السبت  27 تموز 2024

الحركة الطلابية الفلسطينية كانعكاس للراهن السياسي.. وحراك عالمي يثور على نفسه

2024-05-31 09:31:19 PM
الحركة الطلابية الفلسطينية كانعكاس للراهن السياسي.. وحراك عالمي يثور على نفسه
جامعة كولومبيا- 17/4/2024

وسام رفيدي: "غياب دور الحركة الطلابية في الضفة الغربية لا يعني غياب دور الفعل الكفاحي فيها".

بدر الأعرج: "الموجة الحالية من المظاهرات لأجل غزة تذكر بعقد الستينيات الذي هو عقد الحركات الاجتماعية".

شوقي عطية: "نشطاء الحراك العالمي ستكون لهم السلطة مستقبلا"

فيروز سلامة: "على الحركة الطلابية أن تستحدث أدوات مواجهة جديدة"

طارق خضيري: "الحراك العالمي انتصار للسردية الفلسطينية ولرواية المقاومة الفلسطينية".

علي خليل: "المقاطعة الأكاديمية للاحتلال كانت بمثابة سلاح أساسي خلال حراكنا في الجامعات الإيطالية".

تدوين- سوار عبد ربه
في خضم الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول 2023، في أعقاب عملية طوفان الأقصى التي نفذتها المقاومة الفلسطينية، وشكلت حدثا مفصليا في مسار النضال الوطني الفلسطيني، كثرت الأسئلة حول دور الكل الفلسطيني بشكل أساسي في هذه الحرب، ودور الحركة الطلابية الفلسطينية في جامعات الضفة الغربية بشكل خاص، كمكون أساسي، بل كمحرك أساسي في استنهاض النضالات التحررية، إلا أن محاولات البحث عن دور الحركة الطلابية الفلسطينية، تضاعفت بعد موجة الاحتجاجات الطلابية العالمية التضامنية مع قطاع غزة، التي انطلقت من الجامعات الأمريكية وامتدت للأوروبية، بالإضافة إلى تحركات خجولة شهدتها بعض الجامعات العربية.
وبات لافتا غياب دور الحركة الطلابية الفلسطينية في جامعات الضفة الغربية عن المشهد اليوم، لأسباب يرى نشطاؤها وكوادرها أنها أدت إلى تقييد دورها ليس فقط منذ السابع من تشرين الأول إنما من قبله، لكنها تضاعفت في أعقاب الحرب.
وانطلاقا من كون الحركة الطلابية الفلسطينية شكلت حالة ثورية على مدار عقود، كان لا بد من الوقوف على تلك الأسباب مع نشطاء وكوادر حاليين فيها، ثم التوجه إلى نشطاء سابقين كانوا فاعلين خلال سنوات دراستهم، في محاولة لفهم التغيرات التي طرأت على دورها خلال السنوات الماضية، منذ التسعينيات بعد اتفاق "أوسلو" ونشوء السلطة الفلسطينية، وصولا إلى غيابها ولو جزئيا عن المشهد الحالي.

إن أول ما يمكن الاستدلال به على وجود إشكالية في دور الحركة الطلابية الفلسطينية الحالية، هو رفض أعضائها وكوادرها إيراد أسمائهم الصريحة في التقرير، أو حتى الإشارة إليها بالرموز


