الخميس  21 تشرين الثاني 2024

التغيرات السياسية والاجتماعية وتأثيرها على واقع المرأة داخل المجتمع

2023-06-20 09:24:27 AM
التغيرات السياسية والاجتماعية وتأثيرها على واقع المرأة داخل المجتمع
تعبيرية

تدوين- عهد جرادات 

في العادة ومن الطبيعي فإن الشعوب تشكل ثقافتها وقيمها ونمط حياتها المادي والقيمي عبر زمن طويل من الاستقرار داخل تجمعات سكانية تتضمن منازل وبيوت التي تسمى بالوطن بما يخلق لديها خصوصية اجتماعية تتميز بها. وهذه القيم والعادات ونمط الحياة تكون استجابة لحاجات المجموعة في الحياة بحيث تشكل هذه ضمانا للأمن والاستقرار ومسار حياتها بما هو أفضل. كما أن السلوكيات المادية للمجموعة البشرية في الزمان المحدد تعكس هذه الحاجات في نمط العمران والبناء والتفاعل مع الأرض عبر الزراعة، ويصبح ما يمكن وصفه بنمط حياة لهذه المجموعة البشرية في تقسيم العمل والمهمات الاجتماعية.  وتبني أيضا هذه المجموعة علاقاتها الاجتماعية بين الأفراد تحت سقف من المنظومة من القيم والعادات والتقاليد، لتسير حياتها كما تراه بالاتجاه الأفضل.

لكن كثيرا من الشعوب تتعرض بالمساس بهذا النمط الطبيعي لحياتها من خلال تعرضها لتغيرات مثل  الحروب قاسية أو الكوارث الطبيعية التي تؤثر على واقعها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، أو من خلال تعرض بعض الشعوب لعملية تهجير قسري من المكان الذي عاشت فيه وبنت حياتها فيه، وتصبح مضطرة لأن تغادر هذا المكان بحثا عن ملاذ أكثر أمنا بما يعرضها للكثير من التغييرات في السلوكيات والممارسات التي اعتادت عليها من أجل أن تستجيب لهذا الواقع الجديد من متطلباته واستحقاقاته. وتكون المتطلبات والاستحقاقات صعبة خاصة عندما يكون التهجير قسريا وهذا ينعكس في تجلياته على أفراد الجماعة بعضها يكون متساويا على الجميع وبعضها يقع على كاهل البعض أكثر شدة وقسوة وخاصة المرأة. ببساطة لأن الأسرة هنا تتعرض لحالة ارتباك في نمط حياتها مثل العمل والدخل والطعام والأطفال.  حيث شكلت المرأة تاريخيا الحارس لهذه الأسرة بفعل موقعها الاجتماعي في الأسرة باعتبارها الراعي للأسرة بما يحتم عليها مسؤوليات جديدة لم تعتد عليها.

إذا ما أخذنا إسقاطات حالة اللجوء كمتغير سياسي واجتماعي مؤثر وتداعياتة فإننا يمكن أن نرى في منطقة الشرق الأوسط أحد النماذج التي تتكرر فيها حالة اللجوء القسري والذي يسبب عدم الاستقرار والاضطرابات التي عادة ما تمس معظم أفراد المجتمع خاصة المرأة، وكمثال على ذلك ما تعرض له المجتمع الفلسطيني من عملية اقتلاع  طالت أكثر من 60 بالمئة منهم وبين ليلة وضحاها أصبحوا بلا بيوت وبلا أرض وبلا مصدر دخل ووجدوا أنفسهم في العراء والمخيمات، حينها تصدت المرأة الفلسطينية على الدفاع عن أسرتها وعائلتها والحفاظ على أمنها وبعد أن كانت مستقرة في بيتها وتعمل في أرضها انتقلت للعمل خارج البيت،  للعمل في المصانع وبيوت الآخرين, وهنا أصبح خروجها للعمل مقبولا اجتماعيا لأنه يأتي في إطار الحفاظ على الأسرة في حين لم يكن هذا العمل قبل الهجرة مقبولا اجتماعيا.

