السبت  20 نيسان 2024

أدباء روس رفضوا جائزة نوبل

2023-05-28 01:40:21 PM
أدباء روس رفضوا جائزة نوبل
جائزة نوبل

تدوين- ثقافات 

نشرت مجلة الثقافة الجديدة الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية، في عددها 338 مقالة للدكتور محمد نصر الدين الجبالي. بعنوان "أدباء روس رفضوا جائزة نوبل".

وفيما يلي نص المقالة:

في السادس من أكتوبر 2022 منحت لجنة نوبل في الآداب الجائزة للكاتبة الفرنسية آني إرنو، وقبل ذلك بمائة وستة عشر عامًا كان ليف تولستوي أول كاتب في تاريخ الجائزة يرفض نيل شرف الفوز بها، والحصول على قيمتها المالية الضخمة.

وتعتبر جائزة نوبل في الآداب الجائزة الأهم في هذا المجال عالمًيا، وتمنح الحائز عليها شهرة عالمية واعترافًا هائلا فضلا عن قيمة الجائزة المادية الكبيرة، وتم تأسيس الجائزة في عام 1901.

غير أن هناك عددًا من الأدباء في العالم رفضوا الجائزة لأسباب مختلفة، سواء لاعتبارات شخصية أو لضغوط حكومية، ولم يعتبر البعض منهم نفسه مستحقًا للجائزة أو اعتبروا أنه من الصعوبة السفر لاستلامها، وهناك من رفض الترشح من الأساس، رغم توصية اللجنة باسمه، ولعل أشهرهم بوريس باسترناك وألكسندر سولجنتسين وبرنارد شو وجان بول سارتر وليف تولستوي.

برنارد شو

ومن الروس هناك 3 أدباء رفضوا استلام الجائزة أو الفوز بها وهم بوريس باسترناك وألكسندر سولجنتسين وليف تولستوى.

أما باسترناك فقد رشح للمرة الأولى للجائزة في عام 1946 ثم أعيد ترشيحه في أعوام 1948 و1949 و1957 حتى مُنح الجائزة أخيرا في عام 1958، حيث تم الإعلان عن فوزه يوم 23 أكتوبر 1958. غير أن خبر الفوز هذا لم يمنح باسترناك الاعتراف محليا أو السعادة، بل على العكس من ذلك، فقد انهالت عليه الانتقادات اللاذعة من زملائه الأدباء حتى تم فصله من اتحاد الكتاب السوفييت.

وكان الحديث عن ترشيح باسترناك للجائزة قد بدأ عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية مباشرة، حيث تم ترشيحه عدة مرات حتى فاز بالجائزة في عام 1958.

وقد علم باسترناك بالخبر بشكل غير مباشر عندما انهال عليه هجوم النقاد وارتفاع وتيرة الاتهامات ضده، وكان يتوجب عليه أحيانًا أن يقدم المبررات حتى يبعد التهديدات المرتبطة بشهرته أوربيا وعالميا، ولذا ولكي يبرر الاهتمام المتزايد بأعماله، قام بكتابة روايته "دكتور زيفاجو" بتركيز شديد وشغف كبير، وهي الرواية التي تمثل درة إبداعاته عن الحياة الروحية الروسية.

بوريس

وكان على باسترناك رفض الجائزة وأدت الضغوط التي مورست ضده من قبل زملائه والسلطات إلى اشتداد مرضه، ومن ثم وفاته خلال عامين، وقد تحدث ابنه يفجيني باسترناك لاحقا عن معاناة أبيه والألم الذي لحق به في خريف عام 1958. وكانت روايته الشهيرة "دكتور زيفاجو" قد أثارت ضجة كبيرة، حيث ينتقد فيها باسترناك النظام السياسي السوفيتي وثورة 1917 والتحولات التي شهدتها البلاد لاحقا، وكانت الرواية ممنوعة من النشر في الاتحاد السوفيتي، وكانت تطبع في إيطاليا.

وكان لهذه الانتقادات أثر سيئ على صحة باسترناك، وأصيب بسرطان الرئة، ولذا فقط كتب اعتذارا رسميا عن الحصول على الجائزة، وكتب في رسالة الاعتذار يقول: "بسبب ما حدث لي في بلدي جراء الحصول على الجائزة، فإنه يتوجب عليّ رفضي الحصول عليها، وأرجو ألا تعتبروا رفضي الطوعي هذا إهانة لكم".

