تدوين- سوار عبد ربه
مع انتهاء الدورة الثالثة عشر لمعرض فلسطين الدولي للكتاب والتي استمرت لعشرة أيام متتالية في الفترة الواقعة ما بين 7 إلى 17 أيلول الجاري، توجهت تدوين إلى ناشرين فلسطينيين وعرب، وكتاب وقراء أيضا؛ لسؤالهم عن الكتب الأكثر مبيعا أو طلبا، وكذلك العناوين الأكثر رواجا سيما بين الفئة العمرية المتوسطة التي تكون في طور اكتساب المعرفة وبنائها من جهة، ومن جهة أخرى في فترة اكتشاف ميلها في الاطلاع والقراءة.
مدير مكتبة دار الشروق للنشر والتوزيع خضر البس قال في إجابته عن عنوانين الكتب الأكثر طلبا: "إن الناس تسأل بشكل كبير عن الكتب الرائجة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي لا أهتم شخصيا بتواجدها في مكتبتي كناشر؛ لأنها خالية من المعلومة الثقافية الحقيقية، وغالبية هذه الكتب تصنف ضمن فئة التنمية البشرية وتطوير الذات، التي ليس فيها فائدة حقيقية للقارئ، إنما يقبل الناس عليها بكثرة بسبب انتشارها على المنصات الاجتماعية".
وأرجع البس السبب في انتشار هذه الكتب إلى خلل في منظومة التربية والتعليم، التي تؤدي إلى قلة الثقافة شبه المعدومة في المدارس والأُسر.
وتأكيدا على انعدام ثقافة القراءة في المجتمع قال أحمد نبهان، أحد رواد معرض فلسطين الدولي للكتاب، إنه لاحظ خلال فترة تواجده المستمرة طيلة أيام المعرض أن الأهالي يصطحبون أبناءهم إلى المعرض ويتركوهم يبحثون عن الكتب دون توجيه أو توعية منهم، والمدارس أيضا.
ومن بين الحالات التي شهدها نبهان أن أما قالت لابنها "لو أنك بتقرأ كان شريتلك كتاب"، ومعلمة قالت لواحدة من طالباتها "هاد الكتاب سعره غالي اتركيه"، إضافة إلى نقاش دار بينه وبين زملائه المتطوعين في دور النشر الموجودة في المعرض حول وجوب توفير الكتب الاستهلاكية التي تطلبها الناس بكثرة من أجل البيع، الأمر الذي اعترض عليه نبهان لإيمانه بأن على القارئين أن يرتقوا بالثقافة، لا أن يواكبوا السوق في الكتب ذات المضامين الخالية من أي معرفة تذكر.
ويرى نبهان أنه في الدورات القادمة يجب أن تتوفر قائمة في الكتب المتاحة في الأجنحة لدى المدارس، كي تقوم بدورها في توجيه الطلاب نحو الكتب ذات الفائدة المعرفية لاقتنائها، بدلا من أن تكون عملية البحث عشوائية؛ من أجل خلق جيل قارئ وقادر على التحليل والتفسير، خاصة وأن الأطفال سيبحثون بشكل عفوي عن الكتب الرخيصة دون الاهتمام بفحواها، وكذلك الفئة العمرية المتوسطة ستتجه نحو الكتب التي يقتنيها مؤثرو مواقع التواصل الاجتماعي والتي في غالبيتها تعطي صورة وردية عن العالم، للحاق في ركب الموضة، وهذه الصورة لا تتناسب وواقعنا العربي والفلسطيني خاصة.
أما الناشرة المصرية مدير دار العين فاطمة البودي فترى أن الإقبال على نوعية الكتب هذه، هو نتيجة طبيعية لمواقع التواصل الاجتماعي ذات البعد السلبي في هذا الجانب، مفسرة هذه الظاهرة بكثرة استخدام الشباب لهذه المنصات.
وأشارت البودي في حديثها إلى أن المسألة بحاجة إلى قليل من الوعي، والوقت، كي يكتشف الجمهور أن العملة الجيدة تطرد العملة الرديئة من السوق.
أما الكاتبة كفاح عواد فاعتبرت أن الإقبال على هذه الكتب سببه التمويه الحاصل على مواقع التواصل الاجتماعي، الذي يخلق رغبة لدى الفئة العمرية المتوسطة في اقتناء هذه الكتب.
وترى عواد أن اقتناء هذه الكتب غير مرتبط بشرط قراءتها، فيكفي شراؤها كي تعطي لصاحبها ثقة بأنه بدأ في مشوار القراءة، مشيرة إلى أن الناس اليوم، تذهب باتجاه المختصر المفيد، فنفس القراءة بات معدوما، الأمر الذي ينذر باحتمالية اختفاء الكتب الورقية مستقبلا.
أما الروائي نافذ الرفاعي فيرى أن مواقع التواصل الاجتماعي لها بصمة خاصة في الترويج لما يهتم به الشباب بشكل عام، مشيرا إلى أن هذا كله مرتبط بالحالة الثقافية غير الطبيعية التي نواجهها؛ وهذا يعود إلى ضعف في موارد وزارة الثقافة واتحاد الكتاب والمؤسسات الثقافية عموما.
