تدوين- يحدث الآن
دعا الشاعر السوري أدونيس من منفاه في فرنسا نهاية الأسبوع الفائت إلى "تغيير المجتمع" في بلده وعدم الاكتفاء بتغيير النظام السياسي فيه بعد سقوط رئيس النظام بشار الأسد.
وقال أدونيس (94 سنة) خلال مؤتمر صحافي في باريس قبيل تسلمه جائزة أدبية "أود أولاً أن أبدي تحفظات: لقد غادرت سوريا منذ عام 1956. لذلك أنا لا أعرف سوريا إذا ما تحدثنا بعمق".
وأضاف "لقد كنت دوماً ضد هذا النظام" الذي سقط فجر الأحد عندما دخلت الفصائل المسلحة المعارضة إلى دمشق بعد فرار الأسد إلى موسكو وانتهاء سنوات حكمه التي استمرت 24 سنة تخللتها منذ 2011 حرب أهلية طاحنة. ولكن من المعروف أن أدونيس لم يكتب ضد النظام البتة.
لكن أدونيس الذي يقيم قرب باريس تساءل خلال المؤتمر الصحافي عن حقيقة التغيير الذي سيحدث في سوريا الآن.
وقال "أولئك الذين حلوا محله (الأسد)، ماذا سيفعلون؟ المسألة ليست تغيير النظام، بل تغيير المجتمع".
وأوضح أن التغيير المطلوب هو "تحرير المرأة. تأسيس المجتمع على الحقوق والحريات، وعلى الانفتاح، وعلى الاستقلال الداخلي".
واعتبر أدونيس أن "العرب - ليس العرب فحسب، لكنّني هنا أتحدّث عن العرب - لا يغيّرون المجتمع. إنّهم يغيّرون النظام والسلطة. إذا لم نغيّر المجتمع، فلن نحقّق شيئا. استبدال نظام بآخر هو مجرد أمر سطحي".
وتأتي تصريحات الشاعر السوري على هامش تسلّمه جائزة عن مجمل أعماله المكتوبة باللغتين العربية والفرنسية.
ونال أدونيس جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس وتحمل اسم شاعر كتب باللغتين الكتالونية والإسبانية.
وقال إدونيس في لقاء مع الصحافيين قبل أن تسلمه رئيسة بلدية باريس آن هيدالغو الجائزة في معهد سرفانتس بالعاصمة الفرنسية: إن الدين يجب أن يكون مثل “الحب”، الرابطة الخاصة لكل فرد مع الله، وليس شيء مفروض مؤسسيا. وقال: “نأمل أن يكون هناك شيء على هذا المنوال”، لكنه أضاف أنه لا يشعر أن العالم العربي يتحرك بالتحديد في هذا الاتجاه. وتأمل أدونيس، الذي يحمل الجنسيتين الفرنسية واللبنانية، في دور الشعر في السياق السوري وخارجه: “إذا كان هناك شيء مشترك بين الإنسانية فهو الشعر، وليس السياسة، وليس السلطة”.
حضر حفل التكريم مدير معهد ثربانتس أ. لويس جارسيا مونتيرووأشار إلى أن الجائزة تسعى إلى الاعتراف “بأهمية الحوار بين الثقافات” و”بين التقاليد”. وعن أدونيس، أشار غارسيا مونتيرو إلى أن “تفانيه في الشعر ساهم في وراثة تقاليد الشعر العربي وتحديثه وإحضاره إلى الحاضر في حوار قوي للغاية مع التقاليد الأخرى”. قالت آن هيدالغو، في خطاب ألقته باللغة الإسبانية – ولدت في سان فرناندو، قادس – إن أدونيس “شاعر عظيم” يتيح لك عمله “السفر بحرية داخل نفسك، ولكن أيضًا من خلال المشاركة مع الآخرين”. وقال عمدة باريس: “إنه شاعر يعيش في المنفى في باريس، مثله مثل العديد من الشعراء والفنانين والسوريين”.
هذه الجائزة، التي تم منحها بشكل مشترك من قبل La Cama Sol Publishing ومعهد سرفانتس وعائلة جوان مارغريت (1938-2021)، تستجيب للاهتمام الذي كان يتمتع به الشاعر من سانوجا دائمًا في التعريف بشعرائه المفضلين، كما أظهر ذلك من خلال ترجمة الأعمال بقلم توماس هاردي، وإليزابيث بيشوب، وراينر ماريا ريلكه، وآخرين. وفي الدورة الأولى عام 2023، ذهبت الجائزة إلى الشاعرة الأميركية شارون أولدز، التي استلمتها في نيويورك.
تعليقات أدونيس تثير الجدل
وقد أحدث كلام وتعليقات أدونيس تلك جدلاً فايسبوكياً واسعا فالبعض قال:
بكلّ وقاحة، يتنصل أدونيس من تأييده نظام آل الأسد، زاعمًا أنه كان ضدّه على الدوام، وهو مدبّج رسالته المشهورة "سيدي الرئيس"(2011)، والمتضمنة خوفه على النظام من انعكاسات المشروع الإسلامي في حال نجاحه.
بدل أن يضيف زهرة إلى ذاك "الربيع" خذلَ محبّي شعره ومقدّري مكانته الفكرية.
ليته لم ينبس.
وأشار تعليق آخر إلى أن:
أدونيس عاد إليكم من جديد...!
أدونيس، شاعر النقائض اللعوب، يظهر مرّة أخرى لينقذ سوريا من نفسها ومن أبنائها. أو هكذا يتوهّم. بعد أن كان يناشد "السيد الرئيس" - بحسب ما خاطبه حينها - الهارب الساقط، يقرّر أن يتحوّل إلى فيلسوف التغيير. ولكن، ليس أيّ تغيير! فهو لا يكتفي بتغيير النظام الذي كان يعزف على أوتار مجده يوماً، بل يريد تغيير المجتمع السوريّ بأسره.
من باريس، يقف أدونيس ليخبر السوريّين كيف يعيدون بناء مجتمع لا يعرفه منذ عام 1956. هو ذاته المجتمع الذي لطّخه التنظيم الأسديّ القذر منذ عقود طويلة، ومع ذلك، يبدو أنه لم يكتسب الحكمة الكافية من المسافة الآمنة ليتوقّف عن شعاراته عن تحرير المرأة والحقوق والحرّيات وتغيير المجتمعات.
أدونيس، الذي انتظر حتى فرّ "السيّد الرئيس" إلى موسكو، ليقف ويعلن أنه كان "دائماً ضد النظام". يا للمفارقة! لقد استغرقه الأمر 24 عاماً من حكم النذل الابن، وأكثر من ١٣ سنة من الحرب الطاحنة، وجائزة أدبية جديدة، ليكتشف فجأة أنّ التغيير الحقيقيّ يبدأ من المجتمع، لا من النظام.
وبينما يتلقّى جائزة جديدة - لم تعد لها قيمة في الحقيقة لكثرة ما ابتذلها واستمات من أجلها بطريقة مافيويّة -، لا يسعنا إلا أن نتساءل: هل المشكلة حقّاً في مجتمع لا يثق بشاعر مثله قطّ، أم في شاعر اختار أن يبقى صدى يتردّد في قاعات الجوائز التي يواظب اللهاث وراءها، بدلاً من ساحات التغيير التي فرّ منها وألصق بها كثيراً من النعوت والاتّهامات؟