كان رد فعل الصحافة السوفيتية واتحاد الكتاب السوفييت والمنظمات النقابية على صدور القرار متوقعا فقد اتخذ اتحاد الكتاب قراره بفصل باسترناك ونفيه من الاتحاد السوفيتي وحرمانه من الجنسية السوفيتية، ونشرت صحيفة "أخبار الأدب" في 25

أكتوبر 1958 مقالا تتهم فيه باسترناك بأنه لعب دورا كبيرا في الدعاية الغربية المضادة للاتحاد السوفيتي. ثم انهالت المقالات والانتقادات اللاذعة

في الصحف والمجلات في الأقاليم السوفيتية المختلفة والمترامية. كما هاجمه زملاؤه من الكتاب والشعراء، وخاصة من كانوا مقربين من السلطات السوفيتي.

واستغلت الصحافة الغربية ذلك، وأخذت تهاجم حرية الرأي في الاتحاد السوفيتي، وتلقي الضوء على باسترناك وإبداعاته بشكل كثيف، وتحت ضغط هذه الحملة الشعواء ضده كتب باسترناك خطابًا إلى الرئيس السوفيتي نيكيتا خروشوف في 31 أكتوبر 1958 يقول فيه "أنا مرتبط

بروسيا بمولدي وحياتي وعملي. ولا أرى مصيرا لي بعيدًا عن بلادي، ومهما كانت أخطائي أو هفواتي لا أتصور أبدا أن أكون في محور اهتمام هذه الحملة السياسية التي يشنها الغرب عني"

ثم كتب في آخر الرسالة أنه اتخذ قراره برفض الجائزة، وأنه لن يسافر لاستلامها، لأن نفيه من بلاده يعنى بالنسبة له الموت، وتم نشر قراره برفض الجائزة في صحيفة "البرافدا "

في 5 نوفمبر 1958 والذي ذكر فيه أنه لم يتعرض لأي ضغط لاتخاذ هذا القرار، وأنه اتخذه بمحض إرادته وبقناعه شخصية تامة.

غير أن لجنة نوبل اعتبرت أن هذا الاعتذار كان نتيجة لضغوط من السلطات السوفيتية وليس رفضًا طوعًيا، ولذا فلم تقم اللجنة بمنح الجائزة لكاتب آخر في هذا العام، وتم تسليم الجائزة لابنه في مدينة ستوكهولم في عام 1989.

وبمناسبة حلول الذكرى المئوية لميلاد الكاتب رأت لجنة نوبل أنه من حق باسترناك استعادة حقه التاريخي وعدم الاعتراف برفض الشاعر للجائزة، واعتباره مستحقا لها كونه كان مجبرا على هذا القرار، ولذا رأت منح الشهادة والجائزة لأسرته.

والأمر نفسه تقريبا حدث مع الأديب الروسي ألكسندر سولجنتسين الذي مُنح الجائزة في عام 1970، وقد وهب الكاتب الكثير من مؤلفاته لانتقاد ستالين وأسلوبه في الحكم، وفى فترة ذوبان الجليد إبان حكم خروتشوف والذي منح الفرصة لانتقاد سياسة عبادة الفرد، أصبح من الممكن أن ترى مؤلفاته النور، مما منح سولجنتسين شهرة واسعة في الاتحاد السوفيتي.

الكسندر

غير أنه وبعد وصول بريجينيف إلى السلطة تم حرمان سولجنتسين من هذه المزايا فجأة، وتم منع أغلب أعماله من النشر، ولم يتمكن من نشرها إلا عبر ما عُرف بالساميزدات أو نسخ المؤلفات يدويا وبشكل سري، ومن ثم تهريبها إلى الخارج، وصدرت مؤلفاته في الغرب وبطبعات بلغات عديدة رغم عدم تصريح الكاتب بذلك.

وفى أكتوبر 1970 تم منح سولجنتسين الجائزة؛ فتعرض لردود فعل سلبية وانتقادات واسعة من قبل الحكومة السوفيتية التي اتهمت الكاتب

بمعاداة الاتحاد السوفيتي، واعتبرت منحه الجائزة انتقاصا من مكانة الاتحاد السوفيتي عالميا، والغريب أن أغلب أعمال الكاتب التي ينتقد فيها الاتحاد السوفيتي بشدة صدرت بعد حصوله على الجائزة في عام 1970، إذ صدرت روايته الشهيرة "أرخبيل الجولاج" في عام 1973 و "العجلة الحمراء" في 1972.

لم يكن سولجنتسين كاتبا محبوبا في الداخل، وذلك بسبب انتقاداته للسلطات السوفيتية، وبمجرد صدور قرار منحه الجائزة شنت الصحف السوفيتية هجوما لاذعا على الكاتب واتهم بالخيانة والعمالة للغرب وتمت مصادرة مخطوطات المؤلفات من بيته وحرق نسخ كتبه، ولم يتمكن الكاتب من السفر لاستلام الجائزة خوفًا من عدم التمكن من العودة.

