الأحد  22 كانون الأول 2024

نكسة حزيران.. منعطف مفصلي في المشهد الأدبي

2023-06-05 02:19:17 PM
نكسة حزيران.. منعطف مفصلي في المشهد الأدبي
لرسام الكاريكاتير الأردني ناصر الجعفري

تدوين- تغطيات

شكلت هزيمة حزيران منعطفا مفصليا في تاريخ الأمة العربية بشكل عام، والقضية الفلسطينية على وجه الخصوص، إذ لم تكن هذه النكسة، نكسة على الصعيد العسكري فحسب، على الرغم من الخسارة العسكرية التي تعرضت الدول العربية، والتي أدت إلى احتلال الضفة الغربية، الجولان، سيناء، قطاع غزة، وبعض الأراضي اللبنانية، ناهيك عن آلاف الشهداء الذين ارتقوا في أعقابها. إنما كان لها تداعيات فاقت الجانب العسكري بكثير، انعكست على الثقافة والحياة الاجتماعية.

وكان للأدب نصيب في هذا التحول، ذلك لأنه يعد انعكاسا للظروف المحيطة به، فكان لا بد من أن تترك هذه النكسة بصمات واضحة فوق صفحات الكتاب وشغلت حيزا واسعا من أقلامهم وفكرهم.

وحول هذا التقت تدوين بمجموعة من الأدباء الذين تباينت آراؤهم حول أدب النكسة، وقدم كل منهم رواية مغايرة للأخرى.

دفعة للأديب العربي

لا أعتقد أن النكسة أحدثت سلبا على الأدب الفلسطيني والعربي، بل نمت فيه مناطق جديدة ردت على الهزيمة السياسية، وهذا متوقع ومفهوم حيث أن الفنون لا تهزمها الحروب ولا تكسرها الخيبات السياسية، بل تزيدها شفافية وترفع من قبول مقولاتها وتحول الكتاب والأدباء إلى مواقع متقدمة من الكتابة المناضلة والمكافحة والمساهمة في إيجاد الحلول والبدائل.

الفنون لا تهزمها الحروب ولا تكسرها الخيبات السياسية

من صور هذا الأدب الذي جاء بعد النكبة، ملحمة محمود درويش أو شفافية غسان كنفاني ويسارية ماجد أبو شرار وموجة كبيرة من الأسماء الفلسطينية التي لن تستلم لنتائج النكسة، شعراء وروائيون كثر ثبتوا المقولات الفلسطينية وقدموا للعالم أصواتا مبدعة جعلت الظلم الذي لحق بفلسطين لا يفارق ذاكرة العالم ووضع قضية فلسطين في أعلى المراتب الأخلاقية بين الشعوب.

في العالم العربي ساعدت النكسة في بروز أصوات أدبية جادة ساءلت الأنظمة العربية وانتقدت الحكام، مظفر النواب وأحمد مطر، ونزار قباني ويوسف إدريس وجمال الغيطاني، وهذا يؤكد أن النكسة لم تغلب روح الأديب العربي بل دفعته للمزيد من البحث عن الفكرة والمقولة الصحيحة التي يحتاجها الناس.

-صالح مشارقة، صحفي، وأكاديمي فلسطيني

ثلاث فرق أدبية

تغير الأدب العربي بشكل واضح وجلي في تلك الفترة، إذ أصبحنا نقول الأدب قبل النكسة والأدب بعدها، فكان الأدباء قد انقسموا فئات منهم من لم يستوعب الهزيمة فولدت له هذه الهزيمة فرصة لما يعرف بعلم النفس بالنكوص، إذ شكلت الهزيمة جرحا نرجسيا جماعيا جعل بعض الكتاب يقومون بعملية نكوص إلى ما قبل الهزيمة وما قبل النكسة بقرون وراحوا يغرفون الأحداث البراقة والمشرقة في تاريخ الأمة العربية وهذا ما يعرف بالنكوص، هذا لأن المرء عندما لا يستطيع أن يواجه حقيقة واقعية يعود إلى الخلف ليحافظ على اتزانه واستقراره.

مقابل هذه الفئة ظهرت فئة أخرى فضحت الأسباب التي أدت إلى الهزيمة ومنها التصرفات التي كانت تقوم بها الأنظمة في ذلك الوقت وكان هذا لا بد من أن يؤدي إلى تحولات بعد تراكمات، فحملوا المسؤولية للحكم العربي الذي لم يكن على مستوى تطلعات الأمة، ففي الوقت الذي كانت الأمة تفوق العدو بالعدة والعتاد انهزمت أمامه في ستة أيام. وهذه الفئة أرخت الهزيمة ظلالها على كتاباتهم وراحوا يفضحون الواقع العربي.

ظهرت فئة أخرى فضحت الأسباب التي أدت إلى الهزيمة ومنها التصرفات التي كانت تقوم بها الأنظمة 

وهناك فئة أخرى، شكلت النكسة بالنسبة لهم دافعا للحديث عن البديل والمنقذ، فبشروا بثورات وبشروا بالمقاومة، وكأن هذه الهزيمة تركت جمرات تحت رماد الموت ليخرج مثال آخر تمثل بالمقاومة الفلسطينية قبل أن تنهزم في لبنان عام 1982.

-علي نسر، كاتب وأكاديمي لبناني

الصدمة الفلسطينية والعربية

يوصف أدب ما بعد النكسة بأدب الصدمة فلسطينيا وعربيا. الصدمة بمعنى التعطل والاغتراب لكل الدوافع التي تشغل وتشحن المخيال العربي على مستوى الوجدان. والانكسار على المستوى الأيديولوجي حيث تكسّر الممكن وانهارت الأحلام.

كان للشعر استجابته الخاصة، وللسرد استجابة أطول وأكثر جدلية

كان للشعر استجابته الخاصة، وللسرد استجابة أطول وأكثر جدلية. لا يمكن فصل ذلك عربيا ويمكن القول إن أدب الستينات كله كان أدب الفترة الحرجة بتعزيز الناقد رياض الريس. ولم يسلم الفن والغناء من الخسارة والألم والصدمة. كان الترميم الأدبي محاولة أخيرة لانتثار الحلم. بداية من عائد إلى حيفا والمتشائل. والبحث عن وليد مسعود وقصائد درويش وسميح القاسم وأحمد دحبور. كان صراع الممكن الذي لا ينتهي والصدمة التي لا يمكن إنكارها.

-و. ش، كاتب وأكاديمي فلسطيني