تدوين- نصوص
1
ثمةَ طريقٌ لا تفتحُ مداخلها أمامكَ، كأنكَ لم ترَ قبلاً جوانبها، هوامشها المُزنرة بالمفاجآت الجميلة، و إنْ جاءت مُتأخرة، فليسَ ثمةَ تأخير على بندول القلب.
ثمةَ مشاغلٌ في الطريقِ، تحجبُ عن ناظريكَ بريقَ الكرز، وصهيل الكمثرى، ربما غيمةٌ عابرة تحجب كلَّ ذلك ولكن، ثمةَ انفجاراتٌ دون انذار تفتحُ الرؤية، و مخيال اللحظة المُشتهاة.
هلْ هو الحبُّ ؟
لا يُجيبكَ شيءٌ عن شيءٍ، فاصطدامُ الغيمةِ الدافئة بالهواء البارد، يُنجبُ مطراً جميلاً، واصطدامُ الأصداف الرقيقة بصخور الشاطئ، يفتحُ جوفها كاشفاً ما في دواخلها من سحر الخَلْق في الطبيعة الساحرة.
هلْ هو كذلك؟
ربَّما … فثمةَ أشياءٌ لا نستطيع الجزمَ بها ، وثمةَ أشياءٌ لا نُحبُّ الإجابة عنها أو عليها، نريدها كما جاءت بدهشتها، بطزاجة مُفاجأتها كرعدة الشتاء.
ثمةَ طريقٌ تُحيلك الى طفولتكَ، تُريد أن تلعب، أن تلهو كما تشاء الطفولة، تلك التي لم تشعر بها ذات يومٍ، فهل هذا كثيرٌ علينا؟
حقولٌ واسعة، أُفقٌ ممتدٌ، هواءٌ لا يحملُ غيرَ رذاذ الموجِ، وشهيق البراءة في الكشفِ عن سواكن الجمال.
ثمةَ طريقٌ مُشتهاةٌ لا نراها، فهل ترانا؟
2
تركضُ الأرضُ بنا حيثما تشتهي، ونشتهي نحن أن نمسك رحاها قليلاً، في حيِّزٍ نشتهي من السعادة الفارقة.
ليس شيئاً كبيراً ذلك، ولكنَّه فارقٌ، وضروريٌّ لاستعادة توازنكَ، فيما لا تضبطُ ايقاعهُ نحو النهايات المباغتة، لأنكَ لستَ وحدكَ في اتساعِ الفراغ، كُنْ رحى الوقت الذي يهصُر العقارب، تجاه ما تريد، مهما علا موج القسوة، واخشوشنت لحظاته … ربَّما هي فلسفة الطمأنينة، نحاول تقمصها رديفاً للقلق الذي لا يبرحنا في المكان المشتعل دائماً، وربَّما يقول البعض: أنَّ ذلك كلَّهُ تزيّداً فلسفياً، لا يستحقُّ كثيراً من عناء الاستفاضة،
ولكنها نشوةٌ تنفضُ العتمةَ قليلاً من دواخلك ، تُعيدكَ ذاكَ الصَّبيَّ الذي يلهو كما يشاء بوقته.
ثمةَ طريقٌ الى ذلك ، وباتجاهٍ واحد فقط ، أشعلْ فوانيس الحبِّ حولكَ، كي ترى ما لا يراهُ الآخرون.
فالعتمةُ لا تُضاءُ بغيرِ الأمل، والأمل لا اسم له غير أُنثى، تسكبُ دفأها في ضلوعكَ، لو تأخَّرَ نهارها، اذهب إليها، وافتح ستائر القلب ذاكَ،فإنَّهُ حتماً يضجُّ بنورٍ يشتهي أفقاً، كنْ أفقه، كنْ أرضه، كنْ مجالهُ الحيويّ، فلا حياةَ بدونهِ.
3
ثمةَ ضياعٌ يُحاصر الخطوةَ المُشتهاة، وثمةَ ضياعٌ من ذات الخُطى، تُحاصرذاتها بذاتها، فلا تنتظرعقارب الوقت الخارجة عن كيمياء روحكَ، تقدَّم واقتحم فوج الغمام، سترى فيهِ ما تريد، وتلهو بوقتٍ من صناعتكَ.
