الأحد  22 كانون الأول 2024

النكبة الفلسطينية.. جذورها وتداعياتها

2023-06-13 02:01:28 PM
النكبة الفلسطينية.. جذورها وتداعياتها
تعبيرية

تدوين- محمد أبو حميد 

لم تكن نكبة الشعب الفلسطيني وليدة أحداث عام 1948، وما لحق بالشعب الفلسطيني والتي كان من نتائجها طرده من معظم وطنه ومحاولات طمس شخصيته ومحو هويته.

فما جرى هو امتداد لأطماع استعمارية سبقت ذلك بقرون، فالغزوات التي تعرضت لها فلسطين في القرون الوسطى من قبل الحملات الصليبية وما تلاها من محاولات متكررة تحت حجج واهية تتعلق بما يسمى حماية الحجاج المسيحيين خلال زياراتهم للأماكن المقدسة في فلسطين، ما هي إلا حملات استعمارية تهدف إلى السيطرة على طرق المواصلات التجارية والعالمية آنذاك.

وفي العصر الحديث تعرضت فلسطين لغزوة استعمارية خطيرة والحملة الفرنسية التي قادها نابليون 1799، التي ارتكب خلالها المجازر البشعة في مدن فلسطين وعبر نابليون صراحة عن رغبته في إقامة "دولة يهودية" في فلسطين.

في العصر الحديث تعرضت فلسطين لغزوة استعمارية خطيرة والحملة الفرنسية التي قادها نابليون 1799، التي ارتكب خلالها المجازر البشعة في مدن فلسطين

ومع تطور الصناعة وظهور ما عرف بالثورة الصناعية في أوروبا، التي أفرزت حركة الاستعمار الحديث (الإمبرياليزم) قد احتد التنافس الاستعماري بين الدول الأوروبية والتي تمددت في قارات العالم بحثا عن المواد الخام اللازمة لصناعاتها والأسواق لمنتوجاتها.

وفي ظل هذه الظروف ازدادت أهمية فلسطين نظرا لموقعها الجغرافي الاستراتيجي والديني، كما أن حفر قناة السويس واكتشاف البترول في المنطقة العربية عزز من الاهتمام الاستعماري بهذه المنطقة، لذلك وضعت الخطط اللازمة للسيطرة على المنطقة، أهمها الخطة البريطانية التي عرفت بوثيقة بازمان 1907 والتي هدفت إلى تجزئة المنطقة العربية، وعرقلة مشاريع التنمية فيها، وإبقائها في حالة من التخلف كي تبقى سوقا للمنتجات الأوروبية الاستعمارية، وهذا لن يتم دون احتلال فلسطين باعتبارها قلب المنطقة العربية وتطل على البحر الذي يشكل شريان التواصل مع أوروبا.

وعلى ضوء ما سبق لم يكن وعد بلفور1917 سوى ترجمة لهذه السياسة والتوجهات الرأسمالية الاستعمارية والذي جاء بعد اتفاق سايكس بيكو، وما إن دخلت القوات البريطانية إلى فلسطين في الحرب العالمية الأولى بقيادة الجنرال اللنبي، حتى اتضحت النوايا البريطانية من خلال ما صرح به الجنرال اللنبي حيث جاء فيها (اليوم انتهت الحروب الصليبية) ويلاحظ بأن الموقف الاستعماري الدولي تجاه فلسطين قد تبلور في مؤتمر الصلح الذي عقد في فرساي فرنسا 1919 حيث تم تطبيق مبادئ الرئيس الأمريكي وودرو ولسن وأهمها منح الشعوب الخاضعة للدول المهزومة في الحرب العالمية الأولى وخاصة الدولة العثمانية حق تقرير المصير باستثناء فلسطين!!

أما مؤتمر سان ريمو 1920 في إيطاليا وشاركت به كل من بريطانيا وفرنسا والذي تم خلاله تقسيم بلاد الهلال الخصيب بينهما، والتزام بريطانيا على تنفيذ وعد بلفور وهذا يؤكد مدى التزام الدول الأوروبية بهذه السياسة التي توكلت بريطانيا بتنفيذها!

وعليه فإن السياسة التي اتبعتها بريطانيا خلال انتدابها فلسطين خلال الثلاثين عاما 1918-1948 كانت منسجمة مع تحقيق هدف إقامة دولة صهيونية استعمارية في فلسطين.

وعلى ضوء ما سبق يمكن فهم أسباب وظروف نشأة الحركة الصهيونية التي ولدت نتاج التطور الرأسمالي الاقتصادي والسياسي الأوروبي، ويمكن فهم ذلك من خلال السياسات التي اتبعتها الدول الأوروبية وموقفها من الشعب الفلسطيني وطموحاته في التحرر وتقرير المصير.