إن أول ما يمكن الاستدلال به على وجود إشكالية في دور الحركة الطلابية الفلسطينية الحالية، هو رفض أعضائها وكوادرها إيراد أسمائهم الصريحة في التقرير، أو حتى الإشارة إليها بالرموز؛ خشية من الملاحقة والاعتقال سواء من الاحتلال أو السلطة الفلسطينية، وهي حسابات دخيلة على ثقافة الحركة الطلابية، ذلك أنها كانت في طليعة المواجهة، وشكلت عصبا أساسيا في مقارعة الاحتلال.
على أية حال، يمكن إجمال ما ورد في مداخلات أعضاء الحركة الطلابية في مقابلات خاصة مع "تدوين" بأن الحركة تعيش اليوم حالة من التقييد، بسبب حملات الاعتقال التي طالت كوادرها، وكذلك ملاحقة الأجهزة الأمنية الفلسطينية للفاعلين فيها، بالإضافة إلى الاستعاضة عن التعليم الوجاهي، بالإلكتروني، لأشهر طويلة خلال حرب الإبادة، ما منعهم من التواجد في حرم الجامعة والانخراط بالمشهد، نتيجة غياب المساحة الجامعة لأكبر عدد من الطلاب، والتي من خلالها يمكن إجراء حلقات نقاش قد ينتج عنها ابتكار أساليب وأدوات تستنهض دورها، بالإضافة إلى طبيعة التعليم الذي يتلقاه الطلبة، غير القادر على تثقيفهم وطنيا وخلق حالة وعي ثوري لديهم، ناهيك عن الحواجز العسكرية التي شدد الاحتلال إجراءاته عليها، غير تلك التي استحدثها الاحتلال خلال الحرب، لتضييق الخناق على حركة الفلسطينيين وتنقلهم بين مختلف محافظات الضفة الغربية.
ورغم ما وصفوه بالدور المكبل والمقيد، إلا أنهم يرون أن دورهم في العمل الوطني حاضر، بالمقارنة مع بقية الأجسام والاتحادات وحتى الفصائل، في الضفة الغربية، إذ عملوا على قيادة العمل الجماهيري، وتنظيم الوقفات خلال معركة طوفان الأقصى.
الترميم ممكن لكن بحاجة إلى جهد جماعي


من جانبه، يقول الناشط السابق في الحركة الطلابية، طارق خضيري إنه "لا يمكن تقييم دور الحركة الطلابية اليوم، بمعزل عما مرت به على مدار الثلاثين سنة الماضية، منذ "أوسلو"، وما انتهجته السلطة الفلسطينية من سياسة القبضة الحديدية والأمنية، وخفض سقف الحريات، إلى جانب تكلس الفصائل الفلسطينية خاصة بعد الانقسام الفلسطيني وما تبعه من حالة الاستقطاب الطلابي بين حركتي حماس وفتح، والذي أدى إلى ضعف قوة على حساب الأخرى داخل الجامعات.
وتشكل الكتلة الإسلامية الذراع الطلابي لحركة حماس، وحركة الشبيبة الطلابية الذراع الطلابي لحركة فتح، الكتلتين الأكبر والأكثر منافسة في انتخابات مجالس اتحاد الطلبة في جامعات الضفة الغربية.
وبالإضافة إلى ما سبق، يؤكد خضيري أن الاعتقالات التي يمارسها الاحتلال في الضفة الغربية وآلية تعامله مع العمل الطلابي، شكلت حالة تراجع في دور الحركة الطلابية، إذ إن الاحتلال تعامل مع هذا العمل على أنه عسكري وخطير، يهدد أمنه واستقراره ووجوده، وهذا لأنه يخشى دور الحركة الطلابية في مثل هذه الأيام.
ورغم هذا، يرى خضيري، أن ليس من المفترض أن تبقى الحركة الطلابية مكبلة اليدين، وتسلم لهذا الأمر الواقع، سيما وأنها قادرة على إعادة ترميم نفسها، لكنها بحاجة إلى جهد كبير خاصة وأنها امتداد لعمل فصائلي كان موجودا وفاعلا خارج الجامعة، إلا أن هذا الدور غائب عن المشهد اليوم، وليس مطلوبا من الحركة الطلابية أن تمارس عنها هذا الدور.
ويؤكد الناشط السابق في الحركة الطلابية في جامعة بيرزيت، أن على الحركة الطلابية أن تعود إلى مكانها وتنتزع دورها الحقيقي، لأن الشارع الفلسطيني بحاجة لأي جهد وعلى رأسه الحركة الطلابية الفلسطينية.
ويحمل خضيري، المؤسسة الأكاديمية الفلسطينية بناء على دورها وسلوكها، جزءًا مما وصلت إليه الحركة الطلابية، إذ إنها لا تنشئ جيلا وطنيا ثوريا يعرف كيف ينتزع حقوقه، إنما تعلمه فقط أن يحب وطنه، لكن لا تعلمه كيف، وحديثها عن فلسطين يكون بصورة وطنية لا بفكرة ثورية.
غياب التراكم
وتتفق الباحثة المهتمة في توثيق الحركة الطلابية، فيروز سلامة مع ما ورد في حديث الناشط السابق في الحركة الطلابية، على أن سؤال أين دور الحركة الطلابية في حرب الإبادة الحالية، يجب أن ينظر إليه وفقا للسياق السياسي الذي تتواجد فيه الحركة، فالظروف السياسية أدت إلى تحولات في دورها.
وتعزو سلامة، سبب غياب الحركة الطلابية إلى غياب التراكم في الأعمال التي تقوم بها، والتي تسببت في اعتقالات مستمرة طالت كوادرها والمنتمين إليها، والتي بدورها تمنع مراكمة أي فعل، كما أن وجود الحركة الطلابية في بنية الضفة الغربية الخاضعة للسلطة الفلسطينية، جعلها تتبنى في معظمها خطاب هذه المؤسسة التي تمنع أي عمل عسكري، مقاوم وفاعل، أو أي حراك طلابي مؤثر بادعاء "حفظ الأمن"، باستثناء نماذج محدودة كجامعتي بيرزيت، والنجاح التي تحاول ترميم دورها الطلابي في السنوات الأخيرة.
أما عن غياب دور الحركة الطلابية، فترى الباحثة، أنها ما زالت حاضرة كجسم، لكنها غير فاعلة بالطريقة المطلوبة، وقبل تقييم دورها غير المعزول عن السياق، يجب أن ينظر إليه من زاويتها هي، أي كيف ترى الحركة الطلابية نفسها.
وبناءً على الطرح أعلاه، تقول سلامة إن "الحركة الطلابية ترى نفسها أنها تقوم بما تستطيع القيام به، كدورها في تنظيم وقفات أو الدعوة إلى نقاط التماس، ذلك لأنها لا تمتلك القدرة على فعل غير ذلك، كأدوات مادية للمواجهة، مشيرة إلى أنه تقع على عاتقها مسؤولية استحداث أدوات مواجهة جديدة، في ظل عدم فاعلية الأدوات المستخدمة والاستمرار في العمل بذات المساحات غير الفاعلة، وهو ما عكس مشهدا يتمثل في تغييب الحركة الطلابية"، مضيفة: "وهنا تجدر الإشارة إلى أن دور الطلبة لا يجب أن يقتصر على أسوار الجامعة، لأن الطلبة تاريخيا كانوا صوت الشارع ونبضه، كما أنهم كانوا منخرطين في العمل العسكري المقاوم، تحديدا خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية، سواء داخل فلسطين أو خارجها، كلبنان".
غباش سياسي

