الجمعة  15 تشرين الثاني 2024

ترجمة تدوين: "مشروع إعادة ربط يهود الشرق الأوسط ببلدانهم الأصلية"

2023-07-12 10:24:03 AM
ترجمة تدوين:
يوصف التقرير نظرة العرب إلى اليهود بأنهم "مخلوقات أسطورية"

تدوين- ترجمة مروان عمرو

انسجم عمل المؤرخين الإسرائيليين، طوال عقود، مع الرواية التاريخية المزيفة التي تبنتها الحركة الصهيونية فيما يتعلق أولا بأرض فلسطين وتحويلها أرضاً للميعاد؛ وثانياً، فيما يتعلق بطبيعة هذه الأرض بما هي أرض فارغة وليست أرضاً مفرغة من أصحابها؛ وثالثاً، فيما يتعلق باليهود كعرق، لهم الحق الحصري في إشغار فراغ هذه الأرض. ولم يخرج عن هذه السردية إلا بعض المؤرخين في ثمانيات القرن الماضي، فيما عرف اصطلاحاً بـ "المؤرخين الجدد". وهم المؤرخون الذين أتاح لهم إطلاعهم على أرشيفات الوثائق الرسمية المحفوظة في المكتبة الوطنية الإسرائيلية معرفة حقيقة ما جرى عام 1948. تكامل عمل المؤرخين مع عمل المؤسسة الرسمية الإسرائيلية، والتي بنت لها منظومة من السيطرة على تنافذية روايتها في دول الشمال حتى أصبحت الرواية السائدة والوحيدة حول ما كان فلسطين وأصبح إسرائيل.

غير أن العالم الذي بدأ يشهد ثورة معلوماتية متسارعة، والتي ما إن تُنجز تقدماً تقنياً حتى تُطلق جديداً آخر، أخذ يشهدُ تصدعاً في السيطرة الإسرائيلية على الرواية المشوهة لتاريخ فلسطين، ولعلاقة اليهود بفلسطين كما بمحيطهم العربي الذي جاؤوا منه. ولأن السلطة الاستعمارية تمتاز بمقدرتها على تطوير كفاءة ماكينتها الاستعمارية، حاولت أن تخلق لها منافذ جديدة لإعادةِ رتق سيطرتها على الرواية كما تُريدها. بفهم ذلك يمكن أن نفهم، المنافذ الإعلامية الناطقة بالعربية التي تنفثُ محتوى صهيونياً، والتي عادة ما تكون تابعة لوزارة الخارجية الإسرائيلية أو مؤسسة الأمن الداخلي الشين بيت، أو الموساد الإسرائيلي. بحيث لا يكون الإعلام إلا بوق بروباغندا يعيدُ ترميم الرواية الصهيوينة.

هذا ما يجب أن نتداركه في كل لحظة نقرأ فيها خبراً أو قصة صحفية مصدرها "إسرائيلي"، مهما كان توجهها السياسي، يسارياً أم يمينياً.

قبل أيام نشرت صحيفة هآرتس تقريراً صحفياً عن أحد الحاخامات اليهود، والذي يعمل على نشر مقاطع على اليوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي، وطوره ليصبح شبه مشروع تأريخ شفوي عن اليهود العرب الذين كانوا يقيمون كمواطنين عرب في دول عربية قبل أن تجتذبهم الحركة الصهيونية للهجرة إلى فلسطين. تتضمن مقاطع اليوتيوب ثيمة أساسية وهي إعادة توظيف النوستالجيا عبر التذكر والتوثيق لتقديم سردية مبطنة مرتبطة بشكل أساسي بالتطبيع.