كما أن ضعف الدولة العثمانية التي حكمت المنطقة وفلسطين لأربعة قرون، كما أن تراجع القدرات الثقافية والاقتصادية والعسكرية قد مكن الدول الأوروبية من التدخل في شؤونها والتغلغل في فلسطين باعتبارها إحدى الولايات العثمانية عبر ما عرف بالامتيازات الأجنبية ما سهل عملية الهجرة الصهيونية الأولى في فلسطين التي كانت الركيزة الأولى والنواة اللازمة لقيام دولة صهيونية عربية على أراضيها.

وعليه يمكن فهم طبيعة الصراع في المنطقة.

ويبقى السؤال الأهم كيف تعاطى العرب بشكل عام والفلسطينيون بشكل خاص مع هذه المؤامرة (النكبة)؟

فالنكبة لم تكن قد بدأت مع قرار التقسيم 1947 أو صدور وعد بلفور 1917 فنحن ندرك أن الأقطار العربية كانت تحت الحكم الاستعماري ولا يجب أن نتغافل عن الفارق الحضاري بين العرب والغرب، فالتخلف الفكري والاقتصادي الذي عانت منه الشعوب العربية خلال أكثر من ستة قرون أدى إلى ضعف القدرة على المواجهة ناهيك بأن النخب التي حكمت في المنطقة العربية هي نخب تقليدية قبلية لم تعي خطورة ما يحاك من مؤامرات بحق شعوبها، ولعل ما جرى من مواقف عربية متباينة خلال حرب 1948 بين العرب واليهود الصهاينة، دليل على عمق الأزمة بين أقطاب الحكم العربي وحالة الفوضى والمواقف التي اتسمت بالعواطف أكثر من اعتمادها على سياسة علمية واعية مبنية على استراتيجيات مشتركة قادرة على مجابهة الخطر الصهيوني الاستعماري، يؤكد بأن الوعي العربي بمخاطر الأحداث والمؤامرات على المستقبل العربي لم يكن بمستوى طموحات شعوب الأمة العربية.

لعل طريقة تعاطي الأنظمة العربية في الصراع مع الصهيونية منذ 1948 قد أدى إلى تكريس واقع معقد، جعل النكبة الفلسطينية والعربية تتناسل بل وتنسجم مع الأهداف الاستعمارية 

ولعل طريقة تعاطي الأنظمة العربية في الصراع مع الصهيونية منذ 1948 قد أدى إلى تكريس واقع معقد، جعل النكبة الفلسطينية والعربية تتناسل بل وتنسجم مع الأهداف الاستعمارية التي تسعى إلى تحويل العرب إلى أمة خارج سياق التاريخ.

فما يجري من تطبيع وعلاقات مجانية مع إسرائيل ليس فقط مؤامرة على الفلسطينيين فحسب بل محاولة لضرب طموحات الشعوب العربية في التحرر والتطور والتنمية والديموقراطية. وإضفاء صفة الشرعية على الكيان الإسرائيلي على حساب طموحات الفلسطينيين في تقرير مصيرهم.

إن النخب العربية الفلسطينية، وإن كان قد أدركت مخاطر المشروع الاستعماري الصهيوني منذ العام 1917 حاولت مجابهة هذا المشروع، وأصدرت العديد من الصحف في فلسطين، والعديد من الأقطار العربي إلا أنها بقيت عاجزة عن بناء قاعدة شعبية ممتدة وواعية بالمخاطر المحدقة بها، بل بقيت هذه النخب معزولة ومحاربة مما أفقدها القدرة على التأثير في وعي الجماهير العربية، والسؤال اليوم وأمام هذا المشهد العربي المزري وما تشهده الأمة من تمزق وأحداث دامية والتي ما هي إلا امتداد طبيعي لما حدث لفلسطين منذ العام 1917 ، كيف يمكن لنا كفلسطينيين وعرب أن نتجاوز هذا الواقع بأقل الخسائر؟

فالنكبة لم تكن فلسطينية فحسب، بل تجاوزت حدود فلسطين، لأن نكبة فلسطين كانت بداية لتفكيك الأمة والسيطرة على مواردها وحصارها وتقسيم أرضها وإبقائها مجرد شكل هلامي على هامش الأمم.

وهذا يتطلب من النخب والمثقفين وفئات الشعب على اختلافها أن تدرك بأن الخطر أصبح يتهدد كل مواطن عربي وعليها مجابهة ذلك والخروج من حالة اليأس والاستسلام لوضع أسس لبناء استراتيجية قادرة على مجابهة التحديات.