وسام رفيدي
من جانبه، يرى الباحث والأكاديمي وسام رفيدي، أنه لا يمكن النظر إلى الحركة الطلابية فقط ضمن حيز الجامعة، وتغييب دورها في الشارع.
وإلى جانب ما أشير إليه في التقرير أعلاه من أسباب أدت إلى تراجع دور الحركة الطلابية، يرى رفيدي أن مرحلة "أوسلو" شكلت دورا أساسيا في زرع قيم فردانية على حساب الجماعية، تمثلت في زرع مفاهيم انتظارية للتفاوض السياسي الذي تقوم به قيادة منظمة التحرير اليمينية، والمستسلمة، وبالتالي هذا عكس نفسه كمرحلة جديدة على العمل الطلابي، الذي أصبح ينظم في مرحلة غباش سياسي.
ونوه رفيدي في لقاء خاص مع "تدوين" إلى أن غياب دور الحركة الطلابية لا يعني غياب دور الفعل الكفاحي في الضفة الغربية التي قدمت منذ السابع من تشرين الأول 2023، ما يزيد عن 500 شهيد، غالبيتهم ارتقوا في نشاط عسكري فدائي مقاوم، خاصة في مناطق شمال الضفة الغربية المحتلة. 
حركة فتح والحيلولة دون حراك طلابي فلسطيني فاعل وانتفاضة ثالثة
بدوره، يقول أستاذ علم الاجتماع بدر الأعرج، إن أحد أهم أسباب تدني مستوى دور الحركة الطلابية الفلسطينية هو الانقسام الداخلي، إذ تشكل حركة الشبيبة الطلابية، الذراع الطلابي لحركة فتح، مكونا أساسيا من مكونات الحركة، إلا أن موقف السلطة الفلسطينية وحركة فتح من الحرب على غزة، ليس كما باقي الفصائل الفلسطينية والشعب الفلسطيني، مما سينعكس على مستوى الانخراط.
ويضيف: "في هذه الحرب بالتحديد بعض القيادات والسياسيين، يرون أنها معركة حماس وحدها، ما يعني أن حركة فتح وفقا للتصريحات الصادرة عنها غير معنية بإسناد جارف لحماس، وهي ذات الأسباب التي تمنع قيام انتفاضة ثالثة، لن تتحقق دون حركة فتح ودون وحدة وطنية".

