تدوين- تغطيات
افتتحت رئيسة مجلس أمناء جامعة بيرزيت، الدكتورة حنان عشراوي، فعاليات "مئوية بيرزيت: المدرسة، الكلية، الجامعة 1924-2024" في مؤتمر صحفي عقد يوم الأربعاء 18 كانون الأول 2024، حيث أكدت أن هذه المئوية تأتي في سياق تاريخي صعب، حيث يمر الشعب الفلسطيني بمرحلة مأساوية، مع استمرار حرب الإبادة على قطاع غزة منذ أكثر من أربعة عشر شهراً. وأشارت إلى أن هذه الحرب تُمثل إبادة شاملة دون اعتبار للمحرمات، حيث يُزهق الأرواح بلا توقف، ويستمر الدمار في جميع مجالات الحياة الأساسية، بما في ذلك التعليم والصحة والبنية التحتية.
وأوضحت عشراوي أن جامعة بيرزيت كانت ولا تزال رمزاً للنضال الفلسطيني، إذ تجسد مسيرتها كفاح الشعب الفلسطيني في مجالي التحرر وبناء الوعي. كما أكدت أن الجامعة تظل وفية لرسالتها الأكاديمية في بناء المعرفة والإعداد العلمي للأجيال المتعاقبة التي أثبتت تميزها وكفاءتها في مختلف الميادين داخل الوطن وخارجه.
وتستمر فعاليات المئوية من كانون الأول 2024 حتى آب 2026، وتضم مجموعة من الأنشطة التي ستنظم داخل فلسطين وخارجها. وتهدف هذه الفعاليات إلى تسليط الضوء على مسارات جامعة بيرزيت عبر الماضي والحاضر والمستقبل، بما يعكس رؤيتها ورسالتها في مجالات التعليم والبحث العلمي وخدمة المجتمع. كما تهدف إلى إظهار دور الجامعة في مواجهة التحديات التاريخية والوجودية التي مر بها الشعب الفلسطيني، والتأكيد على دورها الحيوي في مواجهة الظلم والقمع وتقديم المعرفة كأداة للتحرر والتغيير.
منارة للعلم والمعرفة
وأشارت عشراوي في سياق حديثها إلى دور المرأة الفلسطينية في تأسيس هذه المؤسسة العريقة، حيث تم تأسيس جامعة بيرزيت قبل مئة عام على يد نبيهة ناصر وعائلة موسى ناصر، في خطوة تجسد الدور الريادي للمرأة الفلسطينية في المجال المعرفي والعلمي والتربوي. واعتبرت أن هذا الإنجاز يمثل شاهداً على عزم المرأة الفلسطينية على التحدي والمشاركة الفاعلة في مختلف ميادين الحياة.
وأكدت عشراوي على أن جامعة بيرزيت، في مسيرتها الطويلة، كانت وما زالت تعد منارة للعلم والمعرفة، حيث لم تكن بمأمن عن آلام وطموحات الشعب الفلسطيني، بل كانت دوماً نبضًا لصموده الأسطوري. كما أضافت أن الجامعة تمثل جزءاً أساسياً من حراك الشعب الفلسطيني نحو الحرية والعودة والكرامة، وتستمر في الوفاء لرسالتها الأكاديمية التي تتمثل في إعداد أجيال قادرة على المساهمة في بناء المجتمع والنهوض به.
وخلصت عشراوي إلى التأكيد على أن مجلس أمناء جامعة بيرزيت يدرك تماماً حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه، مشيرة إلى أن هذه المسؤولية تُعد أمانة من أجل الحفاظ على تميز الجامعة وسمعتها الأكاديمية، كما أكدت أن المجلس سيتصدى لكل محاولات التقويض والتهديد التي قد تواجه الجامعة، سواء من التحديات الداخلية أو الخارجية، مشددة على أن الجامعة هي ثمرة جهود أجيال متعاقبة، ولن يسمح لأحد بالتلاعب بمكانتها أو استمراريتها.
تاريخ ممتد
من جهته، أوضح رئيس الجامعة، الدكتور طلال شهوان، أن تاريخ جامعة بيرزيت بدأ عام 1924 على يد المربية الرائدة نبيهة ناصر، التي أسست "مدرسة بيرزيت للبنات" كمؤسسة تعليمية رائدة. وأضاف أن هذا المشروع الطموح تطور بفضل جهود الرواد الأوائل واحتضان المجتمع الفلسطيني، ليصبح في نهاية المطاف أول جامعة عربية تُؤسس على أرض فلسطين. وأشار شهوان إلى أن الجامعة لم تكن بمعزل عن التحديات، بل كانت في قلب الأحداث، تواجه الاحتلال والظروف الاقتصادية الصعبة بروح من الصمود والإبداع.
