تدوين-ترجمة وتعليق: سعيد بوخليط
يوم 18 نوفمبر 1952، أكَّد ألبرت أينشتاين بكيفية لَبِقة رفضه الرَّسمي لترشيح من طرف مناحيم بن غورين كي يترأَّس دولة إسرائيل، بعد وفاة حاييم وايزمان، من خلال رسالة جوابية بعثها الفيزيائي العبقريّ إلى سفير إسرائيل في الولايات المتحدة الأمريكية، يقول مضمونها:
''عزيزي السيِّد السفير،
شعرتُ بتأثُّر نحو العرض الذي رَشَّحَني باسم دولتنا إسرائيل، لكن خلال ذات الوقت، فأنا حزين ومضطرب جرَّاء استحالة إبداء موافقتي على عرض من هذا القبيل، ما دمتُ قد كَرَّستُ جلَّ مسار حياتي لعالم الأشياء، مما أفقدني سواء القدرة الطبيعية، أو التَّجربة الضَّرورية حتى أكون قادرا على تدبير أمور عالم البشر وتحمُّل مسؤولية مهام رسمية.
حقا تَقَدَّمَتْ سنوات عمري، معطى في كل الأحوال لم يكبح جماح قدراتي، رغم ذلك لن أقدر على الارتقاء صوب مستوى أداء واجبات ومقتضيات هذا المنصب.
أراها مسؤولية جسيمة للغاية، لا سيما أنَّ علاقاتي مع الشعب اليهودي صارت أكثر ما أرتبط به منذ إدراكي لهشاشة وضعيتنا ضمن باقي الأوطان.
إذن فلنبكي على رجل - المقصود حاييم وايزمان - حمل على أكتافه عبء مصيرنا وكذا وطأة نضالنا من أجل الاستقلال، في خضمِّ وقائع مأساوية.
أتطلَّع من كل فؤادي صوب تحقُّقِ ترشُّح شخص يمكنه تولِّي هذه الوظيفة الصعبة والثقيلة، بناء على تراكم أنشطته ماضيا وطبيعة شخصيته.
ألبرت أينشتاين''(1).
نظرة سريعة على سياق الرسالة:
ألبرت أينشتاين أحد رجال العلم الكبار خلال القرن العشرين، لا زال غاية الآن اسمه ذائع الصَّيت من خلال معادلات نظرية النسبية، لكن إلى جانب هذا الإرث العلمي الخالص، فقد وَطَّد أيضا فكره الثَّاقب طيلة حياته بنيانا من القيم والمبادئ وكذا معايير الواجب الإنساني والضَّمير الحيِّ، تظلّ هذه المرَّة مطلقة وأبدية بغضِّ النَّظر عن الزمكان وليست نسبية؛ على امتداد الأزمنة ثم مابقيت الأمكنة أخلاقيا واعتباريا، لم يُسَلَّطْ على معالمها الحَقَّة الضَّوء بنفس وجاهة مشروعه الفيزيائي.
كما هو معلوم، ينحدر ألبرت أينشتاين من عائلة يهودية بورجوازية، تمثَّل والداه التصوُّر الديني وفق اقتناع راسخ يتجاوز منطق التَّقليد وسلطة العادة أو العرف.
عندما بلغ أينشتاين سنَّ السادسة عشر، أعلن رفضه للدين مع انتقاده في نفس الوقت جانب الفراغ الروحي الذي تعيشه البورجوازية اليهودية، ربما نتيجة اضطرابه من موجة معاداة السامية التي سادت أوروبا منذ نهاية القرن التاسع عشر.
سنة 1896، تخلَّى عن جنسيته الألمانية، معتبرًا بأنَّ مجتمع بسمارك تطغى عليه نزعة استبدادية للغاية ومنحى عسكري. كما أظهر، مشاعر التمرُّد حيال التوجُّه المحافظ والتقليدي عند اليهود، مما ينعكس سلبا على إمكانية التعبير عن هويتهم.
بعد سنوات، انحاز أينشتاين بامتياز إلى الدفاع وحماية الذين نعتهم ب''أبناء قومه''، نتيجة السياسة المعادية لليهود التي بلورتها عمليا يوميات ألمانية النازية والجرائم التي اقترفتها، دون تنكُّره قط لحقوق العرب أو غاب عن حدسه الاستدلالي الاحتمال التراجيدي لإنشاء دولة يهودية بحيث عارض مبدئيا هذا المخطط.
يوم 9 نونبر 1952، توفيَّ أول رئيس للدولة الإسرائيلية حايم وايزمان، وقد بلغ سبعا وسبعين عاما، وهو أصلا عالم كيمياء ينحدر من روسيا، عندها أوحى الوزير الأول مناحيم بيغن باسم ألبرت أينشتاين كي يشغل منصب رئيس إسرائيل، معتبرًا إيَّاه: ''أعظم اليهود، بل ربما الأعظم ضمن البشر؟''.
ألبرت أينشتاين، وقد صار آنذاك مواطنا أمريكيا، اكتشف الإعلان عن الخبر عبر صفحات نيويورك تايمز، بعد توصل النَّاشر ببرقية سريعة. لم ترق له الفكرة، بل اعتبرها سيئة مادام مفهومه مختلفا بخصوص اليهودية ولا يحظى بالإجماع.
فيما بعد، همس بسِرٍّ إلى ابنته حينما أخبرها: ''لو أصبحتُ رئيسا لإسرائيل، فسأقول أحيانا للشعب كلاما لا يرغب في سماعه''.
هامش:
المرجع:
Simon Veille: Einstein dans la tragédie du XXe siècle, 2013. (1)