تدوين- أحمد أبو ليلى
يُشكل فيلم "مع حسن في غزة" للمخرج كمال الجعفري، الذي افتتح المسابقة الرسمية لمهرجان لوكارنو السينمائي، شهادة سينمائية عميقة تتجاوز مجرد التوثيق لتقدم تأملاً في الذاكرة، الفقد، وتأثير الزمن.
يُعد الفيلم، الذي يمزج بين اللقطات الشخصية والموضوعية، إسهاماً بارزاً في النقاش حول دور السينما في مواجهة محو الذاكرة الجماعية وتوثيق التجارب الإنسانية في سياقات الصراع.
تفكيك السردية وتوثيق الذاكرة
يعود الجعفري (53 عاماً)، الذي يمتلك تاريخاً في مهرجان لوكارنو، إلى أرشيفه البصري الذي صوره عام 2001 خلال الانتفاضة الثانية. هذا الأرشيف، الذي لم يكن القصد منه إنتاج فيلم في حينه، يُصبح اليوم أداة بصرية حاسمة في مواجهة محو الذاكرة، وهو الموضوع الذي تناوله الجعفري في فيلمه السابق "الفيلم عمل فدائي" الذي وثق فيه سرقة الأرشيف الفلسطيني في بيروت عام 1982.
الفيلم الجديد ليس مجرد استعراض للقطات قديمة، بل هو حوار ضمني بين الماضي والحاضر. فالمواد المنسية، التي صُورت بعين شاب في الثلاثينيات، تكتسب قيمة جديدة في ضوء الأحداث الراهنة، مما يخلق إحساساً عميقاً بالفجيعة عبر تراكم اللقطات، ويؤكد أن الصورة قادرة على تخليد الأفراد والأماكن في مواجهة الموت والنسيان.
جماليات الفيلم الوثائقي وصدى الواقع
يتميز فيلم "مع حسن في غزة" بجمالية غير تقليدية تتجاوز الثوابت الكلاسيكية للفيلم الوثائقي.
الشاعرية العفوية: يعتمد الفيلم على شاعرية غير مصطنعة، تنبع من لقطات "هواة" تلتقط الحياة اليومية، لكنها في جوهرها تحمل قدرة تعبيرية عميقة عن المأساة، مما يجعل المشاهد غير المرئية أو المنسية في حياة الناس تكتسب أهمية كبرى.
الزمن كبنية سردية: يستخدم المخرج مرور الزمن كعنصر أساسي في بناء السرد، حيث يربط المشاهد بين الماضي والحاضر بشكل حميمي. هذا الربط يؤكد أن الحاضر هو الذي يمنح الماضي أهميته العاطفية، والعكس صحيح، مما يُضفي على الفيلم طابعاً مأساوياً ومؤثراً.
السينما كأداة للمقاومة الرمزية
يُقدم الجعفري في فيلمه نموذجاً مغايراً للسينما كأداة للمقاومة. فهو يرفض الشعارات والبطولة المباشرة، ويتبنى رؤية "المهزوم" الذي يدرك أن قدرة السينما على تغيير الواقع محدودة، ولكنه يتمسك بأداة التوثيق كسلاح رئيسي ضد النسيان.
ووفقًا لما قاله المخرج، فإن الفيلم هو "تأمل سينمائي في الذاكرة والفقد ومرور الزمن"، وهو ما يضع على عاتق المشاهد مسؤولية فهم وطأة الزمن التي لا تحتمل، والتفاعل مع الصور التي توثق حيوات قد تكون ضاعت إلى الأبد، مما يؤكد أن قيمة الفيلم لا تكمن في جودة الصورة بالضرورة، بل في اللحظات العفوية التي يشارك فيها الأفراد أنفسهم في تشكيل تفاصيل العمل.