السبت  04 أيار 2024

مقطع من "فلسطينياذا"- للشاعر علي العامري

2023-11-26 09:44:54 AM
مقطع من

تدوين- نصوص

 

هبطوا

في وادي الطَيبةِ

يحرسُهم ليلٌ

وترافقُهم أشجارُ الدِفلى.

هبطوا

في بَذلاتٍ يتداخلُ فيها الأخضرُ والبنّيُّ.

فدائيّونَ ثمانيةٌ خاضوا في الوادي

بين قُليعاتَ ووقّاصَ

بغورِ الأردنِّ،

وفي أيديهم رشّاشاتُ كِلاشنْكوفَ، شموسٌ في الأرواحِ،

قنابلُ في أحزمةٍ، عبواتٌ ناسفةٌ، وقواذفُ نارٍ،

وخريطةُ مَسْراهم نحو فلسطينَ.

مشوا في خطِّ الوادي.

كان

الماءُ

يسيرُ

إلى

الماءِ.

مشوا في خطٍّ طوليٍّ

تحت العتمةِ

حتّى بلغوا خطَّ نباتاتِ الحَلْفاءِ،

وكانت أشجارُ الطَرْفاءِ

تغطّي قبلَ الفجرِ فدائيّين ثمانيةً،

كَمَنُوا في خطٍّ أفقيٍّ غربَ الماءِ،

وكانَ النهرُ فدائياًّ يحميهم.

في وقتِ الصِفرِ تمامًا

فتحوا النارَ على ثُكْنةِ جُندٍ

وقعوا في فخِّ ظلالٍ.

واشتبكتْ نارٌ بالنارِ.

فدائيّونَ ثمانيةٌ رشقوا المحتلّينَ بزَخّاتِ جحيمٍ

في فجرٍ منذورٍ لفلسطينْ.

**

هذي صفاتُ الشَمسِ في أسمائِنا الأولى،

وهذي زهرةُ القُرّيصِ،

هذي زهرةُ الدَحنونِ في قمصانِنا،

هذا صهيلُ الخيلِ في أعلى الجبالِ، وفي تُخومِ الرِيحِ،

هذي رَمشةٌ منحوتةٌ في الصَخرِ،

هذا ليلكٌ في ليلِنا،

هذي النيازكُ في حجارتِنا التي لا تنتهي،

هذي السَنابلُ في طِباعِ حقولِنا،

هذي دماءُ شهيدِنا ونشيدِنا،

هذي دماءُ جُدودِنا في أرضِنا.

هذي البُروقُ سلالةٌ تمتدُّ في أسمائِنا، في القدسِ، في حيفا ويافا، عسقلانَ وعيلبونَ وبيرِ زيتٍ، خانِ يونسَ، بيتِ جالا، والخَصاصِ، وفي زغاريدِ الزَفافِ تطيرُ من بيتٍ إلى بيتٍ إلى أعلى التلالْ.

هذي البروقُ تَؤجُّ في حجرٍ يَبوسِيٍّ، وترمشُ في خيوطِ الأرجوانِ، 

وفي حقولِ القمحِ في وادي النَطوفْ.

هذي البروقُ سلالةُ المعنى التي تمتدّ في طمّونَ، في حوسانَ، في قالونِيا، عكّا، وجُبِّ الذيبِ، في جبّولَ، في بيسانَ، في جَلْبونَ، يَعبَدَ، عينِ مصباحٍ، وفي العوجا، وجُحْرِ الدِيكِ، في وادي حُنينٍ، شوكةِ الصوفيِّ، في سيريسَ، في وادي الحَمامِ، مثلّثِ الشُهداءِ، في بلْعا وأُمِّ التُوتِ، والحمرا، وفي ديرِ الغصونِ، وفي جنينَ، وفي الخليلِ، وفي أريحا، رأسِ كركرَ، عينِ صخريٍّ، وفي عِمْواسَ، في وادي العُريجةِ، بيتِ جَنٍّ، في المزارِ، وديرِ عمّارٍ، وبيتِلْلو، ويالو، بيتِ نوبا، كفرِ رمّانٍ، وفي جيّوسَ والدَامونِ، في وادي العرايسِ، والشويكةِ، في عناتا، ديرِ حنّا، والجليلْ.

هذي البروقُ سلالةُ المعنى

وهذي وردةٌ مرفوعةٌ للقدسْ.

**

هذا الشتاتُ مخيّمُ المنفى.

وما تعبتْ ظلالُ الياسمينِ على الرسائلِ،

ما تَعِبْنا،

بينما ظِلُّ المفاتيحِ التي فوقَ الجدارِ يضيئُنا في صحْوِنا وكلامِنا، في حلمِنا، في جرحِنا، في نومِنا ووضوحِنا، في صمتِنا، في موتِنا وغموضِنا النَبويِّ.