واضطرت لجنة نوبل إلى النفي أكثر من مرة وجود أي بواعث سياسية في منحه الجائزة، وهو ما فشل في إقناع الحكومة السوفيتية، واضطر سولجنتسين إلى الاعتراف أكثر من مرة بنفسه أن قرار منحه الجائزة في عام 1970 هو قرار سياسي، ولم يسافر الكاتب إلى السويد خوفًا من عدم السماح له بالعودة مجددًا إلى الوطن، غير أنه استلم الجائزة لاحقا وبعد مرور خمس سنوات بعد أن تم نفيه من الاتحاد السوفيتي.

ويرتبط اسم الكاتب الروسي الكبير ليف تولستوي بأشهر واقعة رفض للجائزة في تاريخها، وخلافا لغيره، فقد رفض ترشيح اللجنة له من الأساس، وكان يتخذ كل الإجراءات اللازمة بهدف تجنب ترشيح اسمه، وفى عام 1901 ومع انطلاق الجائزة اعتبر تولستوي الأديب الأوفر حظا للفوز بالجائزة، غير أنه تم منحها للأديب والشاعر الفرنسي رينيه سولي برودوم، وكانت مؤلفات تولستوي في ذلك الوقت ذائعة الانتشار في عموم أوروبا. غير أن منح الجائزة للأديب الفرنسي قد خضع لاعتبارات خاصة باللجنة، حيث كتب أمين لجنة الأكاديمية السويدية كارل فيرسين يقول: "لقد قام تولستوي بتوجيه انتقادات صريحة لكل أشكال الحضارة، وأصر على تبنى نمطا بدائيا للحياة منزويا ومنكرا لكل قواعد الحضارة والثقافة الرفيعة" وكان ذلك يتناقض ولا يتوافق ومبادئ لجنة نوبل، ولذا فقد تم تجاهل اختياره للفوز بالجائزة على مدى خمس سنوات متتالية رغم ترشيحه لها.

تولستوي

وبعد ترشيحه لنوبل لأربع سنوات في أعوام 1902 و1903 و1904 و1905 قامت الأكاديمية الروسية في عام 1906 بترشيح اسمه لنيل الجائزة، وقد رفض الكاتب هذا الترشيح، وكتب من فوره خطابا إلى صديقه الفنلندي الكاتب والمترجم أرفيد يارنيفيلت يقول فيه: "لو حدث ذلك، وتم منحي الجائزة، فسيكون من الصعب وغير اللائق الاعتذار، ولذا فإني أتوجه إليك برجاء حار لكونك على ما أعتقد تربطك علاقات وثيقة مع المسئولين في السويد أن تجتهد كي لا يمنحوني الجائزة. ربما تعرف أي من أعضاء اللجنة، وربما يمكنك الكتابة إلى رئيس اللجنة والطلب منه ألا يمنحني الجائزة. أرجوك أن تفعل ذلك من أجلي، وأن تقوم بكل ما تستطيع كي لا أمنح هذه الجائزة وألا يضعوني في هذا الموقف شديد الحرج، وهو أن أضطر إلى رفض الجائزة وقد قام يارنيفيلت بتنفيذ رجاء تولستوي المهذب والرقيق، وتم منح الجائزة في هذا العام للشاعر الإيطالي جوزويه كاردوتشي، وشعر تولستوي بارتياح وسعادة كبيرين بعد عدم منحه الجائزة، حيث قال إن ذلك قد منحه شرف وسعادة كبيرة بالحصول على تعاطف الكثيرين ممن يحظون باحترامه، على الرغم من عدم معرفته بهم عن قرب. وكان السبب في الرفض هو اعتقاد تولستوي الشخصي أن القيمة الحقيقية في الحياة لا ترتبط وجوانبها المادية، وقد عبر الكاتب عن هذه الأفكار كثيرا في مؤلفاته ورسائله لأصدقائه، وذات مرة كتب يقول إن رفضه للجائزة ولأموال نوبل قد أنقذه من أن يقع فريسة لمعاناة كبيرة، وهي كيفية إنفاق هذا المال، فالمال في نظره لا يجلب إلا الشر.

فما الأهم بالنسبة للكاتب، الفوز بالجائزة أم المجد الأبدي؟ هناك من يفضل الفوز بالمال في حياته وهناك من يفضل تخليد ذكراه بعد مماته. لكل خياراته.

لقد رفض ليف تولستوي الجائزة في عام 1906 كما رفض الحصول على ملايين من الروبلات نظير طباعة مؤلفاته، وكان يصر على طباعة كتبه مجانا للقراء، وعلى كتابة عبارة "طبعة مجانية" على الصفحة الأولى من كل جزء من أجزاء مجموعته الكاملة. كما رفض تولستوي الحصول على حقوق المؤلف عن كتبه المنشورة بعد عام 1891.

يقول تولستوي "اعلموا فحسب أنكم لستم في حاجة إلى شيء على الإطلاق سوى أن تنقذوا أرواحكم وبذلك فقط نستطيع أن ننقذ العالم من حولنا".