الإثنين  06 أيار 2024

غسان كنفاني.. والهوية الفنية المغيّبة

2023-07-08 03:24:32 PM
غسان كنفاني.. والهوية الفنية المغيّبة
غسان كنفاني (1936-1972)

تدوين- سوار عبد ربه

عكا، 9 نيسان 1936، ولد غسان كنفاني، وعاش من الحياة 36 عاما، قبل أن يقضي بقنبلة موقوتة وضعت داخل سيارته، أودت بحياته وحياة ابنة شقيقته لميس، بعد أن كان هدفا ملحا للاحتلال الذي أراد اسكات صوته، وإخماد كلماته، وتطويق عقله الثوري.

كان غسان كنفاني كاتبا، ومناضلا، وصحفيا، وسياسيا أيضا، رسم طريقه مجازا فعاش مثقفا مشتبكا، وارتقى شهيدا، وبرع في الرسم فعلا وعملا، فترك لنا ما يزيد عن ثلاثين رسمة، ثيمتها الأساسية فلسطين الثورة.

كان غسان كنفاني شابا متكامل الأركان، يمتلك من المواهب ما يكفي لأن يبدع في أي عمل يخوضه أو يجربه، حتى في كونه فنان تشكيلي، رغم غياب هذه المعلومة عن كثيرين، لأن صيته لم يذع كفنان كما ذاع ككتاب. وللوقوف عند تجربة كنفاني التشكيلية، والتي ستكشف عن كونه أحد رواد الحركة التشكيلية الفلسطينية آنذاك، التقت تدوين بصديق كنفاني، وفنانين تشكيليين اثنين، درسا أعمال كنفاني، وقدموا لنا تحليلا بصريا حولها.

يقول صديق غسان كنفاني والذي رفض الكشف عن اسمه في لقاء خاص مع تدوين إن بدايات غسان كنفاني الفنية كانت عندما كان أستاذا للمادة الفنية وهو في السابعة عشرة من عمره، في دمشق، في إحدى مدارس الأونروا، وقد طلب مرة من التلاميذ أن يرسموا تفاحة، لكنهم لم يعرفوها، فطلب منهم أن يرسموا خيمة".

وثق لغسان كنفاني نحو 17 لوحة، تراوحت بين زيتية، ومنها ما رسم بالفحم وقلم الرصاص والحبر أيضا، إلى جانب الرسوم التوضيحية لقصصه، التي كان ينشرها في جريدة الفجر في الكويت.

ألوان غسان كنفاني

يرى صديق غسان أن الألوان المستخدمة في لوحات كنفاني تحمل دلالات كثيرة، ففي "أم سعد" مثلا، يطغى اللون الأزرق، ربما هو أزرق للتأمل في المستقبل، ولكل لون دلالة، إلا أن معظم لوحاته أنجزت بالألوان الترابية، ربما لالتصاقه بالأرض وتعلقه لها.

أما عن الهوية المركزية في لوحات غسان كنفاني، قال الكاتب والرسام اللبناني عبد الحليم حمود في لقائه مع تدوين، إنها مبينة على بعض الزخارف والحروفيات، وهذا أمر له منابعه في الفنون الحديثة، حيث للحروفية محاكاة للحرف والكلمة وإعادة تشكيلها بطريقة مميزة بشكل أن يتحول التراث الشرقي الإسلامي إلى مادة فنية بصرية، الأمر الذي استطاع غسان كنفاني أن يحققه من خلال بعض أعماله الزخرفية. وهناك أعمال أخرى لكنفاني عرض فيها محاكاة للتطريز في ثوب المرأة الفلسطينية.

أنجز غسان كنفاني أيضا الملصق السياسي، الذي حظيت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على القسم الأكبر من أعماله في هذا الجانب، كونه كان عضوا في المكتب السياسي للجبهة.

أما عن موضوعات ملصقات غسان وألوانها، قال الكاتب والفنان اللبناني عبد الحليم حمود إن الملصقات السياسية التي أنجزها غسان كنفاني آنذاك، غلب عليها اللون الأسود، والأحمر، والأخضر، وهي الألوان التي تشتق منها الرايات العربية، إلى جانب كونها ألوان العلم الفلسطيني.

إلا أنه بشكل عام، يرى حمود أن كنفاني كان متقشفا في استخدام اللون، دون أن يبذخ في هذا الجانب، وقد كان حذرا على مستوى استخدام اللون".