واعتبر رئيس اتحاد الكتاب السابق أن الثقافة هي الجدار الأخير الذي يحتاج منا إلى استراتيجية وطنية لتوجيه هذا الجيل نحو أشياء مفيدة، تخلق الوعي، بعيدا عن الشكليات.
من جانبه، قال الناشر المصري حازم محمد المتطوع في الدار المصرية اللبنانية، إن ما يميز معرض فلسطين الدولي للكتاب هو وجود أفراد العائلة بأكملها في المعرض، ما يعني أن هناك تشجيع من قبل الأهالي لأبنائهم على القراءة، الأمر الذي سيؤدي إلى تكوين جيل مثقف يواكب التطور العلمي الهائل.
وقال محمد إنه بناء على استطلاع أجراه بين زملائه الناشرين، يوجد إقبال على أدب الرعب والجريمة، والروايات ذات الإثارة والتشويق والفنتازيا، خاصة للكتاب المعروفين كأحمد خالد توفيق ونبيل الفاروق، ونهى داوود التي نفذت كل كتبها في الجناح.
وبالحديث عن أدب الرعب، شهد العام 1993، ظهور سلسلة "ما وراء الطبيعة" للكاتب أحمد خالد توفيق، حيث اعتبرت هذه السلسة هي بداية انتشار أدب الرعب في مصر والعالم العربي.
بالمحصلة، أجمع ضيوف التقرير على تصدر كتب التنمية البشرية قائمة الأكثر طلبا ورواجا، ليس في فلسطين فحسب بل بالوطن العربي ككل، هذه الظاهرة التي ارتبطت بشكل أساسي في الاستخدام الواسع لمواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت منبرا أساسيا ليس فقط للترويج، إنما لتوحيد الذوق العام، بل حتى لفرض ثقافة معينة يسير الناس نحوها بمعزل عن ميولهم الشخصية التي تذوب بشكل أو بآخر لصالح ما يفرضه المروجون.
وكانت مقالات أكاديمية عديدة تنبهت لهذه الظاهرة منذ سنوات قريبة، قد تناولت الموضوع، مفسرة اياه بمجموعة عوامل يمكن تلخصيها بأن هذه الكتب تصب في مجملها بخطة تتألف من مجموعة خطوات سريعة توصل المرء إلى السعادة الدائمة، وتعالج الأمراض النفسية المنتشرة بكثرة في وقت قياسي، وتساعد في بناء الشخصية وتطويرها وفي التفكير الإيجابي، من خلال حملات ترويج تبدأ بعنوان الكتاب، ولا تنتهي عند الجمل التحفيزية الواردة بين طياته والتي من شأنها أن تعطي انطباعا لمتصفح الكتاب أنه قادر على السيطرة على ذاته بمجرد اتباعه لسبع أو عشر خطوات ينصح بها الكتاب.
وتفسيرا لهذه الظاهرة، التقت تدوين بأخصائية علم النفس المجتمعي غادة السخن التي اعتبرت أن كتب التنمية البشرية توجه الناس نحو الثقافة الاستهلاكية التي يفرضها الواقع الحالي، ليس فقط عبر مواكبة الموضة، إنما من أجل اللحاق بنمط تفكير معين يجعل من مقتني هذه الكتب أناس ناجحين، خاصة وأن هذه الكتب مرتبطة بشكل أساسي في النجاح وقصصه التي تتحقق باتباع خطوات معينة، ضمن خطة أحادية الجانب ليس لها تفرعات كثيرة تجعل متبعها شخصا ناجحا وفقا لمعايير مجتمعية، بعيدا عن الإبداع في المجالات المختلة أو خلق معرفة جديدة.
وترى السخن أن اللحاق بهذه الكتب لا يقتصر فقط على كونها "ترند" إنما من أجل المحافظة على صورة معينة يظهر بها المرء أمام مجتمعه، لأن من لا يواكب التفكير المجتمعي السائد يصبح وجوده مهددا، وبالتالي يضعه ضمن فئة الأقلية المختلفة والمقموعة والخارجة عن معايير النجاح، ما يعني أن اللحاق بهذه الكتب مرتبط في الحفاظ على مكانة معينة وعلى وجود المرء بشكل عام على الساحة.
أما عن الإقبال على روايات الرعب فاعتبرت السخن عن الأولى تؤدي إلى الثانية، فاتباع الناس لنمط تفكير أحادي يهدف إلى تحقيق نتائج أهدافها محدودة ولفترة قصيرة الأمد، يجعل توجه الناس نحو التفسير والمعرفة محدود أيضا، فكتب الرعب والروايات المخيفة تستثير أسئلة معينة عند الناس، التي تخشى ما تجهله، وكتب التنمية البشرية والنمط الاستهلاكي توجه الناس نحو إجابات قصيرة ومحصورة في أن المجهول جوابه وجود أشياء لا ماورائية، بمعزل عن التفسير العلمي لما يدور حولنا، ما يعني أنها أيضا تحصر الإجابات وتغيب مساحة الخيال العلمي والتفسيرات المختلفة.
كما أن هذه الروايات وفقا للسخن، تعطي إجابات محددة ليست بالضرورة أن تكون منطقية، إنما تجيب عن الفضول الطبيعي لدى الإنسان الذي يسعى دوما لتفسير الأشياء.