وفيما يلي نص التقرير الذي نشرته هآرتس تحت العنوان المضلل التالي:

كيف أصبح مشروع إعادة ربط يهود الشرق الأوسط ببلدانهم الأصلية مهما في المملكة العربية السعودية

أجرى الحاخام الحنان ميللر مقابلات مع اليهود الشرقيين حول الحياة التي عاشوها في بغداد وحلب وحتى بورتسودان. كان يعلم أن الإسرائيليين من أصول شرق أوسطية سيكونون مهتمين، لكنه فوجئ بمدى شعبية مقاطع الفيديو في العالم العربي.

قبل بضعة أشهر، نشر الحاخام الحنان ميللر مقطع فيديو على الإنترنت لمقابلته مع رجل يهودي مسن فر من سوريا في الثمانينيات. انتشر الفيديو، الذي شارك فيه مردخاي عزرا تجربته المرعبة أثناء استجوابه من قبل ضباط المخابرات السورية قبل هروبه إلى إسرائيل.

من بين مئات الآف الذين شاهدو ميلر على قناته على اليوتيوب شاهده شاب لاجئ سوري يعيش في ألمانيا، أخطر ميلر متابعيه على اليوتيوب والفيسبوك أنه سيتوجه إلى برلين في زيارة قصيرة وسيكون سعيدا بتناول القهوة مع أي منهم، فقبل الشاب السوري الدعوة.

لا تتاح الفرصة لميلر بأن يلتقي أحد متابعيه من الناطقين بالعربية على شبكات التواصل الاجتماعي وجها لوجه، فمعظمهم من بلاد لا يسمح للإسرائيليين بدخولها، لذا استغل ميلر هذه الفرصة.

يروي ميللر: " مردخاي عزرا، هذا الشاب الكردي اليهودي من مدينة القامشلي في شمال شرق سوريا". كان لقصته صدى قوي عندي، كما هو الحال مع العديد من اللاجئين السوريين. ولكن ما كان مؤثرًا بشكل خاص بالنسبة لي في هذا اللقاء بالذات هو أنه أتاح لي فرصة للتواصل مع شخص من الشرق الأوسط خارج العالم الافتراضي ".

بعض آخر اليهود السوريين المتبقين يحتفلون بعيد الفصح في كنيس الفرينج وسط مدينة دمشق

في المقابلة مع مردخاي عزرا، استدعى عزرا منزل طفولته بحنين وتحدث عن السوق في القامشلي الذي سمي على اسم جده.

 لم يقتصر الأمر على ميلر بتلقيه الكثير من التعليقات ولكنه استقبل أيضًا طلبات بريد إلكتروني مباشرة للحصول على معلومات الاتصال الخاصة بعزرا. بعد الحصول على إذنه، كان ميلر سعيدًا بذلك. لن تكون هذه هي المرة الأولى التي يجد فيها نفسه في دور الوسيط غير العادي.

قبل بضع سنوات، أجرى مقابلة مع الدكتور حاييم دايا، وهو طبيب عام من حلب انتقل إلى إسرائيل في أواخر الثمانينيات - من بين الدفعة الأخيرة من اليهود السوريين الذين فروا من البلاد. تحدث دايا مطولاً عن علاقاته التي وصفها بالرائعة مع جيرانه ومرضاه في سوريا.

يقول ميللر: "اعتقدت أنه كان يبالغ". "ولكن بمجرد ظهور الفيديو، تلقيت عشرات التعليقات من سوريين يعيشون داخل سوريا وخارجها تقول إن حاييم كان طبيبهم وأنهم اشتاقوا إليه. كان هناك هذا التدفق المذهل للعاطفة والحنين إلى الماضي ".

ثم وجد ميلر نفسه يعيد توجيه معلومات الاتصال الخاصة بالدكتور حاييم دايا.

هناك فكرة سائدة مفادها أن اليهود والمسلمين كانوا يعيشون معًا بسلام في الشرق الأوسط، وأن الصهيونية بطريقة ما دمرت هذا الوضع. يتمثل أحد أهداف هذا المشروع في توضيح أن الموقف كان غالبًا أكثر صعوبة وتعقيدًا.

يعتبر ميللر أن من علامات نجاح مشروعه الأخير أنه مكّن اليهود من أصل شرق أوسطي وشمال أفريقي من إعادة التواصل مع مواطنيهم السابقين، وتعزيز التبادلات الودية بين مواطني الدول التي هي في حالة حرب رسمية مع اسرائيل.

يقول الحاخام البالغ من العمر 41 عامًا: "إن ما حصل يفوق كل توقعاتي".

 

مخلوقات أسطورية

تم إطلاق مشروع "يهود الشرق الأوسط"، قبل خمس سنوات كوسيلة للحفاظ على قصص اليهود من مجتمعات العالم العربي والتي على وشك الانقراض.

 إلى الآن، نشر ميللر حوالي 70 مقابلة على موقعه المخصص - وكذلك على قناته على يوتيوب وصفحته على فيسبوك - مع يهود شرقيين كبار في السن بما يكفي ليشاركوا ذكرياتهم. وترتب على ذلك أن معظمهم في السبعينيات من العمر أو أكبر من ذلك.

وُلد معظم من قابلهم ميلر في دولتين كان لديهما جاليات يهودية كبيرة بشكل خاص، سوريا والعراق، وانتهى بهم المطاف في إسرائيل. لكن ليس هذا فقط فقد أجرى ميللر مقابلة مع امرأة يهودية في التسعينيات من عمرها، تقيم حاليًا في لندن، جاءت من بورتسودان. "من كان يعرف بوجود جالية يهودية هناك؟" تساءل ميللر.

في رحلته الأخيرة إلى دبي، أجرى مقابلة مع واحدة من آخر العائلات اليهودية من اليمن، والتي تعيش الآن في أبو ظبي. كما أجرى مقابلات مع يهود من ليبيا وتونس والمغرب ومصر ولبنان.

هذا ليس أول مشروع للتأريخ الشفوي يركز على اليهود من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بهدف الحفاظ على قصصهم للأجيال القادمة من الشعب اليهودي. ما يميز هذه المبادرة بالذات هو أن جمهورها المستهدف الأكبر بكثير هو العالم العربي كله.

يقول ميللر: "هناك تصور شائع جدًا في العالم العربي بأن إسرائيل هي تلك البؤرة الاستعمارية في الشرق الأوسط وأن يهود الشرق الأوسط قد تم خداعهم للقدوم إلى إسرائيل". "هناك فكرة مفادها أن اليهود والمسلمين يعيشون معًا بسلام في الشرق الأوسط، وأن الصهيونية بطريقة ما دمرت هذا الوضع الشاعري. يتمثل أحد أهداف هذا المشروع في توضيح أن الموقف كان غالبًا أكثر صعوبة وتعقيدًا.

ويضيف: "هناك العديد من القصص الإيجابية والملهمة، ولكن هناك أيضًا قصص عن يهود تعرضوا للاضطهاد وتجريدهم من جنسيتهم في تلك البلدان".

 ويشرح ميلر أن الهدف الآخر هو القضاء على بعض الأساطير حول المجتمع الإسرائيلي السائدة في العالم العربي. "أريد من المشاهدين أن يروا أن إسرائيل ليست مكونة من يهود أشكنازي-أوروبيين فحسب، بل هي مجتمع يضم يهودا من خلفيات مختلفة ومكان أكثر تعقيدًا بكثير مما كانوا يعتقدون".

يتكلم ميلر اللغة العربية بطلاقة فقد كان شغوفًا بها منذ صغره، ويتتبع بشغف مكان مشاهدة مقاطع الفيديو الخاصة به. "على صفحتي على فيسبوك، أتلقى أكبر عدد من الزيارات من المشاهدين في سوريا والعراق. والمثير للاهتمام أن مقاطع الفيديو لليهود السوريين تتم مشاهدتها بشكل أساسي في سوريا، كما أن مقاطع الفيديو لليهود العراقيين تتم مشاهدتها بشكل أساسي في العراق. على موقع يوتيوب، تتصدر المملكة العربية السعودية القائمة".

قد يبدو من الطبيعي أن يبدي العراقيون والسوريون اهتمامًا بمصير جيرانهم السابقين. لكن لماذا ينجذب السعوديون إلى قصص يهود الشرق الأوسط في حين أنهم لم يستضيفوا جالية يهودية كافية على أرضهم منذ حوالي 1400 عام؟

ميلر لديه نظرية لشرح ما يجري، وهو ما اعترف أنه فاجأه أيضًا في البداية. يقول: "أعتقد أنه بالنسبة لهم، اليهود نوع من المخلوقات الأسطورية، مثل الجريملين أو الجنيات". "فجأة يرون هذا المخلوق الأسطوري ينبثق من الكتاب المقدس، وأعتقد أنهم مفتونون بهذا."

رسالة من أربيل

ولد ميلر في القدس لأبوين هاجرا من كندا، وبدأ في دراسة اللغة العربية في مدرسته المتوسطة الدينية. بحلول نهاية المرحلة الثانوية، كان يتقن اللغة وتم تجنيده من قبل الجيش للعمل لغويًا ومترجمًا للغة العربية في سلك المخابرات. أكمل درجتي البكالوريوس والماجستير في دراسات الشرق الأوسط في الجامعة العبرية، حيث يقول إنه "بدأ في مقابلة الفلسطينيين والتفاعل معهم للمرة الأولى ليس كعدو بل كإنسان".

إنه مولع باللغات، فهو لا يجيد اللغة الإنجليزية فقط (فهي لغته الأم)، والعبرية والعربية، ولكن أيضًا اليديشية والفرنسية والألمانية.

بعد خمس سنوات من العمل كصحفي يغطي العالم العربي، أصبح ميللر حاخامًا أرثوذكسيًا وبدأ يفكر في طرق لدمج شغفه باليهودية والعربية.

وهكذا ولد "أهل الكتاب" - مشروع تعليمي عبر الإنترنت يهدف إلى توعية العالم العربي بالعقيدة والثقافة اليهودية. يضم الآن 325 مقطع فيديو، العديد منها رسوم متحركة مسلية تشرح الطقوس والعادات اليهودية باللغة العربية، موجهة لجمهور غالبيته من المسلمين. وهي تشمل مواضيع متنوعة مثل "الحداد في اليهودية" و "الأساطير عن الحريديم" و "طعام الكوشر" و "اليهودية مقابل الصهيونية".

"يهود الشرق الأوسط" هو فرع من هذا المشروع الأكبر، الذي يتم تمويله من قبل أفراد ومؤسسات خاصة (بشكل رئيسي من الولايات المتحدة).

 

على الرغم من أنه لم يتلق أي أموال من الحكومة الإسرائيلية، إلا أن ميللر يعترف بأنه مدين لبعض نجاحه لوزارة الخارجية. "إنهم يشاركون الكثير من مقاطع الفيديو الخاصة بي على صفحاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي باللغة العربية. وبمجرد أن ينشروها، يحصلون على الفور على الكثير من المشاهدات".

بفضل مقاطع الفيديو هذه، في الواقع، أصبح هذا الحاخام كيانًا معروفًا في أجزاء معينة من العالم الإسلامي لدرجة أنه لم يعد بحاجة إلى الإعلان بمقابل مادي بعد الآن للوصول إليه.

يقول ميللر: "قبل أيام فقط، كتب لي هذا رجل من أربيل - شمال العراق - عن رغبته في مشاركة بعض الصور ومقاطع الفيديو للحي اليهودي القديم في المدينة". "كانت كل صور المباني مغطاة، وقد أعرب لي عن رغبته في أن يعود اليهود لزيارة منازلهم المهجورة. كان ذلك مؤثرا للغاية ".