هلْ ثمةَ ما يُعيقكَ غير أسئلةٍ باردة … تكرَّر تسللها إلى ساحة الحوار الليلي، في سخونة التخيِّل اللذيذ،أنشدتَ القصيدةَ، وهودجتَ الموجةَ في كامل بهرجها،نحو شاطئها، في ضفةِ قلبكَ المتقد،ذاكَ الذي تغلي مراجله بحلمٍ لا ينام … هلْ ثمة ما يدعوكَ إلى النوم؟
ربَّما الجغرافيا المُتصحّرة في اتجاهاتها الأربع، تُحيلكَ الى النوم، وربَّما الى الفزع، وربَّما الى الفرارمن عتمةٍ شاسعة، ربَّما جغرافيا القهر اللا محدودة في عالمنا، تُحيلكَ الى عوالم أخرى، كن فيها ما استطعت، أنتَ .. لا تكن غير أحلامِكَ ، ووهجَ روحكَ فالنوم نهايات لا تنتهي.
4
أيامنا أحلامنا، وليس من سعةٍ في الزمان كي ننتظر، لا تلتفت إلى ما يُحيلكَ إلى تردّدٍ مقيت، خُذْ الوقتَ من ياقتهِ، شُدَّهُ إلى منتهاه، كيفما تشتهي خُضَّهُ في ضلوعكَ، فلحظة الفرح قصيرة، لا تدعها تتسلل من بين أصابعكَ كما الماء.
ثمةَ أيامٌ تكسَّرتْ تحت سقف السَّماءِ المُلتهبة، ثمةَ فرصٌ تدحرجت في الهواء ككراتِ النَّار، حينما ضاقت حدود البهجةِ في بلادٍ، تنتظر حدودها من لصوص النَّهار.
هلْ ثمةَ ما يدعوكَ إلى التراخي، ونسيان حصَّتكَ من رنينِ الشّهوةِ، في جرارِ العسل المسفوحِ، على سفوح الظلام ؟!
أيامكَ أجندةٌ صغيرة، بيضاء، لا تدعها لعطونةِ الخريف، وكيلا يُحوّلها الهواء الفاسد إلى غبار، حبّرها بما يلذُّ لكَ، نشيداً عالياً ملؤهُ الحياة … أينما كنتَ ، وكيفما كنتَ، لا تُثاقل خُطاكَ نحوها، كن إيقاعها
ثمةَ طريقٌ واحدة لخلاص الروح من أدران الماضي، الذي مازال يُلاحق خُطاكَ، ومن غبش الحاضر المقيت،الذي يشوّشُ الرؤى، ثمةَ طريق واحدة، إنَّها طريق القلب، فاشتعل فيها، واشتغل عليها فوانيس بهجة لا تزول.
5
هلْ أدركتَ ما مضى، أيّها الفتى الموَّزعُ في صفحات التاريخ:
واحدةٌ صفراءَ كلون الصّبح، المُغبرّ بريح الحكام الفاشلين، واحدةٌ حمراءَ كلون الدَّمِ، المسفوحِ على جنباتِ القضايا الخاسرة،من قُضاتها الفاسدين، الغارقينَ بتأويل الخسارة
واحدةٌ بلا لونٍ ،يكتبها الطغاةُ كيفما شاؤوا، مُبرّرين سطوتهم على الآخرين، لاحتكارالفرح
على طريقتهم، يخفونه في إزقتهم البعيدة.
هلْ أدركتَ أيّها الفتى أنْ لا صفحةَ لكَ، غيرما يخُطه مداد قلبكَ أنتَ؟
لا تكترث بكلِّ ما يُثارُ حولكَ،حصّن قلاعكَ، أعلي شراعكَ،بحبٍّ لا ينكسر،فإنَّه دربك الوحيد للحفاظ على الحياة، حياتك أنتَ، لا حياتهم.