الظروف الموضوعية ناضجة تماما لحدوث انتفاضة ثالثة لكن الظروف الذاتية المتمثلة بالوحدة الوطنية ومشاركة الكل الفلسطيني تحول دون ذلك


ويردف: "الظروف الموضوعية ناضجة تماما لحدوث انتفاضة ثالثة لكن الظروف الذاتية المتمثلة بالوحدة الوطنية ومشاركة الكل الفلسطيني تحول دون ذلك، وهو ما ينطبق على الحراك الطلابي الفلسطيني في الضفة الغربية".
وفي سياق متصل، تشهد الجامعات الأمريكية والأوروبية حراكا طلابيا تضامنيا لافتا منذ نيسان 2024، انطلقت شرارته من جامعة كولومبيا في السابع عشر من نيسان، عندما نظم تحالف طلابي اعتصاما داخل حديقة الجامعة، عرف باسم "مخيم التضامن مع غزة"، طالبوا خلاله بوقف دائم لإطلاق النار في غزة، وإنهاء المساعدات العسكرية الأمريكية للاحتلال، إضافة لسحب استثمارات الجامعات من شركات توريد الأسلحة وغيرها من الشركات المستفيدة من الحرب.
وانطلاقا من كون الاحتجاجات الطلابية الحالية شكلت حدثا مفصليا على المستوى التضامني مع الفلسطينيين، سيما في ظل قدرتها على التمدد والانتشار، والاستمرارية، ستسلط المحاور التالية الضوء على بدايات الحراك الطلابي العالمي، ودوافع هذا السلوك الاجتماعي لدى الطلبة الغربيين، وعلاقته في البيئة المحيطة، وانعكاسه فلسطينيا وعلى المجتمع الغربي أيضا، وكذلك على المستوى السياسي الغربي المنحاز إلى الاحتلال.
 عَوْدٌ على بَدْء
انطلقت أولى الاحتجاجات في جامعة كولومبيا في نيويورك، وارتبطت استمراريتها في ردود الفعل التي أعقبتها سواء على مستوى إدارة الجامعة أو على المستوى السياسي الأمريكي الذي تمثل في الكونغرس أولا، ما دفع الطلبة إلى خوض معركة داخلية كنوع من التحدي لهذه الممارسات الصادرة عن دولة تدعي ديمقراطيتها.
في اليوم التالي للاعتصام، استدعت رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق شرطة نيويورك لفض الاعتصامات، التي ادعت في بلاغها أن الطلاب "يشكلون خطرا واضحا وقائما على الأداء الجوهري للجامعة"، وبالفعل، دخلت الشرطة إلى حرم الجامعة واعتقلت مئة طالب وفككت خيام الاعتصام، لكن طلابا آخرين أعادوا نصب الخيام، وأضيف على مطالبهم المتعلقة في غزة، مطلب ينادي بالإفراج عن المعتقلين.
وعي جديد
وفي لقاء خاص مع "تدوين"، ينطلق المختص في الحركات الاجتماعية بدر الأعرج في قراءته للحراك الطلابي الأمريكي من مقولة لكاتب فرنسي تخلص إلى أن "الحركة الصهيونية تستعمِر شعبين، الفلسطيني والأمريكي، لكن الفرق بينهما أن الشعب الفلسطيني يعرف أنه مستَعمَر، بينما الأمريكي لا يعرف"، ويرى الأعرج أن الشعب الأمريكي اليوم بدأ يعرف، عندما اكتشف أن أعضاء مجلس النواب الأمريكي "الكونغرس"، يتقاضون أموالا من "اليهود"، ويتخذون قرارات تتعارض مع مصالحهم كشعب وكسياسيين أيضا، خدمة لمصالحهم السياسية الخاصة.
وفي أعقاب المظاهرات، طالب عدد من أعضاء مجلس النواب الأمريكي، رئيسة جامعة كولومبيا بالاستقالة "إذا لم تستطع السيطرة على الاحتجاجات"، كما زار رئيس المجلس مايك جونسون الجامعة، ليخبرها أن المجلس لن يقف صامتا إزاء التهديدات الصادرة عن عصابات معادية للسامية، تستهدف الطلبة اليهود على حد ادعائه".
وبحسب الأعرج، "يرجع الفضل في هذا الوعي الجديد الذي يتشكل لدى جيل الشباب في الولايات المتحدة الأمريكية إلى صمود شعبنا في غزة أولا، وإلى الإعلام ثانيا، ليس التقليدي منه، إنما ما يبث عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي من صور ومقاطع فيديو، شكلت لدى كثيرين ممن يتابعونها قناعة بأن ما يجري في غزة هو إبادة جماعية حقيقية، وإن كان الإعلام الرسمي منحازا لصالح الاحتلال".
بين جيلين (اكس وزد)