أما عن الدور الذي لعبه غسان كنفاني في الملصق السياسي، فكان كما سمة تلك المرحلة، خطابيا تعبويا.

وعن الملصقات التي أنجزها كنفاني للجبهة الشعبية قال صديقه، إنها تكشف عن عمق الفكرة التي كان يريد أن يقولها، بدءًا من شعار مجلة الهدف التي كان يرأس كنفاني تحريرها "الحقيقة كل الحقيقة للجماهير"، وكذلك شعار الجبهة الشعبية (حرف الجيم) الذي يشير إلى فلسطين. والذي أخذه عن رسم لطفل على حائط في مخيم الوحدات، كلها تعكس فلسفة الجبهة وفكرتها. ومن هنا ينطلق غسان دائما من قوة فكرته وخلفيتها الثقافية، ولأنه كان مثقفاً أيضاُ لذلك كان ملصقه قويا بفكرته الفنية ورسالته الثورية أيضاً.

ومن أشهر أعمال غسان كنفاني الفنية، وفقا للفنان التشكيلي الفلسطيني المقيم في سوريا علي جروان، لوحة "كلمة فلسطين"، التي شكل منها الزخرفة الفلسطينية وما زالت تتداول حتى الآن، وموجودة كلوحة في بيوت الفلسطينيين وتطبع على قمصان الشبان.

وكان كنفاني يعمل بالرسم الغرافيتي باللونين الأبيض والأسود، كما كان ابن للمدرسة التجريدية، فغلب على أعماله التجريد والبساطة، وفقا لجروان.

ورسم كنفاني أيضا موتيفات داخل القصص التي يكتبها، وغلاف مجلة الهدف التي يرأس تحريرها، وكذلك الرسومات داخل.

أحد رواد الحركة التشكيلية

لا شك أن تجربة غسان كنفاني التشكيلية، تستحق الوقوف عندها، سيما وأن الفترة التي انخرط فيها كنفاني في هذا المجال كان لا يزال الفن التشكيلي الفلسطيني في طور نشوئه، إلا أن غياب اسم غسان عن الفنانين التشكيليين الفلسطينيين، يدفع باتجاه السؤال عن سبب هذا التقصير من قبل من كتب عن غسان ووثق سيرته.

يقول الفنان التشكيلي اللبناني عبد الحليم حمود، ما عاناه غسان من تقصير في هذه الناحية ينطبق عليه وعلى أي كاتب عربي أو في هذا الشرق حيث الجانب البصري ليس بالأمر الشعبي، أو المتاح للعامة، بحيث يستطيعوا تقدير البعد الفني والجمالي، والتاريخي والحداثي والكلاسيكي وتصنيف البعد العمق التوازن في اللوحة، وقراءة مراكز الثقل والنقاط الذهبية، هذه أمور لا يستطيع المتلقي العادي فهمها، مقابل الأدب الذي اشتهر به غسان، والذي يسهل على الناس فهمه لأن التراث العربي هو ابن اللغة، في حين أن الرسم هو مجال وافد علينا منذ فترة قليلة.

وفي هذا السياق، طرح حمود مثالا عن الكاتب اللبناني جبران خليل جبران الذي كان رساما أيضا وله مكانته، ولوحاته لها تصور عميق، إلا أنه لم يعرف إلا بصفته أديبا، حتى أن البعض لا يخيل له أنه كان رساما.

هذا من ناحية المتلقين، أما بالنسبة لغسان فالأمر يعود لانشغالاته الكثيرة، إذ كان رئيسا لصحيفة يومية، وكان له دور سياسي في الجبهة الشعبية، كما أنه كان روائيا وقاصا وكاتبا مسرحيا، ما يعني أنه لم يجد الوقت الكافي للفن التشكيلي، وفي هذا الجانب أوضح حمود أن الأعمال التي كانت عند غسان كنفاني تشكيليا لم تكن قضية بذاتها بالنسبة له، إنما كانت في الوقت الفائض.

وأضاف: "على المستوى التشكيلي لم تكن هناك المساحة الكافية، من أجل إنجاز أعمال كبرى يقف عندها القارئ ويدرسها بشكل مركزي، علما أن غسان كنفاني هو الذي اكتشف ناجي العلي عندما كان في جولة بالمخيم ولاحظ رسومات هذا الفتى، وأعطاه فرصة ونشر له ثلاثة أعمال كان ناجي قد رسمها".