تدوين- سوار عبد ربه
يبدو أن عالم الأسرى سيظل مليئا بتفاصيل يجهلها عامة الناس، حتى أولئك الذين نهلوا من أدب السجون ما يعتقد أن كافيا لفهم التجربة، والاطلاع على كافة تفاصيلها، سيما في ظل حرص الأسرى على توثيق تجاربهم وقضيتهم في عشرات المؤلفات التي أصدروها على مر تاريخ قضيتهم، إلا أنه مع كل مرة تستمع فيها لرواية أسير، يفاجئك أنك لا زلت تجهل خبايا التجربة، خاصة المحررين الذين يؤنسنون تفاصيلهم اليومية التي يعيشونها داخل السجن.
باسل غطاس، واحد من أولئك الأسرى الذين أتيح لهم فرصة أن يحمل الميكروفون، أمام مجموعة ممن حضروا حفل إطلاق كتابه "أوراق السجن .. من أروقة الكنيست إلى سجون الاحتلال"، فنسي الكتاب، ونسي فصوله، وكل ما هو مرتبط بحفلات إشهارات الكتب المعتادة والرتيبة، وأخذ يروي للجمهور تفاصيل يومية يعيشها الأسرى داخل السجن، واللحظات التي يكون بها الأسير في قمة سعادته، بعضها مرتبط بنوع الثياب التي يرتديها، فواحد من الأسرى وفقا لرواية غطاس، قمة سعادته تمثلت في قميص ذي كتافات يحبه كان يلبسه، ويضع في جيبه قلم قديم لا قيمة حقيقة له في عالمنا نحن الذين نعيش خارج السجن، إلا أنه يساوي الكثير عنده.
أما عن واحدة من اللحظات التي لا ينساها غطاس كانت عندما دخل السجن لأول مرة ببنطلون جينز، غير المسموح ارتداءه هناك، وبعد انقضاء مدة من المحكومية، "شاويش الفورة"، جلبه له فراح غطاس يجول به بالساحة بين الأسرى وأخذ يسمع عبارات ك "وين مشخص"، "رايح على عرس"، وحينها طلب منه أسير آخر أن يأخذه فأهداه إياه إلا أن فرق الطول بين الاثنين لم يسمح بالإبقاء عليه معه، فأعاده إلى باسل.
حاول باسل من خلال هذه الحادثة التي استذكرها أن يخبرنا عن أقسى آمال الأسرى داخل السجون، التي تتمثل في هذا الجانب بلباس معين يعمل السجان على حرمان السجين منه، معبرا عن هذا بسؤال " ما معنى أن يمنع الأسير من أن يلبس العادي"؟
حاول باسل من خلال كتابه وحفل الإشهار أن يسلط الضوء على عالم الأسرى، العالم المتكامل حتى بمصطلحاته على حد تعبيره، من خلال نقل كل شيء بدقة ملاحظة شديدة بعين أسير حديث، عمل في الحقل السياسي والعمل الجماهيري لعشرات السنوات.
وباسل غطاس هو سياسي من فلسطينيي الداخل المحتل، ورجل أعمال وحاصل على الدكتوراه في الهندسة البيئية، شغل منصب عضو كنيست عن حزب التجمع الوطني الديمقراطي بين الأعوام 2013-2015، وانتخب ضمن القائمة المشتركة عام 2015.
وفي 20 كانون الثاني عام 2016، بثت وسائل إعلام تسجيل له خلال محاولة تهريب هواتف خلوية لأسرى فلسطينيين، وفي 17 آذار 2017 قدمت ضده لائحة اتهام، وحكم بالسجن الفعلي لمدة سنتين.
ابتعد باسل في حفل إشهار الكتاب عن رتابة هكذا حفلات، وتحول من مؤلف للكتاب إلى حكواتي، جذب الحضور بقصصه الحقيقية، وأسلوبه السردي أدخلنا إلى عالم السجن بتفاصيل قد تبدو ليست مهمة مقابل رغبتنا في المعرفة عن الخطوط العريضة لقضية الأسرى.
وجاء ضمن بضع كلمات عرج فيها باسل على الكتاب: "حاولت من خلال كتابتي أن أسلط الضوء على الحياة اليومية للأسرى، بتفاصيلها، فالكتاب مليء بتفاصيل مناسباتنا الاجتماعية، وطريقة احتفالاتنا، وغيرها من القضايا اليومية.
ويرى باسل أنه يوجد حالة توجيه من المؤسسة العنصرية الفاشية نحو الأسرى لذا حاول من خلال هذه الأمسية أن يشدد على أن الموضوع ليس الكتاب إنما إعادة مركزية الحركة الأسيرة في حياتنا كمجتمع.