وتابع شهوان أنه بالرغم من الصعوبات التي واجهتها الجامعة، فإنها أصبحت اليوم تحتضن ما يقارب 150 تخصصًا وبرنامجًا أكاديميًا في مختلف الدرجات العلمية. كما أضاف أن عدد خريجي الجامعة تجاوز 53 ألفًا، الذين لم يقتصر دورهم على نشر العلم والمعرفة فقط، بل كانوا أيضًا حراسًا لقيم النضال والعدالة، وتركوا بصماتهم في كل زاوية من زوايا الوطن وفي العديد من دول المنطقة والعالم.
وأشار شهوان إلى أن جامعة بيرزيت قد أطلقت مبادرة "إعادة الأمل" وبرنامج "بيرزيت غزة للتعليم الجامعي"، وهي برامج تهدف إلى دعم التعليم العالي في غزة وتعزيز قيم التعاضد بين أبناء الشعب الفلسطيني. وأكد أن هذه الجهود ليست مجرد دعم أكاديمي، بل هي رسالة إلى الشعب الفلسطيني والعالم أجمع أن الأمل والعمل هما الطريق نحو التحرر والبناء.
وأضاف شهوان أن الجامعة تتطلع إلى المئوية الثانية مع التزامها بثلاثة أركان أساسية: التعليم الحديث، البحث العلمي وإنتاج المعرفة، وخدمة المجتمع بما يعزز قيم التحرر والتنمية والعدالة. كما أكد أن الجامعة ستواصل تحديث تخصصاتها لتلبية احتياجات سوق العمل، وستعزز شراكاتها الأكاديمية المحلية والدولية، وتستمر في تقديم مشاريع تنموية لخدمة المجتمع الفلسطيني في الداخل والخارج.
وأخيرًا، شدد شهوان على أن جامعة بيرزيت ستستمر في دورها كحاضنة للنشاطات الثقافية والسياسية والاجتماعية في إطار الحركة الوطنية الفلسطينية، مع التأكيد على تمكين المرأة وتعزيز دور طلبتها وأعضاء هيئتها التدريسية في دفع رسالتها نحو الحرية والعدالة.
روح لا يأسرها هيكل
من جانبه، ألقى رئيس اللجنة التوجيهية للمئوية، د. عبد الرحيم الشيخ، كلمة أكد فيها على المكانة التاريخية العميقة للجامعة، معتبراً إياها "روحاً لا يأسرها هيكل" وفكرة "لا يسيجها عنصرية". وشرح الشيخ أن جامعة بيرزيت هي مؤسسة أكاديمية عريقة، تحمل جذوراً ثابتة وفرعاً شامخاً في السماء، مشيراً إلى أن هذه الجامعة تأسست في العام 1924 على يد آل ناصر بالقرب من القدس، كمؤسسة تربوية وثقافية تخدم المشروع الوطني الفلسطيني.
وأضاف الشيخ أن جامعة بيرزيت لم تكن مجرد مؤسسة تعليمية، بل كانت ولا تزال تمثل رافعة أكاديمية، ساحة ثقافية، وبوصلة سياسية للمشروع الوطني الفلسطيني. فقد نشأت الجامعة نيابة عن الحركة الوطنية الفلسطينية، وقد تجسد هذا الدور في دعم منظمة التحرير الفلسطينية بعد أربعة عقود من تأسيسها. وشرح الشيخ كيف تطورت جامعة بيرزيت منذ أن كانت مدرسة، ثم تحولت إلى كلية، لتصبح في النهاية جامعة تُعرف باسم "بيرزيت" – كلمة واحدة، لا فراغ بين حروفها، كما هي وحدة الأرض والحياة.
