تدوين- إصدارات
صدر العدد الأول من مجلة “تطريس” في النقد وتحليل الخطاب عن أكاديمية الشعر العربي بالطائف. ويتضمن محور العدد الخاص بـ”الشعر وكونية القيم” عشر مقالات افتتحها أدونيس بمقال وسمه بـ”من نفق الآلة إلى أفق الإنسان”، وقدم فيه تعريفه للشعر منطلقا في ذلك من مقولات معروفة مألوفة، فوضحها، وأضاف إليها ما يمثله الشعر بالنسبة إليه، مؤكدا أن الشعر “عمل حيوي، حياتي، يتحرك في أفق تساؤلي استقصائي لمزيد من الكشف والمعرفة”.
وتطرقت أم الزين بنشيخة في مقالها “الشعراء في ضيافة الفلاسفة: نحو قصيدة المستقبل” إلى المسألة من وجهة نظر فلسفية، فبينت منزلة الشعراء عند الفلاسفة، وتجولت بنا في مدن الفلاسفة منذ أفلاطون إلى هيدغر، لتسبر أغوار العلاقة بين الفلاسفة والشعراء، مؤكدة أنه بـ”وسع القصائد أن تمنحنا عالما مغايرا كلما سقطنا في الفراغ”.
ومن الزاوية الفلسفية، تناول محمد الحرز “الشعر بوصفه القيمة الإنسانية الكبرى”، واعتبر الشعر أصل المعرفة البشرية، مبينا فضل الخيال الشعري في الارتقاء بالأمم والنهوض بها. وركز على المشترك الإنساني الذي تتظافر القصائد شرقا وغربا، قديما وحديثا، في نسجه ولفت الانتباه إليه.
وفي سياق العودة إلى الأصول، كشف إحسان الديك عن القيم الكونية بين الشعر والأسطورة واعتبر أن “الشعر، كما الأسطورة، صديق للكونية، إنه يتماثل معها في اعتماده على الحدس والانفعال والخيال”، مشددا على قدرة الكلمة الشعرية والأسطورية على تخطي الذاتية لتتخذ حجما جمعيا كونيا.
واختار إياد عبدالمجيد أن يشتغل على القيم الكونية في الشعر الجاهلي من خلال التأمل في قيمة الكرم وحضورها في حياة العرب -قبل الإسلام وبعده- وفي أشعارهم التي تزخر بمظاهر الاحتفاء بالكريم وذم البخيل.
وفي مقاله “الربا بين الحضور القرآني والغياب الشعري” انطلق أحمد التيهاني من عدد من المسلمات، أهمها اثنتان: الأولى هي الطابع الحسي للشعر العربي القديم، والثانية عناية هذا الشعر بتصوير جميع وجوه الحياة بما فيها الحياة الاقتصادية. وبنى على هاتين المسلمتين سؤالا إشكاليا هو: ما مدى حضور الربا في الشعر العربي القديم مقارنة بحضوره الكثيف في القرآن الكريم؟ وانتهى إلى أن حضور الواقع الربوي في الشعر العربي ضئيل، غير أن الشعراء القدامى قد صوروا “الدين وثقل المغرم، ومعاناة المطالبين بالسداد في أكثر من معنى، حيث ورد ذكر الدين والغارم فـي استخدامات مجازية متعددة”.
وتناول محمد مختار العبيدي “الشعر والقيم الكونية”، حيث أبرز القيم التي كانت تنظم حياة العرب قبل الإسلام، وركز على حضور ثنائية الجود والكرم في السلم القيمي عند العرب وما تمثله من أساس لما سماه بشر فارس بـ”العرض عند العرب”، منبهاً إلى أهمية ما تعنيه محافظة الإسلام على هذه الثنائية، وإشادته بها وبأصحابها. وتفاعلاً مع هذا المقال، طرح عبداللطيف الوراري في مقاله “القيم في الشعر العربي من نسق البداوة إلى الوعي المديني” عددًا من الأسئلة المنهجية والمعرفية.
وانطلق الوراري من تلك الأسئلة ليوسع مفهوم القيمة، ويتتبع أشكال حضورها في منتخبات من الشعر العربي، مركزا على مسألة الغنائية في الشعر العربي باعتبارها خطابا فنيا ظل يحتضن مجموع القيم داخل هذا الشعر قديمه وحديثه، ومنتهيا إلى أن ما يكتبه الشعراء يحمل قيمة إنسانية تقاوم “فساد الكون”.
أكاديمية الشعر العربي بالطائف تهدف من خلال هذه المجلة إلى التأسيس لنقاشات شعرية تقدم رؤية شاملة
وتناول عادل خميس الزهراني مسألة الشعر وكونية القيم من باب غرض الرثاء، فعنون مقاله بـ”الرثاء وقيمة القيم: محاربة القبح بالجمال”، حيث قدم رؤيته للجمال وللقيم والشعر، متفاعلاً في ذلك مع عدد من فلاسفة الغرب الذين أفردوا دراسات لتناول مسألة القيم والجمال والشعر والنقد، ليخلص إلى أن كون القصيدة هي “سفير الجمال الأمين” وهي التي تقاوم بشعريتها قبح العالم.
ونظرت سامية الدريدي في “شعرية القيم الكونية في أشعار العرب”، وبينت أنه دفعها إلى تجديد التساؤل عن أسرار “حاجتنا” إلى الشعر القديم والعودة إليه، رغم انقضاء قرون على نظمه. وأكدت أن الشعر العربي في مختلف أطواره قد احتفى بالقيم الكونية، و”حض عليها والتزم بنشرها” وأن “القيم الكونية من قبيل المشترك بين الشعوب والأمم”.
ويأتي هذا العدد الأول من المجلة متزامنا مع احتفال السعودية بعام الشعر العربي، فقد تمت تسمية عام 2023 بـ”عام الشعر العربي” للاحتفاء بهذا الفن العريق وإثراء الإبداع الشعري المتطور والمستدام بكل قوالبه وأشكاله وبإبراز المكون الحضاري الشعري العربي المتميز عن بقية الفنون، وذلك عبر فعاليات وأنشطة ومبادرات تقام على مدار العام.
وتهدف أكاديمية الشعر العربي بالطائف من خلال هذه المجلة الوليدة إلى التأسيس لنقاشات شعرية تقدم رؤية متماسكة من زوايا مختلف لماضي الشعر وحاضره، وتربط تراثه العريق بزمنه الراهن، في تداخل ينفي التوجهات أحادية الرؤية.