تدوين-نصوص
فيما يلي نص للشاعر الفلسطيني منذر أبو حلتم
غزَّةُ وحدَها...
تكتبُ على جُدرانِ القَبرِ الكبير:
"كُنَّا هنا،
وما زالَ البحرُ يحفظُ أسماءَنا،
حتى لو ماتت فيكم الكرامة."
غزَّةُ وحدَها...
تُشعلُ البحرَ بمِلحِها، وتَزرعُ في رَملِهِ أسماءً لا تَذوب،
تَصوغُ من دَمِ أطفالِها نُجومًا تَرفضُ الأفول،
وتَكتبُ على صَخرِ المقابِر:
"هُنا يَنهضُ الشَّهداءُ كلَّ فَجر،
وهُنا، إن ماتَتْ كرامَتُكم،
فإنَّا خَلَدنا."
غزَّةُ وحدَها...
تَمدُّ يدَها المبتورةَ إلى السَّماء،
فتُمسكُ بالكواكبِ كحَبّاتِ رُمّانٍ دامية،
وتَسكبُها على البحرِ ليصيرَ نَبيذًا أزليًّا للذاكرة.
غزَّةُ وحدَها...
تَخرجُ من بينِ العظامِ زهرةُ نارٍ،
تَكتبُ على جدارِ المَجرّة:
"هُنا احترقنا، لكنَّ الرَّمادَ صارَ نُجومًا،
وهُنا، إنْ نامَت قلوبُكم،
فنحنُ مَن سيوقظُ الأبد."
غزَّةُ وحدَها...
تُطلُّ من رُكامِها كالعَنقاء،
جناحاها من شظايا الزُّجاج،
وصَدرُها من رمادِ الأطفال،
لكنَّ صَوتَها يُشعلُ المَجرّات.
غزَّةُ وحدَها...
تَنهضُ في قلبِ اللَّيلِ ككوكبٍ متمرّد،
تَكتبُ على لَوحةِ الكون:
"هُنا سقطنا ألفَ مرّة،
وهُنا وُلِدنا ألفَ مرّة،
ولا موتَ لمن صارَ نِداءً أبديًّا."
غزّةُ وحدَها...
تتفتّحُ من رمادِها وردةٌ لا تُسمّى،
جناحٌ من ليلٍ، وجناحٌ من لهب،
تتركُ على جدارِ السّماء أثرَ ومضةٍ،
لا تُقرأ... بل تُحسّ،
ولا تُمحى... بل تُضاعَف.
غزّةُ وحدَها...
تذوبُ في صمتِ البحرِ كنجمةٍ جريحة،
وتُرسلُ همسًا لا يُلتقط،
غير أنّ المجرّاتِ ترتجفُ كلَّما مرَّ.
غزّةُ وحدَها...
تتركُ على الماءِ ارتعاشةً لا تُرى،
وتهمسُ للنجومِ بلغـةٍ بلا حروف،
فتَصغي المجرّاتُ كأنَّها أطفالٌ يتامى.
غزّةُ وحدَها...
تذوبُ في صمتِ الكونِ،
لكنّ صداها يظلُّ يطرقُ أبوابَ الأبد،
كأغنيةٍ لا يعرفُ أحدٌ مَن بدأها،
ولا أحدٌ يجرؤ أن يُنهيها.