ما تعبتْ حقولُ القمحِ من ظلِّ السَنابلِ،

ما تعبْنا من مقاماتِ الألمْ.

هذا الشتاتُ مخيمُ الدُنيا.

كتبْنا وانكتبْنا في الغيابِ،

وما تَعبْنا من عَجاجِ طريقِنا.

تَعِبَ الطريقُ

وما تَعبْنا في الطريقْ.

هذا الشتاتُ مخيّمُ المنفى.

لا رايةٌ تعلو على العَلَمِ الفلسطينيِّ في أرضي وفي بحري وفي أعلى سمائي.

قد مَرَرْتُ بقبّةِ الأرواحِ، قامتْ صرخةٌ حجريّةٌ ما بين أعمدةِ الرُخامِ وريشةِ الماضي، ورُحتُ إلى ظلالٍ أجمعُ الأعشابَ والآياتِ والأصواتَ والسَعفَ القديمَ.

دمٌ

تَدفّقَ

من جذوعِ السَروِ في الساحاتِ

كانتْ قبّةٌ ذهبيّةٌ تعلو،

وروحُ شهيدةٍ تعلو،

ودحنونُ الجبالِ وقبّةُ المعراجِ، وادي الجَوزِ، والأجراسُ تعلو.

كانت الشُهبُ التي في قبْضةِ الفتيانِ تخترقُ الجنودَ اللابسينَ دروعَهم فوقَ الخُرافةِ، بينما طفلٌ يَدِبُّ الرُعبَ في عرَباتِهم، إنْ مرَّ يرفعُ في يدٍ عَلَمًا، ويُلقي طابةً نحو الغمامْ.

هذا الشتاتُ مخيّمُ المنفى، وتلميذُ الجهاتْ.

**

نحنُ مثلُ النَباتاتِ، إنْ عطشتْ أزهرتْ.

نحن عطشى لأرضِ الجُدودِ، وعطشى ظلالِ البيوتِ، وعطشى لسروِ الحديقةِ، عطشى السَماءِ، وعطشى لنايِ القصبْ.

نحن عطشى لدربِ الجبالِ،

وعطشى لضوءِ الصَباحِ يمدُّ الظِلالَ إلى البحرِ،

يقفزُ كالطِفلِ فوقَ سياجِ الخشبْ.

نحن عطشى العيونِ التي تتلألأُ فيها صفاتُ الغزالِ،

وعطشى الرِياحِ التي تتمرّنُ فوقَ الجبالِ،

وترفعُ شالَ البحيرةِ في طبريّا،

وتصهلُ في مرجِ بيسانَ،

تمشي على مهلِها.

نحن مثلُ النَباتاتِ

إنْ عطشتْ أزهرتْ.

نحن عطشى لقنطرةِ الجسرِ

عطشى ليافا وحيفا وعكّا،

وعطشى جنينَ وجلبوعَ،

عطشى لنهرٍ يمدُّ يديْهِ على ضِفّتيْهِ،

ويكتبُ فوقَ الحقولِ

بماءِ الذَهبْ.

نحن مثلُ النَباتاتِ

إنْ عطشتْ أزهرتْ.

نحن عطشى

لطوباسَ، عطشى لكُوبرَ، عينونَ، جبّولَ، عطشى لأُمِّ صفا، بيسمونَ وبيسانَ، عطشى لقيساريا والخليلِ ونابلْسَ، يَطّا ووادي العمايرِ، عطشى لجسرِ المجامعِ، عطشى أريحا وحطّينَ والعيزريّةِ، عطشى العراقيبِ، غزّةَ، عطشى لقلعةِ مسعدةٍ، وطريقِ البخورِ، وقوسِ الرَبابةِ فوقَ ذراعِ النقبْ.

نحن عطشى

لديْرِ جريرٍ وسلْفيتَ، علّارَ، عتّيلَ، صُوريفَ، يازورَ، بَلعا وخانِ الدُويرِ وزبعةَ والسامريّةِ، بِعلِينَ والظاهريّةِ، حتّا، المَغارِ وإجْزِمَ، عطشى لعينِ غزالٍ وعجّورَ، بيتِ نبالا وديْر الهَوَا، ديْرِ غسّانةٍ، ديْرِ ياسينَ، لِفْتا وزَرْعينَ، طَمرةَ، صفّورِيا.

نحن عطشى

لتلِّ الهَوا، عينِ حوضٍ، وعطشى لزيتونةٍ في ذرى القدسِ، عطشى لداليةٍ في الخليلِ، ورمّانةٍ فوق خطِّ الجليلِ، وعطشى لنخلةِ غزّةَ، عطشى لبيّارةِ البرتقالِ بيافا، وعطشى لليمونةٍ في أريحا.

**