إذا ما أخذنا إسقاطات حالة اللجوء كمتغير سياسي واجتماعي مؤثر وتداعياتة فإننا يمكن أن نرى في منطقة الشرق الأوسط أحد النماذج التي تتكرر فيها حالة اللجوء القسري والذي يسبب عدم الاستقرار والاضطرابات

في الوقت الحاضر وما نشهده من عملية هجرة لملايين المواطنين من دول مختلفة، فإن المرأة تتحمل المسؤولية الأكبر في رعاية أبنائها وأسرتها والدفاع عنها وتوفير نمط حياة مناسب لهذه الأسرة، مما ينعكس بطريقة أو بأخرى على تغييرات اجتماعية تتلاءم مع الواقع الجديد وخاصة إذا ما عرفنا أن هذه الأسر تنتقل إلى واقع حياتي مختلف عن ما عاشته قبل حالة  اللجوء وتجد نفسها في واقع مختلف وجديد من حيث اللغة والعادات والتقاليد والسلوكيات والتي عليها أن تبدأ بملائمة نمط حياتها الثقافية والاجتماعية بما يتلاءم مع الواقع أو على الأقل لا يتناقض معه. ولأن هذا لا يكون سهلا وسريعا فنحن نتحدث عن عملية اجتماعية يجب أن تأخذ مسارها ووقتها وبهدوء للوصول إلى هذه الحالة. وهنا نؤكد أن المرأة وخاصة ربة الأسرة تكون أكثر من تقع عليها المسؤولية لإنجاز هذا التلاؤم في إطار العمل على الحفاظ على أبنائها وأسرتها ونفسها.

ترتبط معاناة المرأة الفلسطينية ارتباطا وثيقا بظروف اقتلاعها وتشريدها من أرضها في أرجاء متنوعة من الأرض. فالمكان الأصلي مرتبط بتحقيق الاستقرار المادي والمعنوي؛ وأحد مصادر العطاء والتواصل والبقاء والتوازن الأمني. أما التشرد والدخول في دوائر الغربة والاغتراب؛ بما تحمله من مذلة التهجير وما تعكسه المخيمات من ظروف حياتية للمرأة من قسوة وشقاء على الصعيد الإنساني، بما يتمثله بفقدان المرأة للحاجة الأساسية للإنسان والتي تتمثل في السكن والذي يضمن الشعور بالأمن.

ترتبط معاناة المرأة الفلسطينية ارتباطا وثيقا بظروف اقتلاعها وتشريدها من أرضها في أرجاء متنوعة من الأرض

تتعرض الكثير من اللاجئات لمعاناة كبيرة تتمثل في عدم شعورهن بالأمن النفسي والمعنوي بسبب ارتفاع حالات تعرضهن للاعتداءات والتهديد، إلى جانب العيش تحت حالة الفقر المدقع بسبب انعدام وجود مساعدات كافية توفر لهن احتياجاتهن الأساسية، خصوصا في الدول الفقيرة والتي تعاني أصلا من نزاعات داخلية، كما ذكر تقرير الأمم المتحدة أن هناك عددا كبيرا من النساء اللاجئات يعشن حالات صعبة ضمن ضغوط شديدة، ويواجهن مخاطر عالية من الفقر والاستغلال.

 ومن هنا تكمن أهمية العمل الدولي للكشف عن الأوضاع التي تعاني منها النساء اللاجئات بشكل عام، بهدف الوصول لمعرفة عميقة للتجربة التي تعيشها اللاجئات،  وتقديم المساعدات في ظل التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والعوامل المؤثرة على حالة انعدام الأمن وغيرها من الاحتياجات الأساسية التي تحتاجها النساء، إلى جانب اختلاف البعد الثقافي والاجتماعي، فهل ستكون المرأة اللاجئة قادرة على مواجهة هذه الظروف الجديدة وتحقيق احتياجاتها الأساسية؟.