الجمعة  26 أيلول 2025

​بانكسي أربك لندن برسالة دعم لفلسطين

2025-09-26 07:36:29 AM
​بانكسي أربك لندن برسالة دعم لفلسطين
السلطات البريطانية حجبت أحدث لوحات بانكسي التي رسمها بمبنى المحاكم الملكية في لندن (الفرنسية)

تدوين- راما الحموري

بانكسي شخصية سرية تثير قلق الحكومات وتلهب صالات المزادات. هذا هو بانكسي، فنان الشارع الأشهر في العالم المعاصر، الذي لا يزال اسمه الحقيقي وتفاصيل سيرته الذاتية غامضة، لكن رسائله السياسية والإنسانية لا تخطئ الهدف أبداً، وغالباً ما تُصاغ بـكوميديا سوداء وتُبث في الشوارع والجدران حول العالم.

ومؤخراً، فاجأ بانكسي البريطانيين والعالم بعمل فني لاذع رسمه على الواجهة الخارجية لمبنى المحاكم الملكية في لندن. اللوحة التي ظهرت بعد يومين فقط من توقيف نحو 900 شخص خلال مظاهرة داعمة لمجموعة "فلسطين أكشن" المحظورة، كانت صريحة: رسم لقاضٍ ينحني حاملاً مطرقته فوق متظاهر مطروح أرضاً.

ذعر حكومي وإخفاء للوحة

أثارت هذه الجدارية ذعراً سريعاً لدى الحكومة البريطانية، التي سارعت إلى وضع حراس أمن وإخفاء اللوحة عن المارة المتوافدين لالتقاط الصور. وفيما بعد، تم طلاء الجدارية لإخفاء معالمها تماماً.

هذا العمل لم يكن مجرد إضافة لسجله الفني؛ بل وضع بانكسي في مأزق قانوني غير مسبوق. فقد فتحت شرطة لندن تحقيقاً في "إتلاف جنائي" لمبنى مصنّف ضمن المباني التاريخية من الدرجة الأولى. هذا التطور قد يجبر الفنان، في حال القبض عليه، على الكشف عن هويته الحقيقية أمام القضاء، وهي خطوة يرفضها منذ بدء ظهوره في عام 2003 على جدران بريستول ولندن. ويعتبر إتلاف الممتلكات المصنفة جريمة قد تصل عقوبتها إلى السجن 10 سنوات.

بانكسي وفلسطين: فن يتجاوز الجدران

تُعد فلسطين الركن الأبرز في أجندة بانكسي الفنية والسياسية. فقد بدأت علاقته مع القضية برسم جداريات على جدار الفصل العنصري وفي مخيمات اللاجئين بالضفة الغربية المحتلة منذ عام 2005. ولم يكتفِ بذلك، بل عمل في قطاع غزة، حيث أصر على الوصول إليها عبر الأنفاق في عام 2014 بعد الهجوم الإسرائيلي، ليُحوّل الركام إلى لوحات ذات مغزى. كان من بين أعماله قطة تلهو بكرة من معدن على أنقاض منزل، وفسرها بانكسي لصاحب المنزل بأنها ترمز إلى الحق في الحياة. كما نشر فيلماً قصيراً ليلفت أنظار العالم إلى الدمار في غزة، قائلاً بوضوح: "إن غسلنا أيدينا من الصراع بين الأقوى والأضعف، فإننا نقف إلى جانب الأقوى، لذا لن نكون محايدين".

إحدى جداريات بانكسي في غزة

غموض يُبقي على الأسطورة

على الرغم من عدم تأكيد هويته (ويُعتقد أنه يدعى روبرت بانكسي، من مواليد بريستول عام 1974)، فإن تأثيره لا جدال فيه. اختارته مجلة "التايمز" الأمريكية ضمن 100 شخصية الأكثر تأثيراً في العالم، وفي عام 2007 نال جائزة "أعظم فنان يعيش في بريطانيا" - والتي لم يحضر لاستلامها.

لعل أشهر حادثة رسّخت أسطورته كانت في عام 2018، حين قامت لوحته الشهيرة "الفتاة الصغيرة ذات البالون" بتمزيق نفسها ذاتياً بجهاز أخفاه الفنان داخل اللوحة، بعد إعلان بيعها بمبلغ 1.4 مليون جنيه إسترليني في قاعة سوذبيز للمزادات. الغموض المحيط به يضفي هالة محببة على أعماله، وتستفيد منه دور المزادات العالمية لتعظيم الأرباح، ما يجعله يفضل العمل في الخفاء بعيداً عن السلطات و"مضايقات الصحافة".

بانكسي و"جدار الفصل العنصري"

رسائل بانكسي لا تتوقف عند حدود بريطانيا، فله قصة طويلة وعميقة مع فلسطين. بدأت حكايته برسم جداريات على جدار الفصل العنصري وفي مخيمات اللاجئين بالضفة الغربية المحتلة منذ عام 2005. كما زار قطاع غزة في عام 2014 عبر الأنفاق بعد الهجوم الإسرائيلي، ورسم أعماله على جدران وأبواب المنازل المدمرة.

في تلك الفترة، نشر بانكسي فيلماً قصيراً لفت به أنظار العالم إلى غزة، مؤكداً: "إن غسلنا أيدينا من الصراع بين الأقوى والأضعف، فإننا نقف إلى جانب الأقوى، لذا لن نكون محايدين". وفي أحدث أعماله، وعلى وقع الحرب الوحشية الأخيرة، أرسل تحية لأطفال ونساء غزة بلوحة تمثل أطفالاً يصعدون إلى السماء وهم يحملون بالوناً أحمر اللون.

لكن أعماله في فلسطين لم تسلم من السرقة والعبث. فقد ظهرت قطعة مفقودة من لوحاته، هي رسم "جرذ المقلاع" (Slingshot Rat) على كتلة خرسانية، في صالة عرض في تل أبيب بعد أن سُرق من بيت لحم. وقد اجتاز العمل الفني، الذي يزن 400 كيلوغرام، نقطة تفتيش عسكرية إسرائيلية للوصول إلى تل أبيب، في دليل على مدى العبث الفني والسياسي في المنطقة.

رسم "جرذ المقلاع" الذي أنجزه بانكسي في جدار الفصل العنصري بالضفة الغربية المحتلة (غيتي)

إن بانكسي، الفنان التهكمي المناهض للحرب والسلطة، تجاوز مجرد كونه رمزاً للثقافة البريطانية ليصبح رمزاً للفنان المتمرد على كل أشكال الظلم، والذي يواصل توثيق أعماله عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تُزال أو تُنهب من الشوارع.