وأشار الشيخ إلى أن جامعة بيرزيت، رغم الظروف القاسية التي مرت بها فلسطين بعد النكسة والنكبة، استمرت في مقاومتها ومواجهة التحديات، متمثلة في صمود مؤسسيها وأبنائها الذين انطلقوا من الخيمة الجامعية، تلك التي كانت تمثل ملاذاً لكل الفلسطينيين، لا سيما اللاجئين الذين حملوا معهم حلم العودة والتحرير. وأكد أن الجامعة، وعلى الرغم من محاولات الإبادة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني، لم تتوقف عن التمسك بمشروعها الوطني، بل زادت من قوتها ومساهمتها في نشر المعرفة المقاومة التي تخدم الشعب الفلسطيني في نضاله من أجل الحرية والتحرير.
وفي كلمته، شدد الشيخ على أن جامعة بيرزيت ليست مجرد مؤسسة أكاديمية، بل هي "جامعة الشهداء" التي أصبحت تحمل اسمهم وتجسد مسارهم النضالي. وقال إن الجامعة لم تقتصر في رسالتها على التعليم الأكاديمي فقط، بل كانت وستظل منبراً للوعي الوطني ومركزاً للمقاومة الفكرية والثقافية. لم تتوقف عن رفض محاولات تقليص حلم الشعب الفلسطيني، وظلت تواكب تطور الأحداث عبر التمسك بمبادئها الوطنية وأهدافها التحررية.
وأضاف الشيخ قائلاً: "نذرنا أنفسنا لنعمل على ترسيخ رسالة الجامعة في أركانها الثلاثة: التعليم، البحث، وخدمة المجتمع، بما يسهم بشكل خاص في رفع الظلم عن شعبنا في غزة الصامدة وباقي أرجاء الوطن، ويُسهم بشكل عام في مواصلة مسيرة الجامعة كمؤسسة وطنية رائدة تدافع عن الحق في الحرية والحياة، وتنشر قيم التعدد والديمقراطية والعمل النقابي والطلابي، وتصونها وتلتزم بالمقاطعة ومقاومة التطبيع كشرطين للحرية الأكاديمية، والحفاظ على جذوة التضامن العالمي. وتسعى الجامعة بالممارسة الفاعلة إلى تحقيق جودة التعليم وحرية المعرفة، وما سواها من منظومة القيم التي نحملها وتحملنا لتحقيق حلمنا الصعب لما ينبغي أن تكون عليه فلسطين."
وأكد الشيخ أن جامعة بيرزيت لا تقيم في الماضي رغم استحضاره، ولا تمكث طويلاً في الحاضر رغم ثقله، ولن تسمح للعدو بمصادرة المستقبل رغم ما يتهدده من خطر. وأضاف قائلاً: "في المئوية الثانية، سنكون قد مضينا إلى عوالم أخرى، وسيكون هنا، وعلى امتداد البلاد الحرة بين البحر والنهر، فلسطينيون آخرون يرددون حكاية البقاء والصمود والمقاومة في وجه أبشع عدو استعماري عرفه التاريخ. في المستقبل القريب، سيذكرون بفخر كيف بقينا، وكيف صمدنا، وكيف قاومنا الوحش دون أن تتوحش أرواحنا. كيف كنا ملح الأرض ونور العالم في زمن انهيار الإنسانية العالمية الرسمية على مستوى الأخلاق والقانون والنظرية. سيروون تاريخ انتصار القلم على السيف، وانتصار الإرادة على الإبادة. سيذكرون أسماء نعرفها من أهل هذه المئوية، وبعض أسماءنا التي لا نعرف بعد موقعها النهائي على أية قائمة في مدونة الشهداء والأسرى واللاجئين في فلسطين دون الشتات، حينها ستكون، لن يكون لبلادنا شتات حينها، ولن يكون في بلادنا المحررة مخيمات ولا سجون ولا ثلاجات ولا مقابر أرقام."
واختتم الشيخ حديثه قائلاً: "حينها، سيزن المنتصرون التابوت المفتوح لذاكرة أملنا الجماعي ورق الغار. حينها ستلمع في ذاكرة أهل المئوية الثانية أسماء حسنى كالتي تلمع في أذهاننا الآن، وصور لآلاف الأوجه الغائبة في غزة وعموم فلسطين، كمال ناصر، شرف الطيبي، فتحي الشقاقي، يحيى عياش، عامر بدر، خضر عدنان، أيسر صافي، وليد دقة، خالدة جرار، مروان البرغوثي، زكريا الزبيدي، صالح حسن، إبراهيم حامد، وكل منهم الآن يطعم من شفة الحب عصافير السجن ويحاول تغيير الدنيا من دامون الكرمل إلى نفحة النقب."
المؤتمر كاملا