شوقي عطية
من جانبه، يرى منسق مختبر الديموغرافيا في مركز أبحاث معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية شوقي عطية، أن مواقع التواصل الاجتماعي أسهمت بشكل كبير في تشكيل وعي جديد لدى "جيل زد"، وهو الجيل المولود بين منتصف التسعينيات وحتى منتصف العقد الأول من القرن الـ 21، وفقا لتعريف الديموغرافيين، إذ يتلقى هؤلاء أخبارهم من الإعلام الحديث الذي استطاع أن يخرق الجدار المفروض على القضية الفلسطينية، ناهيك عن جهود الإعلاميين العرب في الخارج، كمقابلة الإعلامي المصري باسم يوسف التي حصدت ملايين التفاعلات.
ويضيف عطية في لقاء خاص مع "تدوين": "لا يجب أن نغفل عن أن من أوقد شرارة الاحتجاجات إما منظمات ذات خلفية عربية مشرقية، أو ذات خلفية إسلامية، إلا أن الطلاب الغربيين تفاعلوا معها وانخرطوا فيها، وهذا كله نتاج عملية تراكمية، بنيت على مدار السنوات الماضية، وأسهمت اليوم في إظهار الحقيقة، وكشف التاريخ من جديد".
عملية طوفان الأقصى كسرت حاجز الخوف لدى المجتمع الغربي