من جانبه، قدم الأكاديمي عبد الرحيم الشيخ قراءة للكتاب قال فيها "كتب باسل غطاس مذكراته في السجن، في فترة أسره التي امتدت من 2 تموز 2017 إلى 27 أيار 2019، في خمسة سجون وسبعة أقسام وعلى كتابة أهداه إياها وليد دقة".
وعرج الشيخ على سبب دخول غطاس إلى السجن بقوله: "دخل باسل السجن إثر محاولته إدخال هواتف نقالة للأسرى متأثرا بمعاناة أمهات الأسرى اللواتي فقدن القدرة على زيارة أبنائهن، وبدأت حملة الملاحقة والشيطنة الصهيونية لباسل وحزبه فتنازل عن حصانته المخترقة لأنه عربي واحتجز بغرض التحقيق واستقال من البرلمان وواجه المحاكم الصهيونية والنيابة ودخل السجن بعد قرابة سبعة أشهر من فعلته النكراء ودفع غرامة مالية عالية".
بعد دخول السجن بقليل توقف باسل عن عد الأيام وصار أسيرا "عنجد"، وفقا للشيخ، "يصف الأيام ولا يعدها، كتب مذكراته التي تعرضت للمصادرة ثلاث مرات، مرة خلال النقل من "هداريهم" إلى نفحة ومرة خلال إخراجها ومرة خلال محاولة إدخالها ثانية ليطلع عليها الأسير وليد دقة، لكن باسل كان أكثر حظا من وليد إذ تمكن من استعادتها عن طريق المحكمة وبعد أربع سنوات أيضا تصلنا اليوم وثيقة باسل غطاس في كتاب".
وبحسب د. عبد الرحيم الشيخ، "الكتاب يحوي مقدمتين للأسيرين مروان البرغوثي ووليد دقة، وقد تحلل فيها باسل من الترتيب الزمني لصالح ترتيب الزمن في 11 فصلا، تصف الفورة والبريد المتأخر، والأوضاع الصحية، وجامعة السجن، والبوسطة والزيارات والحياة الاجتماعية ومقتنيات المكتبة، وحكايات الرفاق".
وتابع:" باسل قد ناضل في صفوف التجمع الوطني الديمقراطي، ووجد نفسه يقاتل في سبيل إحداث كوة تواصل بين سكان السجن الأصغر من الأسرى وسكان السجن الأكبر من أهاليهم، كان هدفه تحرير أصوات الأسرى وقد عز تحرير أجسادهم".
وكان الأكاديمي والباحث علاء العزة، الذي أدار الحوارية، قد عرض ملاحظات أساسية حول نص كتاب باسل غطاس، وقال: "على الرغم من عمليات التنظير حول جمود الزمن في تجربة السجن إلا أن نص باسل ومذكراته اليومية تعطي حسا بالحياة الكاملة لتجربة السجن".
وأضاف: "من يقرأ الكتاب يستطيع أن يقرأ مادة توضح تفاصيل الروتين اليومي، وأشكال المقاومة، كما أن النص يوضح التجربة دون عمليات تجريد عالية للتجربة ذاتها، ودون عمليات تنظير سياسي أو تأويلات تجاوز التجربة المعاشة.
وحول لغة غطاس، قال العزة، إن اللغة سلسلة وقريبة للقلب وتجعل القارئ لا يستطيع التوقف لمتابعة تفاصيل التجربة، مشيرا إلى هناك آلية تأويل واحدة يقوم بها باسل إذ ينظر لتجربة الأسرى من زاوية الجماعة الوطنية الموحدة، وأيضا من زاوية مقاومة الاستعمار، وهي الزاوية الأخلاقية التي اعتمدها باسل لكتابة التجربة على شكل مذكرات.
وعرج العزة على فكرة الذاكرة والمذكرات بقوله: على الرغم من أن الكتاب يصدر ضمن سلسلة ذاكرة فلسطين، وهي عبارة عن مذكرات تفصيلية لتجربة باسل، إلا أن استطاعة باسل بأن يكتب تجربته الذاتية وأيضا تجربة الأسرى الآخرين، من خلال قدرته على المعرفة واستنطاق التجارب من الآخرين والحديث معهم وعنهم هي نقطة قوة تميز طريقة الكتابة التي اعتمدها باسل.
أما الملاحظة الثالثة التي تنبه لها العزة ارتبطت بعنصر الزمن، إذ لم يعتمد باسل على الترتيب الزمني المستمر باعتباره زمنا فارغا أجوفا متراتبا وإنما باعتبار الزمن نقطة مفصلية في التجربة، فجاء ترتيب الفصول في الكتاب ليست زمانية وإنما من خلال مواقع وتجربة السجن.
لمتابعة الحفل كاملا: