تدوين- إصدارات
يصدر قريباً عن دار ابن النديم ودار روافد الثقافية- ناشرون ترجمة لكتاب "الأمل المتطرف: الأخلاق في مواجهة الدمار الثقافي" للفيلسوف الأمريكي جوناثان لير، وبترجمة لخالد الجيبلي.
يرصد الكتاب ديناميات التغير الأخلاقي لشعب معين هم قبيلة الكرو -إحدى أهم قبائل الهنود الحمر في أمريكا الشمالية. وهي ضمن ثمانية سرديات يتناولها كتاب التغير الأخلاقي.
قبل وفاته بفترة قصيرة، روى بلنتي كو، آخر زعيم عظيم لقبيلة كرو Crow nation، الهندية، قصته- لكنه رواها حتى نقطة معينة. فقد قال: "عندما ذهب الجاموس، سقطت قلوب شعبي على الأرض، ولم يتمكنوا من التقاطها مرة أخرى، ثم لم يحدث شيء". هذه النقطة بالتحديد-التي تحكي قصة شعب يواجه أفول أسلوب الحياة التي عاشها منذ قرون- هي موضوع البحث الفلسفي والأخلاقي الوارد في هذا الكتاب. إذ يرى الفيلسوف جوناثان لير أن قصة بلنتي كو تثير سؤالاً أخلاقياً عميقا يتجاوز زمنه ويتحدانا جميعا: كيف يواجه المرء إمكانية انهيار ثقافته؟
إنها نقطة ضعف يمكن أن تؤثر علينا جميعا- بما أننا جميعا سكان حضارة، والحصارات ذاتها عرضة للقوى التاريخية. كيف يمكننا أن نتعايش مع نقطة الضعف هذه؟ هل يمكننا أن نرقى إبى مستوى مواجهة تحد كهذا بشجاعة؟
مستخدما علم الإنسان (الأنثروبولوجيا) والتاريخ المتاحين للقبائل الهندية خلال فترة احتجازهم ووضعهم في محميات، ومعتمدا على الفلسفة ونظرية التحليل النفسي، يستكشف جوناثان لير قصة أمة كرو (الغراب) الهندية التي واجهت مأزقاً كبيراً عندما حاولت الإجابة على هذه الأسئلة- الأسئلة التي تؤثر على مكاننا في العالم. يمثل كتابه تحقيقا فلسفيا عميقا بالغ الأهمية حول نقطة ضعف محددة تتجه مباشرة إلى قلب الحالة البشرية.
يقول المترجم مصطفى سمير عن الكتاب: "نحن أمام كتاب فخم يرصد التغير الأخلاقي الذي طرأ على قبيلة كبيرة ربما نتشارك معها كثير من المُثل والاهتمامات، قبيلة بثرائها الديني وتقاليدها وأعرافها تمكننا من توظيف بعض ديناميات التغير الذي وقع بها في فهم التغير الاخلاقي الذي حصل في الجزيرة العربية بعد ظهور الإسلام وفي أي بقعة عالمية أخرى. إذ حتى الفترة التي تسبق التغير الحاصل لتلك القبيلة - فترة إرسال الشباب اليافعين إلى البادية ليرون رؤيا ما ومن ثم يفسرها كبار حكماء القوم لتكون منهجا حياتيا للقبيلة - تذكرنا بتأويل النبي يوسف عليه السلام لرؤيا الملك. لقد تعرضت هذه القبيلة الى محنة أخلاقية كبيرة جعلت أفرادها يمرون من أسلوب حياة يتسم بالمعنى - الإغارة على القبائل المجاورة والظفر بأجود الخيول والتوسع- الى حياة خالية من المعنى تتسم بالعبثية ليعقبها تصور جديد يرى ما سبق على أنه سرقة وبغي مع الانجراف نحو التأثر بثقافة الرجل الأبيض. في هذا الكتاب نلمس كيف تعاملت هذه القبيلة بذكاء محكوم بواقع الحال مع هذا التغير فنجت وبقت وكيف اندثرت القبيلة المنافسة لها - قبيلة الهنود السو- التي قررت مواجهة الدمار الثقافي بعين التأويل القديم القاصر.
بإيجاز، نحن يا كرام أمام تحفة خالدة تذكرني في كل مرة أطالعها بالمعزوفة الخالدة: آخر رجال الموهايكنز the last man of mohicans"