جامعة فلورنسا الإيطالية
من جانبه، قال الناشط في الحراك الطلابي الإيطالي علي خليل في لقاء خاص مع "تدوين"، إن حراك الشباب الفلسطيني في إيطاليا تأسس منذ ثلاث سنوات، وهو يمثل تجمعا شبابيا فلسطينيا عربيا، تحول بالآونة الأخيرة، لمرجع للشباب العربي والإيطالي، خلال حركة التضامن الطلابي في الجامعات الإيطالية".
وعن دور الحراك في الاحتجاجات، أوضح خليل أن المجموعة أطلقت حملة لإنهاء المعاهدات المبرمة بين الجامعات الإيطالية والاحتلال، والضغط على كافة المؤسسات التعليمية للمضي بهذا الاتجاه، بالإضافة للتركيز على دعم المقاومة، ومعاداة الاحتلال ومقاطعته بكل الوسائل، خاصة الأكاديمية التي كانت بمثابة سلاح أساسي في يده، مضيفا أن الحراك والطلاب المحتجين عرب وإيطاليين أكدوا للجامعة أنها ستظل تشهد تحركات أخرى ووسائل ضغط إضافية وإغلاقات متواصلة إذا ما استجابت للمطالب الطلابية".
وقال الناشط في الحراك الطلابي في الجامعات الإيطالية، إن الحراك عمل خلال فترة الإغلاقات على تقديم نوع من المحتوى السياسي الشارح للقضية الفلسطينية والذي يحكي سرديتنا الفلسطينية العربية المضادة للصهيونية.
وحول ما تغير في توجهات الشارع الغربي بعد السابع من تشرين الأول وموجة الاحتجاج، أشار خليل إلى أن المستوى السياسي الغربي لم يعد قادرا على التحكم في عقول الشباب، في ظل وجود مواقع التواصل الاجتماعي التي أتاحت للعالم كل ما تحتاجه من براهين وأدلة واضحة على جرائم الصهاينة، وعلى الفصل العنصري الذي يمارسونه ضد الفلسطينيين".
وأكد الناشط اللبناني، أن 7 تشرين الأول قلب موازين القوى العالمية التي ظلت لسنوات طويلة تحت سيطرة الغرب، والتي فرضت على طلاب الجامعات والمدارس أن يدرسوا نوعا محددا من التاريخ، كما كسر حاجز الخوف وعدم تبني مواقف واضحة في المجتمع الغربي، وهو ما جعلها تنخرط في الاحتجاجات وتشارك في حركة مقاطعة الاحتلال وتنخرط في أي نشاط مناهض للاحتلال ومناصر لفلسطين.
حركة التضامن بوصفها حركة اجتماعية

بدر الأعرج
وتعتبر حركة التضامن مع الشعب الفلسطيني، وفقا للأكاديمي بدر الأعرج، حركة اجتماعية، تنطلي عليها خاصية الاستدامة، وهي ليست وليدة اللحظة، أي أن تأسيسها ليس مرتبطا بحرب الإبادة الحالية التي يمارسها الاحتلال على غزة، إنما هي حركة يعود تأسيسها إلى عشرات السنين، وأنشطتها مستمرة منذ نشأتها، فليست هذه المرة الأولى التي تنتفض فيها شعوب العالم لأجل فلسطين، لكن المختلف هذه المرة، وفقا للأكاديمي، هو حجم التضامن، المرتبط بشكل أساسي في حجم الأحداث، وانتشار حقيقة الاحتلال ووحشيته.
وتعود دوافع الاحتجاج وفقا للأعرج، إلى التضامن مع الشعب الفلسطيني ووقف الإبادة الجماعية على غزة كمطلب أساسي، بالإضافة إلى مطالب أخرى مرتبطة بالعلاقات الأكاديمية بين الجامعات التي تشهد مظاهرات، وكذلك الاحتلال.
ويشير الأكاديمي، إلى أن الحركات الاجتماعية بطبيعتها تعيش حالة مد وجزر أي أنها تشهد صعودا ونزولا تبعا للأحداث وحجمها، إلا أن حركة التضامن مع الشعب الفلسطيني اليوم في أوجها، وقابلة لأن تتصاعد أكثر فأكثر، كما أنها لن تعود إلى السابق ولن تكون عابرة، وذلك بحسب ما عبر عنه كثير من النشطاء والمحتجين ومنظمي الوقفات، الذين أكدوا تصميمهم على تحقيق "العدالة للشعب الفلسطيني".
ويرى الأعرج أن الشباب يلعبون الدور الأكثر أهمية وحيوية في العمل الثوري والحركات الاجتماعية وأشكال النضال والتغيير كافة، خاصة طلاب الجامعات، بحكم مستوى الوعي لديهم أولا، وثانيا لأن ضميرهم لا يكون ملوثا ويتأثرون بالقيم بشكل صادق.
ويصف الأكاديمي المختص بالحركات الاجتماعية، أن هؤلاء الطلبة الذين انتفضوا لأجل فلسطين بهذا الحجم، بأنهم أناس مبدئيون، أغضبهم ما يحدث في غزة، وكشف لهم حجم الخلل الموجود في الأنظمة الحاكمة في دولهم.
ويشير إلى أن القفزة النوعية في حجم التضامن اليوم، هي نتاج لتراكمات كل السنوات الماضية، مشيرا إلى أنه في الحرب على غزة عام 2021، لوحظ أن التضامن مع الفلسطينيين ازداد بشكل ملحوظ مقارنة بالحروب السابقة، وسبق ذلك، أن كثيرا من الغربيين حسموا موقفهم تجاه القضية الفلسطينية منذ اجتياح بيروت عام 1982، الذي شهد على مجزرة صبرا وشاتيلا، ولاحقا حسم آخرون موقفهم في أعقاب حروب غزة المتتالية منذ العام 2008، أي أنه مع كل حدث يعيد القضية الفلسطينية إلى مركز اهتمام العالم، يتشكل وعي جديد لدى الغربيين، وبالتالي تتبلور مواقفهم تبعا لهذا.
القيم في المجتمعات الليبرالية.. وانتصار الإنسانية
كان لسيطرة النمط الثقافي الليبرالي على المجتمعات الغربية، الذي بدأ يتمظهر على أرض الواقع بعد انهيار المعسكر الاشتراكي عام 1991، أثر على الناحية القيمية والأخلاقية، إذ أحدثت الثقافة الليبرالية اختلالا في التوازن القيمي، وغابت مفاهيم نكران الذات والتضحية والعمل الجماعي، وتعالت عن الأخلاق لأجل المصلحة الفردانية، وفقا للأعرج.
وبحسب أستاذ العلوم الاجتماعية؛ لاحقا بدأت هذه المجتمعات التي أصبحت تنظر إلى الإنسان على أنه "كائن اقتصادي"، تكتشف أن النظام الرأسمالي ليس بديلا حقيقيا عن النظام الاشتراكي، أو على الأقل هذا النظام بحاجة إلى الإصلاح، ورغم تغلغل الثقافة الاستهلاكية الليبرالية في المجتمعات سواء في أسلوب ونمط العيش أو التفكير، إلا أن البشرية تنتصر دائما للمبادئ والإنسانية، بدليل أن كثيرا من الحركات الاجتماعية حدثت في الغرب، أبرزها الحراك ضد الحرب على فيتنام، وحركة الحقوق المدنية من أجل حقوق ذوي البشرة السوداء في أمريكا.
وعليه؛ يخلص الباحث إلى أن هذا ما يفسر انتفاضة الشعوب الغربية ضد حرب الإبادة في غزة، رغم كل الاختلالات القيمية التي تراكمت في مجتمعاتها.
عقد الستينيات
وبحسب المختص في الحركات الاجتماعية، فإن الموجة الحالية من المظاهرات التي انطلقت من أجل غزة، تذكر بعقد الستينيات الذي يُنظر إليه في علم الحركات الاجتماعية على أنه عقد الحركات الاجتماعية، لما شهده من مظاهرات حاشدة وفاعلة.
وشهدت أواخر الستينيات من القرن العشرين حراكات أمريكية مدافعة عن الحقوق المدنية ومناهضة للحرب، وكذلك فرنسا شهدت ما يعرف بـ عصيان مايو"، بالإضافة إلى احتجاجات طلابية في كل من ألمانيا، بريطانيا، المكسيك، إيطاليا وغيرها من الحركات النسائية والشيوعية الثورية.
في حين يرى الباحث شوقي عطية أن موجة التظاهرات الحالية وإن كانت مؤثرة جدا إلا أنها لن تكون بذات تأثير تلك التي اندلعت في عقد الستينيات، مشيرا إلى أنها ستشكل بداية في تحول أساسي بالنظرة الغربية للقضية الفلسطينية.
وبحسب عطية؛ المظاهرات التي شهدتها أوروبا في الستينات ممن يطلق عليهم اليوم "جيل اكس" أي الفئات التي ولدت ما بين أوائل الستينات إلى أوائل الثمانينات، وفي حينها كانوا ينتمون إلى "جيل زد"، غيرت وجه القارة بشكل عام، وغيرت في أنظمة الحكم، ما ينذر بأن نشطاء الحراكات اليوم ستكون لهم السلطة مستقبلا، وهو ما سيحدث تغييرا جذريا في التعاطي مع الكيانات "ككيان الاحتلال"، إلا أن هذا ليس كافيا في ظل وجود لوبي صهيوني مسيطر.
جامعة كولومبيا بين غزة وفيتنام

جامعة كولومبيا
وبالعودة إلى جامعة كولومبيا التي شهدت أول اعتصام طلابي تضامني مع غزة، لا بد من الإشارة إلى أنها كانت أيضا مساحة للاحتجاج منذ عام 1968، عندما نظم طلبتها آنذاك، مظاهرات تندد بمشاركة إدارة جامعتهم في معهد التحليلات الدفاعية (IDA)، الذي أجرى أبحاثا عسكرية حول الأسلحة المستخدمة في حرب فيتنام (1954- 1975) بالتعاون مع الحكومة، وفي حينها طالبوا بإنهاء الحرب الأمريكية على فيتنام، ووقف المشاركة في الأبحاث العسكرية، وهي المطالب المشابهة لتلك الصادرة عن الحراك الطلابي الحالي من أجل غزة.
انتصار لرواية المقاومة الفلسطينية ورسائل إلى الحركة الطلابية
وبعد هذه الإضاءة على الحراك الطلابي التضامني العالمي، كان لا بد من طرح سؤال ذي اتجاهين، الأول حول دور الحراك في إفشال مساعي الإعلام الغربي المنحاز للرواية الصهيونية من جهة، والمروج من خلال تغطيته وتناوله للحرب على غزة لأكاذيب وشائعات زائفة من جهة أخرى، وأما الاتجاه الثاني فمرتبط بموقف الحركة الطلابية الفلسطينية في الضفة الغربية إزاء الحراك العالمي، وسط دورها المحدود كما أسلف المشاركون في التقرير سابقا، خاصة في ظل ما تعرض له الطلبة في مختلف الجامعات الأمريكية والأوروبية من اعتقال وتنكيل، وإجراءات أخرى مرتبطة بالشؤون الإدارية.
وفي هذا الجانب، قال الناشط السابق في الحركة الطلابية طارق خضيري، "إن الثورة العارمة التي تشهدها الجامعات الأمريكية والأوروبية التي انتصرت لفلسطين، وطعنت في الإعلام الغربي والأمريكي وكل ما بثته من سموم على مدار ثمانية أشهر و76 عاما من كذب وتضليل، هي انتصار للسردية الفلسطينية، ولرواية المقاومة الفلسطينية التي فندت كل أكاذيب الاحتلال في أعقاب معركة طوفان الأقصى وما بث من أكاذيب حول قطع رؤوس الأطفال، واغتصاب النساء وغيرها".
وأضاف: "الصدق في الرواية الفلسطينية وتدعيمها بوثائق صوتية ومصورة، وكل ما يلزم لتعزيزها، أدى إلى هذه الثورة العارمة، وأجبر العالم أجمع أن يعيد حساباته".
وفيما يتعلق بالشق الثاني من السؤال، قال خضيري: "الثورة الطلابية الغربية أوصلت رسالة إلى الجامعات الفلسطينية، بأن لا عذر لكم اليوم، لعدم التحرك، فالجامعات الغربية اليوم ونشطاء العمل الطلابي فيها يتعرضون لاعتقال واعتداء وضرب، وكل هذه الإجراءات لم تكن حائلا بينهم وبين الاستمرار في فلسطين حتى تحقيق مطالبهم".
خدر فلسطيني وعربي 
أما في تحليله للدور المحدود للحركتين الطلابية الفلسطينية والعربية على حد سواء، يقول منسق مختبر الديموغرافيا في مركز أبحاث معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية شوقي عطية إن حالة التبنج والخدر التي أصابتنا نتيجة معايشتنا لهذه الحالة منذ عقود هي من تحد من دورهم.
ويضيف: "المسألة الأخطر في الحروب هي التعود على المجازر، والتعامل معها كمشاهد يومية وعادية، وهو ما حدث على المستوى اللبناني إبان مجزرتي قانا الأولى والثانية، أما على المستوى الغربي فهم ليسوا معتادين على هذه المشاهد لذا قادرين على القيام بردة فعل تتناسب وحجم الأحداث".