتحقيق الحلم الصهيوني، فلجأوا إلى فكرة الحكم الذاتي، والثالثة هي العلقة الفلسطينية وما أنتجته المفاوضات مع الاحتلال.
وترى حبش أن من يقرأ الكتاب يعيش حالة من الإحباط النفسي الكبير لأن قراءته بشكل متتالي يظهر لنا اخفاقاتنا الذاتية المتتالية، رغم أن الكتاب لا يهمل العوامل الدولية والاقليمية، إلا أنه يركز على اخفاقاتنا الداخلية، ولهذا جاء في الإهداء لكي نتعلم من أخطائنا ولا ننسى.
وبحسب حبش، الكتاب يقدم أطروحة مغايرة لما هو معروف فلسطينيا أن الفائدة الأكبر من وجود السلطة الوطنية بالنسبة لإسرائيل هي التنسيق الأمني، إلا أن الكتاب يدعي أن الفائدة الأكبر للاحتلال هي سلطة الإبقاء على الحكم الذاتي والترانسفير القانوني للفلسطينيين، فالاحتلال وقع في معضلة الوجود الفلسطيني ولم يستطع حلها إلا عن طريق الحكم الذاتي لغاية الآن، فحولنا إلى ذوات غير مرئية ولكن بطريقة مختلفة.
يقدم أطروحة مغايرة لما هو معروف فلسطينيا أن الفائدة الأكبر من وجود السلطة الوطنية بالنسبة لإسرائيل هي التنسيق الأمني، إلا أن الكتاب يدعي أن الفائدة الأكبر للاحتلال هي سلطة الإبقاء على الحكم الذاتي
أما مؤلف الكتاب، فقال إن الحركة الصهيونية قامت بالأساس على خرافة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، وكل محاولات الحركة الصهيونية حتى عام 1948 كانت تصب باتجاه طرد الفلسطينيين وإحلال مكانهم، الأمر الذي نجحت فيه عام 1948، باستيلائها على 78% من أراضي فلسطين التاريخية، وطرد نحو 800 ألف فلسطيني، أي الأغلبية الكبرى، ما يعني أن المشروع الصهيوني آنذاك حقق قصة نجاح.
الحركة الصهيونية قامت بالأساس على خرافة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، وكل محاولات الحركة الصهيونية حتى عام 1948 كانت تصب باتجاه طرد الفلسطينيين وإحلال مكانهم
أما المفارقة العجيبة في المشروع الصهيوني بالنسبة للجرباوي فتمثلت في العام 1967، التي شهدت الحرب المسماة إسرائيليا بحرب الأيام الستة، والتي جاءت بهذا الاسم لإهانة العرب، كونها احتلت 7 أضعاف المساحة خلال 6 أيام فقط، محققة بهذا انتصارا عسكريا هائلا، إلا أن هذا الانتصار خلق معضلة للمشروع الصهيوني، لأنه أصبح يسيطر على الأرض لكن في وجود فلسطيني كثيف.
ويكمل: لذلك أصبحوا غير قادرين على طردنا فيزيائيا، فتحول الفكر لإيجاد حل إجرائي، ومن عنا بدأوا بمداولات ما أسموه "الحكم الذاتي" أي فصلنا عنهم رغم وجودنا على الأرض، محاولين بهذا منع إمكانية أن نصير جزءا من "إسرائيل".
أما عن شروط تحقق الحكم الذاتي حول العالم قال الجرباوي، إنه يتحقق داخل حدود الدولة، وعلى الناس أن يكونوا جزءا من حدود الدولة، وبالتالي تمنحهم الدولة إقليم من أقاليمها في نفس الدولة، مع حقوق إضافية بموجب اتفاقيات، كالأكراد في العراق الذين هم عراقيين بالأصل، لكنهم يتمتعون بحكم ذاتي في إقليم معين. أما في الحالة الإسرائيلية، فبين الجرباوي أنه لا يمكن إعطاء حكم ذاتي لأرض ليست ضمن سيادتهم، ولناس ليسوا جزءا من المواطنين.
لمتابعة النقاش كاملا: